الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلد الزبير
أو البصرة القديمة
على طف الجزيرة، وفي ظهر البصرة الحالية، يلوح للوافد عمارة ضخمة، وأبراج سور، قامت عليه مأذنة ذلك هو البلد الذي فيه (مشهد الزبير بن العوام). وهو بليدة فيها مساكن وأسواق، وعماراتها من الجص والآجر وهي على بساطتها. طيبة المناخ، نقية السماء، جافة الهواء، كغيرها من البلاد العربية.
وموقعها الهندسي كموقع برج مطل على مدينة البصرة، وهي على قربها من تلك المدينة المغمورة بسعفات النخل الكثيف، تراها بليدة جرداء معراة في قفر خال من الغرس، وربما وجدت في ضواحيها بعض أثلاث تكثر في المهابط العربية نعم، أن هذا العراء أكسب تلك البليدة فروقا محسوسة بين مناخها ومناخ البصرة فبينما يكون السائح مغموسا في طبقات كثيفة من هواء البصرة المضغوط عليه بسعفات النخل التي عقدت عليها رواقا كثيفا، وقد تلبد بوخامة ووبالة من البخار المتصاعد من البطائح والمناقع المكتنفة به من الوجه البحري القريب منه - ترى الزاهق الذي يفر من البصرة إلى برية الزبير كروح تخلصت من كثافة الجسد وفاضت سابحة في الفضاء النقي حيث التربة رملية ذهبية، وحيث النسيم طلق خفاق يتموج بعذوبة، وحيث النور الوهاج الذي يبهج القلب، نعم لا تكاد تولي وجهك شطر بليدة الزبير فارا من مدينة البصرة إلا تشعر بأنك قد تخلصت من المرض إلى العافية.
أجل يشاهد الوافد إلى قصبة الزبير جواد فسيحة تتخللها رحب واسعة والمساكن في الغالب ذات طبقة واحدة وترى الجواد متحدرة تشبه واديا ركبت على حافتيه المساكن البيض التي طليت بالجص وبعدد هذه العمارة كانت خصاص وأكواخ يأوي إليها الملاكون والزوار الذين فضلوا الهجرة على مواطنهم تجنبا للناس وابتعادا عن الواث المدينة زهدا وعزلة.
وقد كان أكثر أولئك المجاورين من العبيد النوبية الذين يكثرون في الجزيرة ومرابضها. وعلى أثر الحوادث الوهابية التي حصلت في نجد في غضون القرن
الثالث عشر تغير موقف مشهد الزبير تغيرا فجائيا، وذلك لأمرين مهمين أولهما أن كثيرا من البيوت النجدية التي تخلد إلى السكينة وتحب العافية، جعلت مشهد الزبير مهجرا لها ابتعدت فيه عن قلاقل نجد وحوادثها فشيدوا فيه المساكن والبيوت ومن ذلك الحين نهضت فيه العمارة الفخمة،
والأمر الثاني أن الحكومة العثمانية حسبت حساب زحف الوهابيين إلى البصرة فأخذت تحتاط الحيطة لنفسها ورأت أن مشهد الزبير كحصن للدفاع عنها في ظهرها فطوقت البلدة بسور متين وجعلت في البلدة عاملا لها وأقطعته (تنومة) إحدى إقطاعات البصرة، ولكن لم يكن لذلك العامل أقل نفوذ بل كانت أدارتها على قواعد المشيخة وهي نظام بسيط وإدارة عربية تجري بالعادات أكثر من أن تجري بالقوانين كما أن بلدة الزبير منحازة عن البلدان العراقية في موقعها الجغرافي كذلك هي منحازة في أخلاقها وأدارتها وعاداتها لم تلوثها المدنية الجديدة بأدناسها وبقيت محافظة على مزاياها الفاضلة وبزتها العربية فكأنك عندما تقطع تلك المسافة الهينة بين البصرة الحالية وبين بلدة الزبير أو البصرة القديمة تجد نفسك قد طفرت طفرة رجعت بها إلى الوراء في التاريخ والى ما وراء قرون عديدة فهذه القصبة قصبة (سلفية) وأهلها (سلفيون) وكان (السلف) العربي ماثلا بجميع أطواره فيها وتاريخ تشييد السور يتصل بعام 1217هـ (أي 1802م) وقد اندك اليوم أكثره.
مشهد الزبير
هو بعيد الأمد في الظهور وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة وكثير غيره واليوم ترى كتابة رقشت على صخرة في ذلك المشهد وإن هذه البناية قد جددت بأمر السلطان سليم العثماني. ومشهد الزبير عبارة عن حائط في رحبة من الأرض لا يلاصقها شيء من عمارة الاهلين. وارتفاع ذلك الحائط متفاوت. فمن جهة الجنوب والشمال من الحرم والسرحة ثلاث عشرة ذراعا، ومن جهة الغرب الرحبة والشرق تسع اذرع، ولحائط الجامع أربعة أبواب: من جهة الجنوب والشمال بابان ومن الشرق بابان.
يشاهد الداخل إلى الجامع بهوا واسعا وفي زاوية ذلك البهو مما يلي جهة القبلة شمالا قبة بيضاء معقودة على ضريح الزبير بارتفاع 15مترا، وعلى الضريح