المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثاني: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌13 - باب الركوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب السجود وفضله

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب الدعاء في التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الذكر بعد الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب السهو

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب سجود القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب أوقات النهي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌23 - باب الجماعة وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌24 - باب تسوية الصف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌25 - باب الموقف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌26 - باب الإمامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌27 - باب ما على الإمام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌28 - باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌29 - باب من صلى صلاة مرتين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌30 - باب السنن وفضائلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌31 - باب صلاة الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌32 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌33 - باب التحريض على قيام الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌34 - باب القصد في العمل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌35 - باب الوتر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌36 - باب القنوت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌37 - باب قيام شهر رمضان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌38 - باب صلاة الضحى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌39 - باب التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌40 - [باب] صلاة التسبيح

- ‌41 - باب صلاة السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌42 - باب الجمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌43 - باب وجوبها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌44 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌45 - باب الخطبة والصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌46 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌47 - باب صلاة العيدين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌48 - باب في الأضحية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌49 - باب في العتيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌50 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌51 - باب في سجود الشكر

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌52 - باب الاستسقاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌53 - باب في الرياح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثاني:

921 -

[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 408].

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

922 -

[4] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 1297].

ــ

921 -

[3](أبو هريرة) قوله: (من صلى علي واحدة صلى اللَّه عليه عشرًا) قد يستشكل بأنه كيف يجوز أن يكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، وعلى المصلي عشرًا؟ وأجيب بأن (واحدة) صفة لفعلة المصلي، والحسنة بعشر أمثالها، ولا يفهم منه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من اللَّه تعالى تكون واحدة، بل المصلي دعا اللَّه تعالى أن يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولعله تعالى يصلي ما شاء من العدد، ولو سلّم فيجوز أن تكون الواحدة أفضل وأكمل من ألف، فافهم، كالدرة الواحدة بالنسبة إلى مئة ألف درهم، ثم العشر من الصلوات يكون أقل ما يُجْزَى به؛ لكون الحسنة بعشر أمثالها، واللَّه يضاعف لمن يشاء.

ثم الظاهر أن تكون صلاة اللَّه تعالى على العبد المصلي بالخصوصيات من الكيفيات والكميات التي صلى بها، وفضل اللَّه واسع، وإن كان أحط درجة، كما يليق بحال العبد، وكفى بهذا فضلًا وشرفًا وبشارةً.

الفصل الثاني

922 -

[4](أنس) قوله: (ورفعت له عشر درجات) في الدنيا بتوفيق الطاعات، وفي القيامة بتثقيل الحسنات، وفي الجنة بزيادة البركات والكرامات.

ص: 61

923 -

[5] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 484].

924 -

[6] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ. [ن: 1282، دي: 2816].

925 -

[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ". [د: 2041، "الدعوات الكبير": 178].

ــ

923 -

[5](ابن مسعود) قوله: (أولى الناس بي)(1) أي: أقربهم وأحراهم باللحوق بي، والفوز بشفاعتي، وذلك لأنه يورث المحبة، وهي تورث المعية والاتحاد.

924 -

[6](وعنه) قوله: (إن للَّه ملائكة) التنكير للتكثير، و (يبلغوني) بالتخفيف والتشديد، كما هو حكم المضارع الذي فيه نون الإعراب مع نون الوقاية، وقد جاء في بعض الروايات:(يسمونه ويسمون أباه)، ويقولون: فلان بن فلان أهدى هذه الصلوات، وكفى بهذا سعادة، وفي هذا المعنى قال من قال، ولنعم ما قال:

لَكَ الْبَشَارَةُ فَاخْلَعْ مَا عَلَيْكَ فَقَدْ

ذُكِرْتَ ثَمَّه عَلَى مَا فِيكَ مِنْ عِوَجِ

925 -

[7](أبو هريرة) قوله: (إلا ردّ اللَّه علي روحي) قد اختلفوا في أن هذا الردَّ مخصوص بزائري القبر الشريف يدخلون في حضرته ويسلمون كالداخل في

(1) قَالَ ابْنُ حِبَّانَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ، إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرَ صَلَاةً عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا. "مرقاة المفاتيح"(2/ 743).

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المجلس، أو عام لكل من يُسلِّم كما في التشهد وغيره، والظاهر العموم، وهو القول الصحيح، إلا أن يكون ههنا فرق، بأن يسمع هو صلى الله عليه وسلم السلام من الزائرين بنفسه الكريمة، وممن عداهم بواسطة الملائكة، كما يأتي في حديث أبي هريرة في (الفصل الثالث)، واللَّه أعلم.

ثم يستشكل هذا الحديث بأحاديث حياته صلى الله عليه وسلم، فإنه يدل على مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات، وأجابوا عنه بوجوه:

أحسنها: أنه ليس المراد بعود الروح عودها بعد المفارقة عن البدن، وإنما المراد أنه صلى الله عليه وسلم في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت، مستغرق في مشاهدة رب العزة عز وجل، كما كان في الدنيا في حالة الوحي، وفي الأحوال الأخر، فعُبِّر عن إفاقته من تلك المشاهدة، وذلك الاستغراق بردِّ الروح، ونظيره ما قال بعض العلماء في قوله:(فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام): والإسراء لم يكن منامًا، وإنما المراد الإفاقة مما خامره من عجائب الملكوت.

والجواب الآخر ما قال السيوطي واستحسنه، وقال: لا يدركه إلا ذو باع في العربية، وهو أن قوله:(رد اللَّه) جملة حالية، وقاعدة العربية إذا وقعت الحال فعلًا ماضيًا قدرت فيها (قد)، وقد روى البيهقي بلفظ (قد) مذكورة بقوله:(إلا وقد رد اللَّه روحي)، فالجملة ماضية سابقة على السلام، و (حتى) ليست للتعليل، بل لمجرد العطف كالواو، فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلم علي إلا قد ردَّ اللَّه علي روحي قبل ذلك وأردُّ عليه، انتهى.

قد تقرر في العربية أن (قد) هذه هي المقربة للماضي من زمان الحال، ولذا دخلت على الماضي الواقع حالًا ليقربه من زمان العامل، إذ الظاهر من صيغة الماضي

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو المضي بالنسبة إلى زمان العامل، فأدخلت ليقربه منه ويقارنه، فالرد حصل أولًا بعد موته صلى الله عليه وسلم، وهي مستقرة إلى الآن، فافهم.

وقد يقال: إن المراد بالروح ههنا النطق مجازًا، فكأنه قال: إلا ردَّ اللَّه علي نطقي، وهو حي على الدوام، لكن لا يلزم من حياته نطقه، فاللَّه تعالى يرد عليه النطق عند سلام كل مسلّم.

وقال السيوطي: عندي فيه وقفة، فإن منعه صلى الله عليه وسلم عن النطق في بعض الأوقات، ورده عليه عند سلام المسلم بعيد جدًا، بل ممنوع؛ فإن النقل والعقل يشهدان بخلافه، أما النقل فإن الأخبار الواردة عن حاله صلى الله عليه وسلم وأحوال الأنبياء عليهم السلام في البرزخ مصرحة حقًّا بأنهم ينطقون متى شاؤوا، بل سائر المؤمنين من الشهداء وغيرهم، ولم يرو أن أحدًا يمنع من النطق في البرزخ إلا من مات من غير وصية، فإنه لا يؤذن له في الكلام مع الموتى كما جاء في الحديث.

وأما العقل فلأن في الحبس عن النطق في بعض الأوقات نوع حصر وتعذيب، ولهذا عذب به تارك الوصية، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، انتهى.

ويمكن أن يقال: إن عدم النطق يمكن أن يكون لمثل ما ذكر من مشاهدة الملكوت والاستغراق في مشاهدة الرب، فلا ينطق إلا عند سلام الأمة أو غير ذلك مما في حكمه، وليس في الحديث أنه يمنع عن النطق ويحصر دائمًا إلا عند السلام، فلا بُعد.

نعم في إرادة النطق من الروح مجازًا بعد، ولو صح لصح أيضًا، كما قيل: إن المراد بالروح السمع، ويراد السمع الغير المعتاد الخارق للعادة، بحيث يسمع السلام وإن كان المسلم في قطر بعيد، وقد كان مثل هذا السمع له صلى الله عليه وسلم في الدنيا أيضًا، بحيث كان يسمع أطيط السماء، ذكر هذه الأجوبة السيوطي في آخر رسالته المسماة بـ (إنباء الأذكياء

ص: 64

926 -

[8] وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (1).

ــ

بحياة الأنبياء) (2)، ومثلها معها حتى بلغ خمسة عشر جوابًا، وقد فتح عليه في هذا الباب عجائب من العلوم والإدراكات، كما نقل عن الجاحظ أنه قال: إذا نكح الفكر الحفظ وَلَّد العجائب، رحمة اللَّه عليه رحمة واسعة، واللَّه أعلم، وعلمه أحكم.

926 -

[8](وعنه) قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا) أي: لا تكونوا في بيوتكم كالموتى في القبور لا يصلون ولا يعبدون، وقيل: لا تدفنوا الموتى في البيوت، وقد سبق الكلام فيه في آخر (الفصل الأول) من (باب المساجد ومواضع الصلاة).

وقوله: (ولا تجعلوا قبري عيدًا) أي: لا تجعلوا زيارة قبري، أو لا تجعلوا قبري مظهر عيد في الاجتماع للهو واللعب والسرور والزينة؛ لئلا يورث ذلك الغفلة والقسوة، وقد كانت اليهود والنصارى يسلكون هذا المسلك، ولما تضمَّن هذا النهيَ عن الاجتماع، وإن كان المقصودُ النهيَ عنه على وجه اللهو واللعب، فكان محل أن يقولوا: نجتمع ونحضر لنصلي عليك، وكيف نصبر عن ذلك لاحا (3) في ذلك إلى الحضور؛ قال تسليةً لهم:(صلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

والمقصود الحثّ على التوجه والحضور بالقلب لا بالأبدان؛ لإفضائه إلى ارتكاب ما لا ينبغي، وعدم رعاية أدب الحضرة، ومن هذا لا يلزم عدم قصد الزيارة والاستسعاد

(1) هذا وهم، لم أجده عنده في "سننه" الصغرى والكبرى ولا في "عمل اليوم والليلة"، بل أخرجه أبو داود (2042)، وأحمد (2/ 367).

(2)

(ص: 16 - 25).

(3)

كذا في الأصول.

ص: 65

927 -

[9] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجنَّةَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3545].

ــ

بها على الوجه المرضي.

هذا وقد يجعل العيد اسمًا من الاعتياد، ويقال: عاده، واعتاده: تعوده، أي: صار عادة له، فالنهي عن تكثير الزيارة بطريق العادة الموجب لارتفاع العظمة والحشمة، وهذا المعنى أنسب وألصق بقوله:(فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقد جاء في الآثار: أن رجلًا كان يكثر زيارته صلى الله عليه وسلم ولحضر قبره، فرآه أحد من أهل بيت النبوة، وقال: لا تسيء الأدب، وكن بمكانك، فإنه يبلغه سلامك، ولو كنت في أقصى المشرق أو المغرب، أو كما قال.

927 -

[9](أبو هريرة) قوله: (رغم أنف) أي: لصق بالرغام، وهو التراب، كناية عن الذل والهلاك، وقد عرف تفصيل معناه في مواضع.

وقوله: (فلم يصل علي) قد تفيد هذه (الفاء)، وكذا (ثم) و (الفاء) في قوله:(ثم انسلخ) و (فلم يدخلاه) استبعادَ وقوع هذه الأفعال، وذلك للتعقيب والتراخي اللذين في مفهوم (الفاء)، و (ثم) باعتبارهما في الرتبة، ولا بد أن يكون ذلك في (ثم) أكثر، أي: كيف يليق أن تفوت أمثال هذه الفضائل من العاقل مع قدرته وتيسره منه، وإدخال (ثم) في مضي الرمضان للدلالة على كمال غفلته وتهاونه مع امتداد الوقت ووجود زيادة الفرصة، وأما وجود الأبوين بعد الكبر فقصير نظرًا إلى ظاهر الحال، فافهم.

وقول: (فلم يدخلاه الجنة) إشارة إلى سببيتهما لدخول الجنة، وفيه تأكيد ومبالغة

ص: 66

928 -

[10] وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: "إِنَّهُ جَاءَنِي جِبْرَئِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ! أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمُّتِكَ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا؟ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا؟ ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ. [ن: 1283، دي: 2815].

929 -

[11] وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ:"مَا شِئْتَ" قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". . . . .

ــ

في برهما والإحسان إليهما.

928 -

[10](أبو طلحة) قوله: (والبشر في وجهه) البشر بالكسر: الطلاقة، وإيراد كلمة (في) للدلالة على تمكنه فيه تمكنًا تامًّا حتى جعل وجهه ظرفًا له.

929 -

[11](أبي بن كعب) قوله: (إني أكثر الصلاة عليك) أي: أريد أن أكثر، كذا في بعض الشروح، أو المراد إني أصلي كثيرًا، وأريد أن تجعل لي في ذلك حدًّا، استجلابًا لرغبته، وشوقه وحثًّا على المزيد.

وقوله: (من صلاتي) أي: من دعائي، يريد أن لي زمانًا من صلاتي، أي: من دعائي أدعو فيه لنفسي، فأصرف من زمنه للصلاة عليك ما تأمرني به، ففوض صلى الله عليه وسلم إلى مشيئته إشارة إلى أنه ليس لذلك حد معين، بل كلما زدتَ فهو خير لك حتى تستوعب الوقت كلَّه، وقال شيخنا رحمه الله حين وداعي إلى المدينة الطيبة: اعلموا أنه ليس

ص: 67

قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذًا يُكْفَى هَمُّكَ، وَيُكَفَّرُ لَكَ ذَنْبُكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2457].

930 -

[12] وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي،

ــ

في هذا الطريق عبادة بعد أداء الفرائض أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان تارة يقول: صلوا حتى تصيروا رطب اللسان بذلك، وأخرى: صلوا حتى تنصبغوا بصبغه وتستغرقوا فيه.

وقوله: (إذًا يكفى همك) بصيغة المجهول بالياء التحتانية ورفع (همك)، أو الفوقانية ونصب (همك) بأنه مفعول ثان لى (يكفي) أي: إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة علي؛ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، على قياس (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ، فمن كان للَّه ورسوله كان اللَّه ورسوله له، جعلنا اللَّه منهم.

قال بعضهم: لما صرف العبد سؤاله وطلبه ورغبته في محاب اللَّه ورسوله، وآثره على محاب نفسه، لا جرم استحق جزاءً كاملًا، وفضلًا مخصوصًا، ويغنيه عن التشبث بأسباب ذلك، وهذه نكتة غريبة في قضاء حوائج العبد وكفاية مهماته لاشتغاله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فافهم.

930 -

[12](فضالة بن عبيد) قوله: (عن فضالة) بفتح الفاء.

وقوله: (إذ دخل) أي: في المسجد (رجل فصلى، فقال) أي: في الصلاة أو بعدها.

ص: 68

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي! إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ، فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ"، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّهَا الْمُصَلِّي! ادْعُ تُجَبْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ. [ت: 3476، د: 1481، ن: 1284].

931 -

[13] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (1)، ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"سَلْ تُعْطَهُ، سُلْ تُعْطَهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 593].

ــ

وقوله: (عجلت) أي: بترك الوسيلة، وهو بكسر الجيم المخففة، ويجوز الفتح والتشديد، كذا في بعض الشروح.

وقوله: (فقعدت) يعني: التشهد، كذا في (الأزهار)، وقال الطيبي (2): ويحتمل أن يكون عطف على مقدر، أي: صليت وفرغت وقعدت للدعاء.

931 -

[13](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (حاضر) كذا في نسخة صحيحة، ولم يوجد في نسخة الشارح، فقدره خبرًا (3).

وقوله: (سل تعطه) بصيغة المجهول، والضمير للمسؤول الدال عليه (سل)، والهاء للسكت.

(1) لفظ "تعالى" سقط في نسخة.

(2)

"شرح الطيبي"(2/ 367).

(3)

انظر: "شرح الطيبي"(2/ 368).

ص: 69