الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1188 -
[1] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ. . . . .
ــ
والثاني أصح وأصوب، وكان تارة يوتر بركعة واحدة وأخرى بثلاث ركعات.
ولْيعلم أن في بعض الروايات عدَّ الوتر داخلًا فيها، وفي بعضها خارجًا، وفي بعضها أدخلت الركعتان بعد الوتر فيها، وفي بعضها أطلق الوتر على ركعة منها، وفي بعضها على ثلاث إلى خمس وسبع، وفي بعضها سميت صلاة الليل كلها وترًا، كما جاءت في رواية أم سلمة رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاثة عشر ركعة، ولما بدَّن أوتر بسبع، وفي الصحيح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أوتروا يا أهل القرآن)، وأراد به قيام الليل، ووجهه: أن الصلاة كلها تصير بضم الوتر إليها وترًا، كما تصير صلاة النهار بالمغرب وترًا، وقد ورد:(صلاة المغرب وتر النهار).
والكلام في أن التهجد كان فرضًا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو على كلِّ الأمة ثم نسخ مشهور، والمختار أنه كان فرضًا على الكل، ثم نسخ على الأمة، وبقي فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر العمر، وقد حقِّق ذلك في موضعه، وقد ذُكر نبذ من ذلك في (سفر السعادة)(1) وشرحه، وقد يتضح هذه المعاني أكثرها في أثناء شرح أحاديث الباب.
الفصل الأول
1188 -
[1](عائشة) قوله: (فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم
(1) انظر: "سفر السعادة"(ص: 70).
خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتيْنِ،
ــ
خمسين آية قبل أن يرفع رأسه) الظاهر -واللَّه أعلم- أن يكون اللام في (السجدة) للعهد الذهني، و (من) للتبعيض، والمراد أنه كان يسجد سجدة من بعض سجداته طويلًا هذا القدر المذكور، ويحتمل أن يكون للاستغراق يعني كان قد يسجد سجدات تلك الركعات طويلة، وقد حمله بعض الشافعية على أنه سجدة شكر كان يسجدها من جهة ما صدر عنه الفعل المذكور.
واعلم أن ما وقع عليه العمل في بعض البلاد من السجدتين بعد الوتر بالكيفية المعروفة وقع فضلها في بعض الروايات الفقهية الضعيفة المرجوحة، فلا أصل له من الأخبار والآثار، ولا وردت به الرواية الفقهية المختارة، ولا عُمل عليه في الحرمين الشريفين بل سائر ديار العرب، وقد يروى في ذلك حديث حكموا بوضعه، وآثار الوضع منه لائحة، وما ذهب أحد من أئمة المذاهب الأربعة إلى سنِّيتهما أو استحبابهما، وأكثر حنفية تلك الديار لا يعرفونهما، وبعضهم ينقلون كراهيتهما، واللَّه أعلم.
وقوله: (فإذا سكت المؤذن) الرواية المشهورة بالتاء الفوقانية، وقد يروى:(سكب) بالموحدة، أي: صب، قال في (مشارق الأنوار) (1): رويناه بالتاء من السكوت في هذا الحديث، ورويناه عن الخطابي (سكب) بالباء، وحدثونا عن أبي مروان بن سراج أن (سكت) و (سكب) بمعنًى واحد.
وقوله: (من صلاة الفجر) أي: من أذانه.
وقوله: (وتبين له الفجر) إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يكتفي في أداء
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 363).
ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهِ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 994، م: 736].
1189 -
[2] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَي الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 743].
ــ
سنة الفجر بأذان المؤذن لاحتمال أنه أخطأ وأذن بالليلة، بل يتبين الوقت، ثم يصلي.
وقوله: (ثم اضطجع على شقه الأيمن) نشرحه في الحديث الثالث إن شاء اللَّه تعالى.
1189 -
[2](وعنها) قوله: (إذا صلى ركعتي الفجر) هما سنة الفجر.
وقوله: (حدثني) يدل على جواز التكلم بعد سنة الفجر، وقد عقد الترمذي (1) في التكلم بعد سنة الفجر بابًا، وأورد حديثًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كانت له إلي حاجة كلمني وإلا خرج إلى الصلاة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد كره بعض العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الكلام بعد طلوع الفجر حتى يصلي صلاة الفجر إلا ما كان من ذكر اللَّه أو مما لا بد منه، وهو قول أحمد وإسحاق، انتهى.
وتكلمه صلى الله عليه وسلم كان مما لا بد منه، كما يشعر به قول عائشة رضي الله عنها: فإن كانت له إلي حاجة كلمني، وإن لم يكن من هذا القبيل فلم يُبطل السنة، ولم يوجب الإعادة، اللهم إلا أن يعيد أحد من جهة شدة كراهة التكلم في هذا الوقت احتياطًا وتكميلًا.
(1)"سنن الترمذي"(418).
1190 -
[3] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَي الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقَّهِ الأَيْمَنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 626، م: 736].
ــ
1190 -
[3](وعنها) قوله: (إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) الكلام في هذا الحديث من وجهين، أحدهما: الاضطجاع بعد سنة الفجر، وثانيهما: الاضطجاع على شقه الأيمن، وأما الأول فقد ذهب بعض الظاهرية إلى وجوب الاضطجاع لورود الأمر بذلك، وهو للإيجاب بل جعلوه شرطًا لصحة الفرض حتى لو لم يفعل بطلت صلاة الفريضة، وذهب جماعة إلى كراهة ذلك وعدُّوه بدعة.
وفي (جامع الأصول)(1): عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه رأى رجلًا صلى ركعتي الفجر، ثم اضطجع فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: أردت أن أفصل بين صلاتي، فقال له: وأيّ فصل أفضل من السلام؟ قال: فإنها سنة، قال: بل هي بدعة. وفي حديث أبي داود والترمذي (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، وزاد أبو داود: فقال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه، فقيل لابن عمر رضي الله عنهما: هل تنكر شيئًا مما يقول؟ قال: لا، لكنه اجترأ وَجَبُنَّا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي أن حفظت ونسوه.
ولا يذهب عليك أن القول بكونه بدعة بعيد لورود الأحاديث الصحيحة فيه، فإما أن يقال بنسخها، أو باختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بكونه لقصد الاستراحة لا على وجه
(1)"جامع الأصول"(6/ 19).
(2)
"سنن أبي داود"(1261)، و"سنن الترمذي"(420).
1191 -
[4] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ. . . . .
ــ
التعبد، وكذا القول بالوجوب، فقد جاءت الروايات مختلفة، وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين فخرج بدون ذكر الاضطجاع، فالقول المختار ما ذهب إليه جمهور العلماء أنه مستحب، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: إن كان للاستراحة ودفع الثقل والتعب الحاصل من صلاة الليل فحسن، وفعلُه صلى الله عليه وسلم أيضًا كان لهذا، واللَّه أعلم.
وأما الثاني وهو الاضطجاع على الشق الأيمن، وهكذا كان عادته الكريمة في الاضطجاع في الأحوال كلها، فقالوا: الحكمة فيه أن لا يستغرق في النوم؛ لأن القلب الذي هو المضغة الصنوبرية معلق في جهة اليسار، فلو نام على شقه الأيسر لاستقر القلب وغلبته الاستراحة واستغرق النوم لكونه أغلب في الراحة، وإذا اضطجع على شقه الأيمن يكون القلب معلقًا فلا يستريح فلا يستغرق النوم، ولهذا اختار الأطباء النوم على الشق الأيسر طلبًا لراحة القلب وهضم الطعام لتوجه الحرارة الغريزية إلى داخل البدن في حالة النوم، ومتى كان النوم أغلب وأغرق كانت الراحة وهضم الطعام أقوى وأوفر، وصاحب الشرع اضطجع على الشق الأيمن طلبًا لخفة النوم وتيسر قيام الليل، ويلزم منه رعاية تقليل الطعام أيضًا.
ثم اعلم أنه قد جاء في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام في هذا الاضطجاع حتى يسمع غطيطه، ثم يقوم ويصلي ولا يتوضأ، وعدم نقض الطهارة بالنوم من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقيل: من خصائص الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين، وقد سبق مما يتعلق بهذا الكلام في (باب الأذان) في قصة ليلة التعريس.
1191 -
[4](وعنها) قوله: (منها الوتر) ركعة أو ثلاث، ومنها (ركعتا الفجر)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 738].
1192 -
[5] وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ. فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1139].
1193 -
[6] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 767].
1194 -
[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحِ الصَّلَاةَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 768].
ــ
والتحقيق أنها سوى ركعتي الفجر، كما جاء في الأحاديث، وإنما ذكرت رضي الله عنهما ركعتي الفجر مع صلاة الليل لقربهما منها وانتهائها إليهما.
1192 -
[5](مسروق) قوله: (وإحدى عشرة ركعة سوى ركعتي الفجر) يوافق رواية ثلاث عشر مع ركعتي الفجر.
1193 -
[6](عائشة) قوله: (بركعتين خفيفتين) لعلهما ركعتا الوضوء، ويستحب فيها التخفيف لورود الأخبار به فعلًا وقولًا (1).
1194 -
[7](أبو هريرة) قوله: (فليفتتح) الأمر للندب.
(1) قال القاري: وَالأَظْهَرُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ التَّهَجُّدِ يَقُومَانِ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْوُضُوءِ؛ لأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، فَيَكُونُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَمْرًا يَشْرَعُ فِيهِ قَلِيلًا لِيتَدَرَّجَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: لِيَحْصُلَ بِهِمَا نَشَاطُ الصَّلَاةِ وَيَعْتَادَ بِهِمَا، ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 903).
1195 -
[8] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ، فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ صَبَّ فِي الْجَفْنَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ. . . . .
ــ
1195 -
[8](ابن عباس) قوله: (فتحدث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أهله) يدل على جواز الكلام المباح الذي فيه مصلحة بعد العشاء بلا كراهة، وقد سبق الكلام فيه في (باب أوقات الصلاة).
وقوله: (فلما كان ثلث الليل الآخر) كان تامة، والآخر صفة الثلث، أي: فلما بقي من الليل مقدار الثلث.
وقوله: (أو بعضه) أي: بعض الثلث الآخر، وهو السدس مثلًا.
وقوله: (حتى ختم السورة) وورد في بعض الروايات: إلى {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .
وقوله: (فأطلق) أي: حل (شناقها) بكسر الشين المعجمة وتخفيف النون والقاف: خيط أو سير يشد به فم القربة، كذا في (القاموس)(1).
وقوله: (ثم صب في الجفنة) استعمال (ثم) للترتيب والتراخي في الذكر والبيان، أو للإشارة إلى أن أفعاله صلى الله عليه وسلم كانت واقعة بالتؤدة والوقار من غير استعجال واضطراب.
وقوله: (بين الوضوئين) أي: متوسط بين إسراف وتقتير.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 828).
لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ، فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ وَتَوَضَّأْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَرَنِي عَنْ يَمِيِنِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رِكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِيِنِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُوْرًا، وَأَمَامِي نُوْرًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا". وَزَادَ بَعْضُهُمْ: "وَفِي لِسَانِي نُورًا" وَذُكِرَ: "وَعَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا" وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمِ: "اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُوْرًا". [خ: 6316، م: 763].
1196 -
[9] وَعَنْهُ: أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاستَيْقَظَ، فَتَسَوَّكَ، وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . . . . .
ــ
وقوله: (لم يكثر) أي: في صب الماء (وقد أبلغ) أي: أبلغ الماء إلى الأعضاء وأسبغ الوضوء.
وقوله: (فتتامت) بتشديد الميم تفاعلت من تمت، أي: تكاملت.
وقوله: (فآذنه) بمد الهمزة أي أعلمه بعد الأذان.
وقوله: (وذُكِرَ: وعصبي ولحمى) وزاد في بعض الروايات وعظمي ومخي.
1196 -
[9](وعنه) قوله: (أنه رقد) نقل الكلام ابن عباس رضي الله عنهما، الظاهر: إني رقدت، قال الرضي: يجوز الوجهان، قال زيد: إنه قائم، وإني قائم.
وقوله: (وتوضأ وهو يقول) جاء قراءة هذه الآيات بعد الاستيقاظ والنظر إلى
حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 763].
1197 -
[10] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ،
ــ
السماء وعند الوضوء أيضًا.
وقوله: (ثم فعل ذلك) ثم للتراخي في الإخبار.
وقوله: (ست ركعات) بدل من قوله: (فعل ذلك ثلاث مرات) بتقدير: صلى ست ركعات.
وقوله: (كل ذلك) بالنصب على الظرفية، أي: كلَّ مرة من تلك المرات يستاك.
وقوله: (ثم أوثر بثلاث) هذا دليل على شرعية الوتر ثلاثًا، وكثير من الروايات جاءت بركعة واحدة، وبالغ بعض الشافعية في تزييف القول بالثلاث، وقد وردت أحاديث وآثار صحيحة في ذلك، والحق أن الإيتار بثلاث ركعات أو ركعة واحدة مختلف فيه بين العلماء من الصحابة وبعدهم، وكلاهما مشروع، وسيجيء الكلام فيه في (باب الوتر)، وهذا الاختلاف في الأَولى والأفضل، وإلا فلا خلاف لأحد في الإيتار بالثلاث.
1197 -
[10](زيد بن خالد الجهني) قوله: (لأرمقن) أي: قلت: لأرمقن صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أرى كم يصلي وكيف يصلي فأحفظها، فذهبت فرأيت أنه صلى ركعتين خفيفتين. . . الحديثَ، ويدل على هذا المعنى ما يأتي في الفصل الثالث من
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا [ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا]، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: "ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا" أَرْبَعَ مَرَّاتٍ هَكَذَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" وأَفْرَادِهِ مِنْ كِتَابِ الْحُمَيْدِي، و"مُوَطَّأ مَالِكٍ" وَ"سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ"، وَ"جَامِعِ الأُصُولِ". [م: 765، الجمع بين الصحيحين: 1/ 338، ط: 397، د: 1159، جامع الأصول: 4196].
ــ
حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فأرمقن مجعول على الاستقبال حقيقة، وقال الطيبي (1): عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارًا لتلك الصورة (2)، فافهم. والرمق في الأصل النظر إلى الشيء بالعداوة شزرًا طويلًا فاستعير في النظر بالتأمل.
وقوله: (طويلتين طويلتين طويلتين) كرر ثلاث مرات مبالغة في بيان الطول.
وقوله: (فذلك ثلاث عشرة ركعة) مبني على الإيتار بالثلاث إن لم تدخل الركعتان الخفيفتان تحت المجمل، وعلى الإيتار بركعة إن دخلتا، والظاهر هو الأول.
وقوله: (أربع مرات) رد على (المصابيح) ففيه: (ثلاث مرات)، وهو مبني على
(1)"شرح الطيبي"(3/ 100).
(2)
قال القاري: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ نهَارًا، ثُمَ رَمَقَهُ فَصَلَّى. . . إِلَخْ. وَحِينَئِذٍ فَالْمُضَارعُ عَلَى حَالِهِ. اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ تَقْدِيرَاتٍ كَثِيرَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى."مرقاة المفاتيح"(3/ 906).
1198 -
[11] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ، كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1118، م: 732].
1199 -
[12] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ،
ــ
دخول الخفيفتين، واللَّه أعلم. وقد يقال في توجيه ما في (المصابيح): إن قوله: (طويلتين طويلتين طويلتين) محمول على ست ركعات بحذف العطف، والركعتان الخفيفتان خارجتان والوتر بركعة، والأظهر أن التكرير للمبالغة في الطول.
1198 -
[11](عائشة) قوله: (لما بدن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) قال في (مشارق الأنوار)(1): رويناه بضم الدال مخففة وبفتحها مشددة، وكذا قيدناه على القاضي الشهيد، وأنكر ابن دريد وغير واحد ضم الدال هنا؛ لأن معناه: عظم بدنه وكثر لحمه، قالوا: وليست هذه صفته صلى الله عليه وسلم، قالوا: والصواب التثقيل؛ لأنه بمعنى أسن أو ثقل في السن، والحجة لصحة الروايتين معًا ما وقع مفسرًا في حديث عائشة رضي الله عنهما في الرواية الأخرى: فلما أسنَّ وأخذه اللحم، والحجة للرواية الأولى قولها في الحديث الآخر: معتدل الخلق بَدُن آخر زمانه، والحجة للرواية الثانية قولها: حتى إذا كبر، وقوله في حديث أبي هالة: بادن متماسك، أي: عظيم البدن مشتدُّه غير مترهل ولا خوار، وفي (مجمع البحار) (2): ورواية التثقيل هي التي نصها العلماء، فالمعنى: ثقل ضعف، فتدبر.
1199 -
[12](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن) النظائر جمع نظيرة، وقد يجيء جمع نظورة بمعنى الخيار، ونظائر الجيش
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 125).
(2)
"مجمع البحار"(1/ 161 - 162).
فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ آخِرُهُنَّ {حم} [الدخان: 1] وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4996، م: 722].
ــ
أفاضلهم، والظاهر ههنا أن يكون جمع نظيرة، والمراد السور التي تتماثل في الطول والقصر، وقيل: في المعاني والمواعظ والحكم والقصص لا في عدد الآي، أو هو المراد بالتقريب، و (يقرن) بضم الراء وكسرها.
وقوله: (على تأليف ابن مسعود) اعلم أن هذا التأليف الذي يقرأ الناس القرآن عليه إلى يومنا تأليف زيد بن ثابت، وعليه المدار والاتفاق، وقد كان لأبيٍّ تأليف، ولابن مسعود تأليف آخر، هما شاذان مخالفان لهذا التأليف، وقد ذكرا في (كتاب الإتقان)(1) للسيوطي، فيقول ابن مسعود رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد يقرأ عشرين سورة من أول المفصل في كل ركعة سورتين، وقد ذكر الطيبي (2) وغيره هذه السور بما يخالف في الترتيب لما في (الإتقان).
واعلم أن ترتيب الآي القرآنية توقيفي بلا شبهة وعليه الإجماع، ولم يخالف في ذلك أحد؛ فإن جبرئيل عليه السلام كان يوقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند نزول كل آية: أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله اللَّه تعالى جملة إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقًا عند الحاجة، وترتيب النزول على غير ترتيب التلاوة.
(1) انظر: "الإتقان في علوم القرآن"(ص: 73).
(2)
انظر: "شرح الطيبي"(3/ 103).