الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
1461 -
[9] عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي. . . . .
ــ
الفصل الثاني
1461 -
[9](جابر) قوله: (موجوءين) في (القاموس)(1): وجأ التيس وجأً ووجاء فهو موجوء ووجيء: دقّ عروق خصيتيه بين الحجرين ولم يخرجهما، أو رضّهما حتى تنفضخا (2)، والخصاء: سل الخصيتين، فإن قلت: كيف يجوز الموجوء، والوجاء نقصان؟ قلنا: الخصا ههنا نقصانٌ صورة وكمالٌ معنًى؛ لأن لحم الخصي أطيب وألذ، وقول من كره الخصي في الأضحية غير صحيح.
وقوله: (فلما وجههما) أي: جعل وجههما إلى القبلة.
وقوله: (على ملة إبراهيم)(3) حال من ضمير المتكلم في (وجهت) قريب من معنى الحال المؤكدة، (وحنيفًا)(4) أيضًا حال منه مترادفة أو متداخلة، ويجوز أن يكون حالًا من (إبراهيم) كما في الآية.
وقوله: (إن صلاتي ونسكي) في (القاموس)(5): النسك مثلثة وبضمتين: العبادة
(1)"القاموس المحيط"(ص: 64).
(2)
تَنْكَسِرَا.
(3)
يَعْنِي فِي الأُصُولِ وَبَعْضِ الْفُرُوعِ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1083).
(4)
أَيْ: مَائِلًا عَنِ الأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ إِلَى الْمِلَّةِ الْقَوِيمَةِ الَّتِي هِيَ التَّوْحِيدُ الْحَقِيقِيُّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، بِحَيْثُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَا سِوَى الْمَوْلَى. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1083).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 879).
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِسْم اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ" ثُمَّ ذَبَحَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: ذَبَحَ بِيَدِهِ وَقَالَ: "بِسْم اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي". [حم: 3/ 375، د: 2795، جه: 3121، دي: 2/ 75 - 76].
ــ
وكل حق للَّه عز وجل، والنسك بالضم وبضمتين، وكسفينة: الذبيحة، أو النسك: الدم، والنسيكة: الذبح، وقال الطيبي (1): أي: تقربي وذبحي. وفي الحديث: (ونسك نسكنا)، قال الكرماني (2): أي ضحى مثل أضحيتنا.
وقوله: (ومحياي ومماتي) أي: حياتي وموتي، يعني ما أعمل فيهما.
قوله: (وأنا من المسلمين) ورواية: (وأنا أول المسلمين) أي: أول مسلمي هذه الأمة؛ لأن إسلام كل نبي مقدم على إسلام أمته، ويجوز أن يكون المعنى على إظهار غاية الإسلام والانقياد لغرض تقدم إسلامه على إسلام كل مسلم وسبقه عليه، فيكون في معنى الإنشاء، فعلى هذا المعنى إن قاله غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لجاز أيضًا، فافهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (ثم ذبح) ثم ههنا ليس على حقيقتها من التراخي، أو المراد ثم أتم الذبح
وقوله: (ذبح بيده) فيه تأكيد وبيان نفي أن يراد أمر بالذبح، وفيه أن الذبح بنفسه أحب.
(1)"شرح الطيبي"(3/ 251).
(2)
"شرح الكرماني"(6/ 64).
1462 -
[10] وَعَنْ حَنَشٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ. [د: 2790، ت: 1495].
1463 -
[11] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَلَّا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ، وَانْتَهَتْ رِوَايَتَهُ إِلَى قَوْله: وَالأُذُنَ. [ت: 1498، د: 2804، ن: 4372، دي: 2/ 77].
ــ
1462 -
[10] قوله: (وعن حنش) بفتح المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة، ابن المعتمر، وقيل: ابن ربيعة الكناني الكوفي.
وقوله: (فأنا أضحي عنه) فيه جواز أن يضحي عن ميت، ولم ير بعض العلماء التضحية عن الميت.
1463 -
[11](علي) قوله: (أن نستشرف العين والأذن) أي: نتأملها حتى لا يكون فيهما نقصان يمنع عن جواز التضحية بها.
وقوله: (وأن لا نضحي بمقابلة) بفتح الباء وهو ما يقطع من قبل أذنها، أي: مقدمها شيء، والمدابرة أيضًا بفتح الباء وهي التي قطع من دبر أذنها، (ولا شرقاء) على وزن حمراء أي مشقوقة الأذن، وقيل: مقطوعتها طولًا، (ولا خرقاء) كذلك مشقوقتها، أي: مقطوعتها ثقبًا مستديرًا (1).
(1) قَالَ الْمُظْهِرُ: لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ قُطِعَ بَعْضُ أُذُنِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيُّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ إِذَا قُطِعَ أَقَلُّ مِنَ النِّصْفِ، وَلَا بَأْسَ بِمَكْسُورِ الْقَرْنِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ كُلَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَضْبَاءِ الْقَرْنِ وَالأُذُنِ، قَالَ قَتَادَةُ: =
1464 -
[12] وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُضَحِّيَ بَأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالأُذُنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: 3145].
1465 -
[13] وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: "أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ. . . . .
ــ
1464 -
[12](وعنه) قوله: (بأعضب القرن) أي: مكسورة من داخل، ويقال للانكسار من الخارج: القَصْمُ، وقالوا: العضب أكثر ما يستعمل في القرن، وقد يستعمل في الأذن كما في الحديث، والمراد به قطعها (1).
1465 -
[13](البراء بن عازب) قوله: (أربعًا) أي: اتقوا، وقد يقال: إن قوله: (يتقى) بالياء بلفظ المجهول تصحيف من (تنقي) بالنون ولفظ المعلوم.
وقوله: (العرجاء) بالنصب بدل من أربعًا، ويجوز الرفع على الخبر، وكذلك
= فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: مَا عَضْبَاءُ الأُذُنِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مَقْطُوعًا، اهـ.
وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ الأُذُنِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا، وَلَا مَقْطُوعُ النِّصْفِ خِلَافَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً، وَلَا مَقْطُوعُ الذَّنَبِ وَالأَنْفِ وَالألْيَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الأُذُنِ، وَلَا الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا، وَلَا الذَّاهِبَةُ ضَوْءُ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْقُصَ رَعْيُهَا؛ إِذْ لَا تُبْصِرُ أَحَدَ شِقَّيِ الْمَرْعَى، وَلَا الْعَجْمَاءُ الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا وَهِيَ الْهَزِيلَةُ، وَلَا الْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تُنْسَبُ إِلَى الْمَنْسَكِ، وَلَا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا تَعْتَلِفُ، وَلَا الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا بِحَيْثُ لَا تَعْتَلِفُ، وَلَا الْجَلَّالَةُ، وَيَجُوزُ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنُهَا طُولًا، أَوْ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا، وَهِيَ مُتَدَلِّيَةٌ أَوْ مِنْ خَلْفِهَا، فَالنَّهْيُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه كَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُبَالُوا بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: ذَهَبَ الأَرْبَعَةُ أَنْ تُجْزِئَ الشَّرْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنُهَا، وَالْخَرْقَاءُ وَهِيَ الْمَثْقُوبَةُ الأُذُنِ مِنْ كَيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1084).
(1)
في "التقرير": وذهبت الحنفية والشافعية والجمهور إلى أنها تجوز التضحية بمكسورة القرن مطلقًا، وكرهه مالك إذا كان يدمي.
البَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي". رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ. [ط: 2125، حم: 4/ 289، ت: 1497، د: 2802، ن: 4371، جه: 3144، دي: 2/ 76].
ــ
أخواتها كذا في بعض الشروح.
وقوله: (البين ظلعها (1)) بالسكون بمعنى العرج، في (القاموس) (2): ظلع البعير كمنع: غمز في مشيه، وأصله الظلاع بالضم: داء في قوائم الدابة لا من مسير ولا من تعب، وقال: والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك.
وقوله: (والعوراء البين عورها) بأن يكون قد ذهب إحدى عينها كلها أو أكثرها. وقد اختلفت الروايات عن أبي حنيفة في تفسير الأكثر، وقد ذكر في (الهداية) بالتفصيل.
وقوله: (والمريضة البين مرضها) بحيث لا يرجى صحتها، وهذه الثلاثة علة للعجف وسبب لنقصان لحمها في عظامها، ثم ذكر العجف صريحًا.
وقوله: (والعجفاء التي لا تنقي) بضم التاء وكسر القاف، أي: المهزولة التي لا نقي في عظامها، والنقي بكسر النون وسكون القاف: المخ، أنقى ينقي صار ذا مخ، والمنقى كل عظم ذي مخ (3).
(1) قوله: ظلعها وقع بخط الشيخ عفيف الدين بتحريك اللام، قال في "الصحاح" (3/ 1271): الضلع بالتحريك الاعوجاج لكنه قال في "النهاية"(3/ 158): الظلع بالسكون العرج. (منه).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 688).
(3)
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْخَفِيَّ فِي الضَّحَايَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1085).
1466 -
[14] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 1496، د: 2796، ن: 4390، جه: 3128].
1467 -
[15] وَعَنْ مُجَاشِعٍ مِنْ بَنِي سُلَيْم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ الْجَذِعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [د: 2799، ن: 4383، جه: 3140].
1468 -
[16] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نِعْمَتِ الأُضْحِيَّةُ الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1499].
ــ
1466 -
[14](أبو سعيد) قوله: (فحيل) ككريم وزنًا ومعنًى، هو القوي الخلق، كثير اللحم (1).
1467 -
[15](مجاشع) قوله: (إن الجذع) بفتحتين، والمراد ما من الضأن بدليل الأحاديث الأخر، ولو فسر بما تم له سنة جاز من المعز أيضًا، وقد سبق المفاسير، فتدبر.
وقوله: (يوفي) من التوفية، هذا إن خصص الحكم بالغنم، وإن عمم فالثني من الأقسام قد عرف تفسيره، وأما الجذع من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر ما دخل في الثانية.
1468 -
[16](أبو هريرة) قوله: (نعمت الأضحية الجذع من الضأن) مدح له
(1) قوله: "يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ" أَيْ: حَوَالَيْ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ. "وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ" أَيْ: فَمُهُ أَسْوَدُ. "وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ" أَيْ: قَوَائِمُهُ سُودٌ مَعَ بَيَاضِ سَائِرِهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ لِلتَّضْحِيَةِ الأَسْمَنُ الأَكْحَلُ، حَتَّى إِنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَلُ مِنْ شَاتَيْنِ، وَكَثَرَةُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِن كَثْرَةِ الشَّحْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ رَدِيئًا، قَالَهُ فِي "الأَزْهَارِ". "مرقاة المفاتيح"(3/ 1085).
1469 -
[17] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى، فَاشْتَرَكنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةٌ، وَفِي الْبَعِيرِ عَشَرَةٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريبٌ. [ت: 1501، ن: 4392، جه: 3131].
ــ
بجوازه بخلاف الجذع من المعز كما سبق، وروى الترمذي (1) عن أبي كِباش قال: جلبت غنمًا وجذعان إلى المدينة فكسدت عليّ، فلقيت أبا هريرة فسألته، فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: نعمت الأضحية الجذعة من الضأن، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزئ في الأضحية.
1469 -
[17](ابن عباس) قوله: (سبعة) منصوب بتقدير أعني بيانًا لضمير الجمع، وقيل: على الحالية، وقيل: مرفوع بدل من الضمير في (اشتركنا)، ويجوز مثل هذا في بدل البعض.
وقوله: (وفي البعير عشرة) عمل به بعض العلماء، والجمهور على أنه منسوخ (2).
وقوله: (قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب) قال في (جامعه): وفي الباب عن أبي الأسد السلمي عن أبيه عن جده وأبي أيوب، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى، ثم روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه
(1)"سنن الترمذي"(1499).
(2)
أي: مِمَّا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ"، والأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَعَارَضٌ بِالرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، كذا في "المرقاة" (3/ 1086). وقال الكاساني في "البدائع" (5/ 71): إِنَّ الأَخْبَارَ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي الظَّاهِرِ يَجِبُ الأَخْذُ بِالِاحْتيَاطِ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا، لِأَنَّ جَوَازَهُ عَنْ سَبْعَةٍ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الزِّيَادَةِ اخْتِلَافٌ، فَكَانَ الأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ، انتهى.
1470 -
[18] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا،
ــ
قال: نحرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وقال إسحاق: يجزئ أيضًا البعير عن عشرة، واحتج بحديث ابن عباس.
واعلم أن الترمذي عقد بابًا في ما جاء في أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت، وروى أن أبا أيوب الأنصاري سئل كيف كانت الضحايا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تباهى الناس فصارت كما ترى، قال الترمذي: هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش، فقال: هذا عمن لم يضح من أمتي، وقال بعض أهل العلم: لا تجزئ الشاة إلا من نفس واحدة.
1470 -
[18](عائشة) قوله: (من إهراق الدم) ولذلك قال علماؤنا رحمهم الله: التضحية فيها أفضل من التصدق بثمن الأضحية، ولأنها تقع واجبة أو سنة، والتصدق تطوع محض فتفضل عليه، ولأنها تفوت بفوات وقتها، والصدقة تؤتى بها في الأوقات كلها، فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي، كذا في (الهداية)(1).
وقوله: (وإنه) الضمير لما يفهم من الإهراق، وفي (بقرونها) وأخويه أيضًا، والتأنيث باعتبار الجنس.
(1)"الهداية"(4/ 358).
وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 1439، جه: 3126].
1471 -
[19] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. [ت: 758، جه: 1728].
ــ
وقوله: (فطيبوا) من التطييب أو من الطيب، فـ (نفسًا)(1) على الأول مفعول به، وعلى الثاني تمييز.
1471 -
[19](أبو هريرة) قوله: (أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة) فالعبادة في هذا العشر مطلقًا أحب وأفضل منها في غيره، ثم التضحية فيها أفضل من العبادات الأخر، وقد عرفت الاختلاف فيها وفي عشر رمضان، ووجه التطبيق بينهما، فتدبر.
وقوله: (بصيام سنة) والمراد سوى عرفة؛ فإن صومها يعدل صيام سنتين.
وقوله: (وقال الترمذي: إسناده ضعيف) عبارة الترمذي هكذا: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس، وسألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، انتهى. وقال في (التقريب) (2): مسعود ابن واصل الأرزق البصري لين الحديث، من التاسعة. وقال: النهاس بتشديد الهاء ثم مهملة، ابن قهم بفتح القاف وسكون الهاء، ضعيف، من السادسة، وكتب في حاشية
(1) قال السندي: وَجَعْلُهُ مِنْ طَيِّبَ وَنَصْب نَفْسًا عَلَى الْمَفْعُولِ بَعِيدٌ. "حاشية السندي على سنن ابن ماجه"(2/ 273).
(2)
"التقريب"(ص: 528).