الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المكاتبة والمذاكرة
اللغة والعصر
كتب إلينا أحد الأصدقاء العلماء في ديار مصر يقول: (ما رأي فضيلتكم في نشر هذا الحوار والتعليق عليه في (لغة العرب)؟ فهذا بحث مفيد.
ثم أرسل إلينا بقصاصة من جريدة الكشاف الصادرة بمدينة القاهرة بتاريخ 2 أبريل 1928، فنحن ندرج هنا نص الحديث الذي جرى بين الشيخ الجليل وبين مكاتب الكشاف ثم نعلق عليه ما يبدو لنا.
(لغة العرب)
كيف تنهض لغة العرب
حديث للشيخ عبد الله البستاني
قال مكاتب الكشاف من بيروت:
حدث الشيخ عبد الله البستاني، رئيس المجمع العلمي العربي اللبناني، عن هذا المجمع قال: لا نفع يرجى من المجمع العلمي، إلا إذا عرفت الحكومة كيف تنفق أموالها عليه: ثم قال: نحن الآن أمام حقيقة يعرفها الجميع. فليس بين البشر من يعمل بلا أجر، وأعضاء المجمع العلمي من هؤلاء البشر، فإذا لم يجدوا لهم فائدة من المجمع، لن يأتوا عملا ثابت الركن وطيد البنيان.
وعندي أن أعضاء المجمع يجب أن يكونوا من المتخصصين، وممن يحسنون اللغات الأجنبية، لا من الواقفين على أصول اللغة العربية فقط، لأننا في مهمتنا سنأخذ على عاتقنا وضع مصطلحات جديدة، للاختراعات الحديثة، فيوضح لنا المتضلع في (كذا) اللغات الأجنبية اشتقاق الألفاظ التي تحتاج إليها لغتنا، فنضع لها المترادفات. ولا حرج علينا إذا نهجنا نهج علماء اللغة في أيام هارون الرشيد، فكانوا يأتون بالألفاظ الفارسية، والرساينية، ويثبتونها، أما على علاتها، أو بتعديلها بعض تعديل، ويجب علينا أن نأخذ بمبدأ النحت. ولو سألوني عن
كلمة تلفون لقلت لهم: اكتبوها كما هي وقولوا: تلفن يتلفن تلفنة فاللغة لا
يضيرها إذا نقلت عن اللغات الحية لتنهض وتعيش.
أما موقف المجمع العلمي من سائر المجامع العلمية العربية فيجب أن يسوده ويسودها جميعا جو وئام وحسن تفاهم وعلى الحكومات العربية أن تكن همزة الوصل بين هذه المجامع فتسعى للتوفيق بينها؛ وليس أفضل من المكاتبات لتذليل كل عقبة تقف في الطريق فتتفاوض المجامع في ما بينها ولا تتمسك بسوى الرأي الصحيح.
ثم أجاب على سؤال وجه إليه عن ترجمة قاموس (لاروس) إلى اللغة العربية فأجاب: لا باس أن نترجم من قاموس لاروس ما تخلو منه اللغة العربية من ألفاظ ولا يهولن أقطاب اللغة أمر تلك الترجمة فالكلمات غير الموجودة في لغتنا لا يصعب علينا أن نجعل لها وجودا (كذا) وأنا الكفيل.
ثم قال: أن الجمود يقتل اللغة العربية وإذا نحن رددنا عنها تيار العجمة والرطانة والركاكة لا يستنتج من عملنا أننا نريد أن نعيش بعقل أبن البادية فإن أبن البادية جاءنا بما عنده وعلينا أن نتحف اللغة بما عندنا لتقوم لها قائمة وقد عابوا يوما على جمال الدين الأفغاني قوله: هذا رجل من نسل البقروت، فأجابهم: ألا تقولون جبروت ورهبوت وملكوت فلماذا تمنعون عني القول بقروت؟
قالوا: ولكنها لم ترد في كلام العرب. قال: وهل تريدون مني أن أنكر نفسي واخضع لبدوي. هذا ما قاله الأفغاني وهذه هي القاعدة التي يجب علينا العمل بها في إنهاض لغتنا.
جوابنا
نوافق على آراء الأستاذ الشيخ الجليل واللغوي المعروف إلى قوله: (ولا حرج علينا إذا نهجنا علماء اللغة في أيام هارون الرشيد. . .) فنخالفه فيه لأن الذي وجدناه نحن هو أن الذين وضعوا الألفاظ الفارسية والسريانية لم يكونوا من اللغويين في نظرنا، بل من النقلة. والناقل غير اللغوي؛ أما اللغويون فهم الذين وجدوا لتلك المفردات عربيات فصيحات قتلت تلك الأعجميات الدميمات.
فقد قال النقلة مثلا السولوجسموس والافودقطيقي، والطوبيقي، والسوفسطيقي والربطوريقي، والبيوطيقي؛ ولما جاء المعربون اللغويون قالوا عوضا عنها:
القياس، والإيضاح، والمواضع، والتحكم، والخطابة، والشعر. ومثل هذا كثير. ومن شاء فليراجع
كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي والمؤلفات التي عربها كبار الفصحاء.
والنحت لم يذهب إليه أحد إذ لم يوضع له ضابطة والألفاظ المنحوتة التي وصلت إلينا هي حروف جاءتنا في مواضيع مختلفة نطق بها الناس بعد أن صقلتها السنتهم، وهي غير جارية اطرادا على وجه من الوجوه؛ والاشتقاق عندنا يقوم مقامه ويوفي حقه بل يفوقه وقد وضعت له قواعد وصنفت الكتب وجاءت أبوابه في جميع المعاني. وكل لفظة منحوتة (وضعت في العلم) نزعت منه ولم تعش زمنا طويلا. ولغتنا ليست من اللغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدون في مصنفاتهم، والمنحوتات عندنا عشرات. أما عندهم فمئات بل ألوف لأن تقديم المضاف إليه على المضاف معروف عندهم فساغ لهم النحت أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه.
نعم هناك ألفاظ يقدم فيها المضاف على المضاف إليه كما في لغتنا. لكن مزايا لغتنا تفر من الجمع بين ذينك اللفظيين المتنافرين حفظا لسلامة الذوق أو هربا من إطالة الاهجية التي تستمرئها لغات الغرب وتنبذها لغتنا الشريفة.
إلا إننا نقبل بين مفرداتنا الألفاظ المنحوتة الغربية الأصل فنقول: تلفون ونشتق منه فعلا فنقول تلفن كما قال السلف نوروز ونورز، وفيلسوف وفلسف؛ لكن هذا لا يكون إلا لشرطين وهما: 1 - أن تكون الألفاظ خفيفة النطق والصيغة. 2 - أن تكون مادتها تشبه المادة العربية وإلا فانك لا تقول فوطغرف يفوطغرف اشتقاقا من الاسم الإفرنجي المنحوت (فوطغرافية) أن قبلناها. فما كل منحوت إفرنجي نقبل كما لا نشتق دائما منه فعلا يفيدنا مرادنا فالأمر موكول إلى الذوق العربي وأوزان لساننا وصيغ الألفاظ نفسها ومادتها. وهذا مما يجب أن ينتبه له.
أجل لأننا لا نريد أن نسير برأي أهل البادية في لغتنا لكننا نريد أن نسير على المناحي والمنازع التي تلقيناها من السلف جيلا بعد جيل وأصلهم من البادية ولا نقبل أن ندخل في لغتنا مثل البقروت بحجة أن جمال الدين نطق بها. فلقد
يكون المرء حسن الرأي والقول في أمور ولا يصح رأيه في أمور اخرى؛ ولهذا يجب علينا أن نعمل بقول من قال: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال. فجبروت ورهبوت وملكوت ألفاظ ارمية الأصل والصيغة أو مشتركة بين الأختين الساميتين وكذلك البقروت فمعناها في اللغة الآرامية
رعاية البقر؛ لكن هل نحن في حاجة إليها ذلك ما ندعه لحكم القارئ. وإذا كان لابد من وضع كلمة في هذا المعنى فالبقارية والفدادية (بالتشديد وياء النسبة) أقرب إلى المراد والطف اشتقاقا من البقروت الخشنة الثقيلة التي لا تغني فتيلا.
الأدب العربي
بعض أخطاء (عن الجزء 108 من مجلة (المهذب))
تحت هذا العنوان نشرت مجلة (الأفريكان ورلد الشهيرة في عددها المؤرخ 17 مارس نبذة جميلة تقديرا للأدب العصري في مصر، فأحببنا تعريبها لقراء (المهذب) ليروا كيف ينظر أدباء الغرب إلى جهدنا الأدبي في الوقت الحاضر. ولا يسعنا إلا توجيه الشكر إلى الزميلة لما تبذله بنفوذها القوي من مسعى جليل لتوثيق عرى الإخاء الأدبي بين الغرب والشرق بأقلام حضرات محرريها المستشرقين ونرحب بمثل هذه الآراء الصادرة من عاصمة الإمبراطورية الإنكليزية قالت: (لمناسبة تجدد العناية بالأدب العربي - كما سبقت الإشارة في (الأفريكان ورلد) - ربما كان المفيد في هذه الفرصة أن نمحو بعض الأخطاء الشائعة عن طبيعة الأدب العربي الحديث. فإن الفكرة الغالبة هي أن الأدب العربي الحالي يتمثل في الشعر وهذا ليس سوى طبعة جديدة للشعر العربي القديم اللهم إلا في تطبيقه على الظروف الحديثة! ولكن بينما شعراء العرب القدامى مخلصين في عواطفهم فالشعراء المعاصرون في العالم العربي أو على الأقل معظمهم لا يمثلون عقيدة فنية صادقة، وهم كثيرو التقلب في أغراضهم وأساليبهم. ولم يكن قليلون منهم من ترددوا في مقاومة حرب الاستقلال اليونانية وفي معاضدة الطاغية عبد الحميد! على أننا وإن لم ننكر هذه الآراء، وإن اعترفنا كذلك بأن ترجمات السير تشارلس لايال من ديوان الحماسة لأبي تمام تصلح لأن تكون بديلا بل مغنيا عن الترجمات المقترح عملها من نظم شعراء
المدرسة القديمة المعاصرين، إلا إنه من العدل أن نذكر أن هناك عملا جيدا وافرا يقوم به في هدوء الشباب الناهض من شعراء العرب. وبغض النظر عن جهود الدكتور أبي شادي التي أشير إليها بتقدير على صفحات (الأفريكان ورلد) وفي جرائد أخرى بأقلام الأدباء المستشرقين فمن الواجب الإشارة إلى غيره من الشعراء المبرزين كشكري وجبران والعقاد وأبي ماضي
دون أن ننسى النقاد والكتاب المشهورين أمثال الدكتور هيكل والدكتور طه حسين. وبتعاون هؤلاء الشعراء والنقاد المثقفين والعصريين حقيقة استطاعت مصر (وتبعا لها الأقطار العربية الأخرى) أن تنهض بمستوى الشعر العربي الذي صار الآن مساعدا على تأليف الدرامة والأوبرا ومؤديا نصيبه نحو تقدير الطبيعة وخدمة الإنسانية. وهذا الروح الجديد هو الذي يستحق أن يستحضر أكثر من قبل أمام الجمهور الأدبي في إنكلترا إذ لاشك في إنه سيقدم شيئا جديدا ممتعا، كما إنه سيعين على إنماء صداقة مدرسية جميلة ما بين الأدباء الإنكليز والمصريين وبالتالي ما بين الفريقين النابهين في الأمتين لفائدتهما المشتركة. ومن أجل هذا نرى الفرصة سانحة لإنعاش (جمعية الآداب العربية التي أسسها في لندن الدكتور أبو شادي والمستر ك. ميخائيل والمستر أ. بكري وغيرهم برئاسة الأستاذ مرجليوث منذ 14 سنة وغرضها الأول تبادل الثقافتين الإنكليزية والعربية. وقد خسرت هذه الجمعية بسبب ظروف الحرب وما بعدها وبسبب سفر الكثيرين من أعضائها من لندن. ولكن مع وجود المساعدة المالية والغيرة الأدبية فإنه من الميسور تجديد جهودها النافعة).
اليوصي لا العفصي
رأيت في جملة أغلاط معجم دوزي في مادة (أب) قوله أبو جرادة: ضرب من الطير الجوارح يسمى أيضاً بالباذنجان وفي الشام بالبصير وفي كتاب مخطوط في الاسكوريال 893 يذكره المؤلف بين الطيور التي سماها: (الباشق واليؤيؤ والعفصي) اهـ. قلنا: والصواب اليوصي. لأننا لم نجد العفصي بهذا المعنى في أي كتاب كان. أما اليوصي وزان سبب وبياء النسبة في الآخر فيرى في جميع المعاجم.
ب. م. م