الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب صلاة الضحى
ــ
38 -
باب صلاة الضحى
الضحو والضحوة والضحية كعشية: ارتفاع النهار، والضحى بالضم والقصر فوقه، ويجيء بمعنى شعاع الشمس أيضًا كقوله تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، والضحاء بالفتح والمد: انتصاف النهار، ووقت ارتفاع الشمس إلى ربع السماء وقرب انتصاف النهار، والمتعارف بين الناس في أول النهار من النوافل صلاتان، إحداهما: بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح أو رمحين، ويسمونه صلاة الإشراق، وثانيتهما: وقت ارتفاعها إلى ربع السماء إلى قبيل نصف النهار، ويسمونه صلاة الضحى، وجاء في كثير من الأحاديث اسم صلاة الضحى شاملًا لكل من الصلاتين في الوقتين، وفي بعض الأحاديث أيضًا أطلق عليه صلاة الإشراق، كما أورده السيوطي من حديث الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال:(يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق) بعد حديث آخر أورده أيضًا عن الطبراني عن عمر رضي الله عنه: (ابن آدم اضمن لي ركعتين أول النهار أكفك آخره).
وقال البيضاوي (1) في تفسير قوله تعالى: {بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} : وقت الإشراق حين تشرق الشمس، أي: تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها، يقال: شرقت الشمس لما تشرق، وعن أم هانئ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: هذه صلاة الإشراق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية، انتهى.
والشيخ الإمام الأجل علي المتقي رحمة اللَّه عليه في تبويب (جمع الجوامع) المسمى بـ (الجامع الكبير) جعل لصلاة الإشراق عنوانًا على حدة، وأورد فيه حديث الترمذي عن أنس: من صلى صلاة الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر اللَّه حتى تطلع
(1)"تفسير البيضاوي"(5/ 89).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشمس، ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين تامتين، وقد صح أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى في الوقتين ورغب الأمة فيها، وفي الحقيقة هو وقت واحد وصلاة واحدة، أولها وقت الإشراق وآخرها إلى قبيل انتصاف النهار، ولما صلى في بعض الأحيان في الوقتين ظنوا من ذلك أن ههنا وقتين وصلاتين، وبعضهم يقولون: الضحوة الصغرى والضحوة الكبرى، واللَّه أعلم.
ثم اعلم أنه قد جاءت الأخبار والآثار فيها مختلفة، وجاءت في صلاته صلى الله عليه وسلم وترغيبه فيها أحاديث كثيرة، وقال في (المواهب اللدنية) (1): إن الشيخ ولي الدين بن العراقي قال: جاءت فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة، حتى قال محمد بن جرير الطبري: إن الأخبار في هذا الباب واصلة إلى درجة التواتر المعنوي وبالغة إلى حد اليقين، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن هذه لصلاة السابقين من الأنبياء والمرسلين، واللَّه تعالى يخبر عن داود عليه السلام {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 18] فأبقى اللَّه تعالى من ذلك التسبيح في دين محمد صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وصلاة الإشراق.
وأورد السيوطي عن الديلمي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: كانت صلاة الضحى أكثر صلاة داود، وعن ابن النجار من حديث ثوبان: صلاة الضحى صلاة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.
واستحباب صلاة الضحى هو مذهب أكثر العلماء؛ لأن خبر المثبت مقدم على خبر النافي، وقد ذهب جمع من العلماء إلى كراهة صلاة الضحى، وقالوا: إنها بدعة
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 214).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من البدع الحادثة بعد زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وتمسكوا بأحاديث كثيرة وردت في نفيها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، وحكم فيها بعض الصحابة أنها بدعة، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: بدعة ونعمت البدعة، وقال: ما ابتدع المسلمون أفضل من صلاة الضحى.
وقال العلماء في تطبيق الأحاديث: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها خشية أن يفرض على الأمة ويقعوا في المشقة كما كانت عادته الشريفة صلى الله عليه وسلم، لكن كان يرغبهم عليها ويحرص، ولا شبهة في صلاته صلى الله عليه وسلم إياها لما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، فمن نفاها عنه صلى الله عليه وسلم إما نفى علمه ورؤيته إياها أو مداومته عليها كما نفت عائشة عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عندها في ذلك الوقت إلا نادرًا، وتارة كان يصلي في السفر وأخرى في المسجد، وتارة في بيت نسائه غيرها، ولو كان عندها ما كانت صلاته إلا نادرًا فلم ترها، وقد جاء صريحًا في حديثها: ما رأيت يصلي، مع أنه قد جاء في أحاديث كثيرة عنها إثباتها، وأما تسميتها بدعة فالمراد منه صلاتها في المسجد مكثرين مواظبين، وما روى قيس بن عبيد أنه كان عامًا في صحبة ابن مسعود رضي الله عنه فما رآه يصلي، فذلك لكون عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه مشتغلًا بالفقه والعلم، والاشتغال بالعلم أفضل من الصلاة النافلة.
وقال مسروق: كنا نقرأ فنبقى بعد قيام ابن مسعود، ثم نقوم فنصلي، فبلغ ابن مسعود ذلك فقال: لم تحمِّلون عباد اللَّه ما لم يُحملهم اللَّه؟ إن كنتم لا بد فاعلين ففي بيوتكم، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنه ينبغي أن يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا، ويصلي في البيوت دون المساجد، والصواب أن المواظبة عليها أيضًا مستحبة؛ لأن توهم الفرضية قد ارتفع.