الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشوقيات
- 2 -
وهناك أدبيات ركيكة لا طائل تحتها، إلى أن أتى بقاعدة غريبة هي قوله (ص 5):
يولد السيد المتوج غضا
…
طهرته في مهدها النعماء
والذي اعرفه أنا هو أن كل أحد يولد غضا.
وقال (فيها): (فإذا أبيض الهديل غراب). ولو قال (الحمام) بدل (الهديل) لأحسن ولم يحتج إلى شرح الكلمة.
وقال (فيها): (ولواء من تحته الإحياء). وهل من العظم لرمسيس أن يكون تحت لوائه أحياء لا أموات. وأي أمير أو قائد لا يكون تحت لوائه عدد من الأحياء؟
وقال (ص 6): (ووجود يساس). ولم افقه السر في اختياره الوجود للسياسة وهو اعم الصفات، لا صلة له بها. فهلا قال:(ورعايا تساس)؟ قال (فيها):
وبناء إلى بناء يود ال
…
خلد لو نال عمره والبقاء
فما أكذبه! وقال (فيها):
لك آمون والهلال إذا يك
…
بر والشمس والضحى آباء
ولم استحسن قوله: (إذا يكبر)، فإن الشرط إذا حذف جزاؤه جاء في صيغة الماضي، فهلا قال:
لك آمون والكواكب والأق
…
مار والشمس والضحى آباء
وقال (فيها):
ولك المنشآت في كل بح
…
ر ولك البر أرضه والسماء
فهل كانت له منشات في البحر الاتلنتي، وهل كانت له طيارات تطير في الجو ليجوز له أن يقول:(لك السماء)؟ - وقال (فيها): ليت لم يبلك الزمان. . . فحذف أسم ليت وهو عمدة يقبح حذفها - وقال (ص 7): (فاروه الصديق في ثوب فقر) وهو كأنه يريد بالصديق ابنة فرعون اروه إياها في ثوب الفقر، يدل على ذلك فاء التفريع بعد ذكرها في الذلة، فقصر اللفظ عن المعنى الذي يريد وقال (ص 8).
هكذا الملك والملوك وإن جا
…
ر زمان وروعت بلواء
وكان الأحسن أن يقول: (هكذا ترحم المارك. . .) الخ. ليناسب قوله في البيت الذي قبله:
(فبكى رحمة. . .) والصحيح في كلمة بلواء (بلوى). وقال فيها:
لا تسلني ما دولة الفرس ساءت
…
دولة الفرس في البلاد وساءوا
وهو بيت سقيم، ومثله البيت الذي بعده. ثم تأتي أبيات أكثرها سخيفة في معانيها، ركيكة في مبانيها. وقال ص 11:
(لعلاك المذكرات عبيد).
وهو جواب الشرط قبل بيت وهو قوله: (وإذا تعبد البحار. . .) الخ. فكان الواجب تصديره بالفاء. ثم تأتي أبيات كثيرة ذكر فيها آلهة المصريين القدماء، ثم استطرد إلى الثناء على الله. ثم ذكر موسى وعيسى عليهما السلام، ثم القياصرة وفي معانيها المبالغات وأفاظها الركاكة، اذكر نموذجا لها قوله ص 11:
فإذا قيل ما مفاخر مصر
…
قيل منها إيزيسها الغراء
وقوله ص 13:
ليس تغنى عنها البلاد ولا ما
…
ل الأقاليم أن أتاها النداء
وقال ص 14:
وتولى على النفوس هوى الأو
…
ثان حتى انتهت له الأهواء
و (تولى) في المعنى الذي يريده لا يتعدى إلا بنفسه. يقال: تولى الأمر بمعنى تقلده وقام به: وفلانا: اتخذه وليا. وكأنه استعمله بمعنى استولى. ولذلك عداه بعلى.
ثم استطرد إلى ذكر النبي الحنيف بعد ذكر موسى وعيسى كأن القصيدة قصص الأنبياء. ثم قال فيه (وفيها):
لم يفه بالنوابغ الغر حتى
…
سبق الخلق نحوه البلغاء
وكلمة (لم يفه) لا تقوم مقام (لم يدع) وهو مراده هنا. وقال في جبرئيل (ص 15):
يحسب الأفق في جناحيه نور
…
سلبته النجوم والجوزاء
وسلامة العبارة تقتضي أن يقول: (يحسب الأفق أن في جناحيه نورا). وقال ص 18:
فأتت مصر رسلهم تتوالى
…
وترامت سودانها العلماء
ولا أدري بماذا نصب (سودانها) فإن (ترامت) فعل لازم ولا يجوز
نصبه على الظرفية. فإن أسم المكان المعين تحذف أداة الظرفية منه. وقال فيها،
علمت كل دولة قد تولت
…
أننا سمها وأنا الوباء
وليس مدحا لقوم أن يكونوا سما ووباء لآخرين. فهلا قال عوض الشطر الثاني: (أننا داؤها وأنا الدواء). وجاء أخيرا يذكر محمد علي باشا فقال ص 19:
رام بالريف والصعيد أمورا
…
لم تنل كنه غورها الأغبياء
رام ناجيهما وعرش المعالي
…
ويروم العظائم العظماء
وحتى الآن لم افهم ماذا جعل (ناجيهما) فاعلا لرام أو مفعولا، وعلى كل وجه لا يستقيم المعنى إلى أن قال (ص 20):
الثم السدة التي أن أنلها
…
تهو فيها وتسجد الجوزاء
جعل هوي الجوزاء وسجودها في السدة جزاء للثمه إياها ولعل هذا من ابتكاراته. والبيت فيه سخف. والقصيدة مائتان وتسعون بيتا يقلد فيها شوقي البوصيري في همزيته. وقد ركب في كثير من أبياته الشطط والضرائر القبيحة ونهج منهج القدماء ولم يلحقهم. وهي من قصائده التي يعدها المحافظون أية في. . .؟! البلاغة (!). ومن حظ مصر أن انتبه في آخر الوقت الفريق المتهذب من أبنائها فأخذوا يرجعون بشوقي إلى الصف الذي هو جدير به بين الشعراء.
نقد قصيدة في الوسط وهي قصيدة (وداع اللورد كرومر)
وخذ مثلا قصيدته (وداع اللورد كرومر)(ص 209)، فانك ترى الذل فيها باديا في سياق لوم اللورد وتبكيته، مما ينافي شعور أمة تتطلب الاستقلال وتريد نزعه من أيدي غاصبيه. وقد ذكر في معرض التبكيت الذين ساسوا مصر قبله مستبدين غير مسؤولين، كأنه يسجل على مصر كونها لم تحكم نفسها بنفسها. مما ينافي ما هو بصدده من أباء المصريين للاستبداد. قال:
أيامكم أم عهد إسماعيلا
…
أم أنت فرعون يسوس النيلا
أم حاكم في أرض مصر بأمره
…
لا سائلا أبدا ولا مسؤولا
يا مالكا رق الرقاب ببأسه
…
هلا اتخذت إلى القلوب سبيلا
أنظر إلى ما تعرضه عليك هذه الأبيات من الصغار والضعف لمصر، والبأس والقوة للورد: وأنظر كيف يطلب أن يتخذ إلى القلوب سبيلا، كأنه يجهل أو يتجاهل أن التذلل
يزيد القوة قسوة وكبرياء، وقال فيها:
لما رحلت عن البلاد تشهدت
…
فكأنك الداء العياء رحيلا
و (تشهدت) معناها: نطقت بكلمة الشهادة. كأنها آمنت من جديد، ولا يخفى ما في ذلك من السخف، إذ لا يتشهد بعد الضنك إلا الأغرار (السذج) من الضعفاء. وقال (فيها):
أو سمعتنا يوم الوداع إهانة
…
أدب لعمرك لا يصيب مثيلا
ومن العجب أن يقسم أمير الشعراء، بعمر اللورد، على أن ما أتاه يوم الوداع أدب ليس له مثيل. ومتى اقسم شاعر أمة بمن أهانها؟ وقال (فيها):
في ملعب للمضحكات مشيد
…
مثلت فيه المبكيات فصولا
يريد بالملعب (دار الاوبرة) وهي ليست خاصة بالمضحكات، بل تمثل فيها المضحكات والمبكيات و (في) في الشطر الثاني زائدة، إذ يغني عنه قوله في الشطر الأول (في ملعب). وقال (فيها):
جبن أقل وحط من قدريهما
…
والمرء أن يجبن يعش مرذولا
وإحدى الكلمتين: (اقل وحط) زائدة. وقال ص 210:
أحسبت أن الله دونك قدرة
…
لا يملك التغيير والتبديلا
الله يحكم في الملوك ولم تكن
…
دول تنازعه القوى لتدولا
وأنت ترى أن إحدى الكلمتين: (التغيير والتبديل) في البيت الأول زائدة أتى بها إكمالا للوزن و (الله) في البيت الثاني غير معطوف على الله في البيت الأول ليكون البيت من حسبان المخاطب. وعلى هذا يكون قوله. . . (ولم تكن دول تنازعه القوى لتدولا) مغايرا لما يريده من أن الدول التي تنازعها القوى تدول. وقال (فيها):
فرعون قبلك كان أعظم سطوة
…
وأعز بين العالمين قبيلا
ولم يصرح أي فرعون يريد، فالفراعنة كثار: ثم ماذا يريد أمير الشعراء بذكر فرعون وعظم سطوته وكونه أعز قبيلا، فإن تذكير مثل كرومر بهذه التوافه سخيف وهل كان الشعب في مصر أيام الفراعنة أقوى من الشعب الإنكليزي في الحاضر. وقال فيها:
ومدارسا يبني البلاد حوافلا
…
حظ الفقير بهن كان جزيلا
ولم أدر ما الفاعل لقوله (يبني البلاد) ثم تأتي أبيات ما فيها من الشعر غير الوزن والقافية
كقوله (ص 212):
أم هل يعد لك الإضاعة منة
…
جيش كجيش الهند بات ذليلا
وقال:
لو كنت من حمر الثياب عبدتكم
…
من دون عيسى محسنا ومنيلا
أو كنت بعض الإنكليز قبلتكم
…
ملكا أقطع كفه تقبيلا
وقد قصد بحمر الثياب الإنكليز كما في الشرح فلا وجه للإتيان ب (أو) للترديد فإن البيت الثاني كالأول (لو كنت من حمر الثياب. . .) والقصيدة على هذا النمط من ضعف التأليف، وفيها مفاضلة كمفاضلة الأطفال.
نقد آخر قصيدة من ديوانه
وننقد هنا آخر قصائده في ديوانه وهي قصيدة (الصليب والهلال الأحمران)(ص 363) كما نقدنا أول قصائده وأوسطها فتعلم أنا لم ننتق للنقد ما رأيناه قد أسف فيه. قال:
جبريل أنت هدى السما
…
ء وأنت برهان العناية
ولا أدري ما شأن جبريل في الصليب والهلال الأحمرين، فهو ليس ببشير الرحمة في كل وقت في اعتقاد المسلمين، بل كثيرا ما كان نذير الدمار، ووراءه أبيات لا بأس بها ثم قال فيها:
لو خيما في (كربلا)
…
لم يمنع (السبط) السقاية
نزعة في أمير الشعراء الرجوع إلى القديم حتى في الحوادث الجديدة.
وقال فيها:
أو أدركا يوم المسي
…
ح لعاوناه على النكاية
ولا أدري كيف يدعي أن اليهود نكوا بالمسيح وهو مسلم والقرآن يقول: (وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم). ثم إنه ذكر الممرضات ذكر الجاهلي لهن (ص 364) كأنه لا يستطيع مفارقة الشعور القديم فقال:
يسعفن ريا أو قرى
…
كنساء طي في البداية
وقال:
أن لم يكن ملائك الر
…
حمن كن همو حكاية
وهو سقيم التركيب مثل كثير من أبيات قصيدته. وقال في آخرها (ص 365):
ستظل دامية إلى
…
يوم الخصومة والشكاية