الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 61
نظرة إجمالية في أعمال شركة النفط التركية
1 -
تمهيد
نشرت هذه المجلة في جزئها الأول من هذه السنة في باب الأخبار نبذة عن فيضان بئر النفط بجوار كركوك. ولما كان هذا البحث جليلا من الوجهتين التاريخية والاقتصادية. دفعتني الغيرة الأدبية إلى أن أتحف قراء (لغة العرب) بوجيز العبارة وبسيط الكلام ما شاهدته بعيني وما وقفت عليه بنفسي في خلال ثلاث سنوات وما قامت به (شركة النفط التركية) من الأعمال الخطيرة والمساعي المشكورة. في المدة المذكورة.
2 -
كيفية الحصول على الامتياز
في ربيع 1925 أتاح لي الحظ أن أقابل مرارا عديدة المستر كليلينغ بشأن
أمور تتعلق بمهمته وكان قد قدم العراق مندوبا من قبل المركز العام لشركة النفط التركية في لندن للمناقشة والمساومة مع الحكومة العراقية الجليلة رغبة الحصول على امتياز نفط الموصل فنجح في مهمته هذه مع ما لاقي من الصعوبات الشديدة والعقبات الكثيرة من جهات عديدة. ولا سيما من قبل مندوبي شركتي فنكس وفرنك هوامس النفطيتين ولما كانت شروط كليلينغ ارفع وأنفع لمصلحة هذه البلاد وافقت الحكومة العراقية على إعطائه الامتياز وفوضت الأمر إلى صاحب المعالي مزاحم بك الأمين الباجه جي الذي وقع أوراق الامتياز نيابة عن الحكومة العراقية مشتركا مع المستر كيلنغ وكالة عن شركة النفط التركية وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر آذار 1925.
3 -
أعمال علماء طبقات الأرض
وفي أيلول من السنة نفسها وصل إلى العراق طائفة من علماء طبقات الأرض فيهم الإنكليزي والفرنسي والهولندي والمجري وأخذوا يجولون في أراضي العراق طولا رغبة في التنقيب والتدقيق إلى من حيث أتت، ورفعت الرفائف وخطت الخطط اللازمة للأعمال التي تتوخاها وفي ربيع 1926 استأنفت الأعمال بهمة لا تعرف الكلل وبنشاط ليس وراءه ملل.
4 -
فتح الطرق وتسهيل المواصلات
إذا سرت في صحراء العراق العربي لا تقع أنظارك على سوى منخفضات ومرتفعات - حصى وصخور - تلال وجبال - وديان وسهول - انهار وسيول فتتكبد كثيرا من المشقات بل يصعب عليك المرور بل قل لا يمكنني العبور ما
لم تمهد الطرق وتوطد الجسور ولهذا اهتمت الشركة بمر فتح وتسهيل المواصلات وتذليل العقبات ليتسنى لها أمر تسيير سياراتها وأدوات النقل العظيمة الهائلة. ومواصلة الأعمال التي عقدت نيتها على إنجازها. فاستخدمت ألوف العمال ونسفت شاهق الجبال. وصرفت في هذا السبيل الكثير من المساعي والأموال.
(صورة) صاحب الجلالة فيصل الأول ملك العراق الهمام وهو يلقي خطبته التاريخية المهمة وبحضرته المستر هيلري بل مدير الشركة العام
5 -
الاحتفال بافتتاح أعمال الحفر في جبال بالخانة
في 25 نيسان 1927 كان موعد الاحتفال بإفتتاح أعمال الحفر وقد عينت
الشركة لهذا الأمر بئر التجارب المرقم 1 الذي أقامته بالقرب من جبال بالخانة وقد ازدادت الحفلة وجلالا بحضور صاحب الجلالة مليك البلاد المحبوب فيصل الأول وقد دعت الشركة عددا ليس باليسير من أعيان العاصمة بينهم الوزراء والأعيان والنواب ورؤساء الدوائر والمصارف والمحال التجارية من وطنيين وأجانب ونقلتهم على نفقتها في قطار خاص إلى محطة سلمان بك ومنها على سياراتها إلى بالخانة. فياله من مشهد تاريخي عظيم حين تبودلت الخطب الرنانة صاحب الجلالة الملك فيصل والمستر (هيلري بل) القائم بأعمال الشركة في العراق!
وقد افتتح صاحب الجلالة أعمال الحفر بيده الكريمة وبعد الغداء في محطة سيلمان بك رجع الكل إلى العراق العربي.
ولسوء الحظ أو حسنه بعد أن دامت أعمال الحفر هناك عدة شهر بلا نجاح تركت هذه البئر وأبدلتها بغيرها وهي المعلمة برقم 3 وذلك بالقرب من جبال بالخانة أيضا.
6 -
راحة الموظفين
في الأيام الأولى كانت الخيام المأوى الوحيد لجميع الموظفين. وأما اليوم فانك ترى في جميع مراكز الشركة التي تمر بها عمارات لطيفة ومباني جميلة شيدت لسكنى الموظفين وراحتهم وقد فرش معظمهم فرشا ثمينا ومدت الاسلاك الكهربية للضياء والانارة ليلا. ولإقامة مراوح تخفيفا لحرارة شمس القيظ نهارا. وهناك معمل للمياه المعدنية (الصودا) ومعمل ثان للثلج ومضخة (مكينة) نصبت عند فتحة آق صوفي جاي لاستقاء الماء وتقطيره وتقسيمه على جميع المراكز بواسطة الأنابيب الممتدة في عرض البر وطوله.
7 -
بيت القصيد انفجار بئر النفط في بابا كركر
أنه ليوم تاريخي عظيم للعراق وأهله يوم العثور على منبع النفط في (بابا كركر) - ذاك المكان الذي لا تخلو علاقاته التاريخية من عظيم الأهمية. في شمال غربي كركوك، في البطاح التي تبعد عن
المدينة نحو 7 أميال، هناك بين التلال والجبال، نشاهد بعض ينابيع معدن الكبريت؛ هناك تسمع قرقرة الغاز أو الريح كما كان يقول السلف، وبعد أن ينبط السائل بشكل مادة نفطية ثخينة يسمع صوت هو صوت الحاصل من جلبة الغاز في تلك البقعة التي أطلق عليه اسم (أبو كركر أو بابا كركر) هناك في تجويف سطحي طفيف عند قمة الجبل يشاهد الإنسان قدرة الخلاق العظيم إذ يرى ما ينيف على عشرين فوهة في الأرض ينبثق منها على الدوام غاز طبيعي وهذه الفوهات دائمة الاشتغال لا تنطفئ ألبته.
ويظن العوام أن تلك البقعة موازية لأتون النار المتقدة الذي طرح فيه بختنصر الملك ثلاثة فتيان اليهود من سبي بابل.
والتاريخ ينبئنا عن هذه النار حينما كان المكذونيون مسيطرين على بلاد العراق (بين النهرين) لان المؤرخ الشهير بلوطرخس في كتابه (حياة الاسكندر) يشير إلى ما صنع الاسكندر يوما وهو في إقليم اكبتانة (ارض همذان) حين شاهد هوه من النار تلتهب على الدوام كأنها ينبوع لا ينفذ ولا يجف. ولقد أخذه العجب العجاب عندما شاهد قريبا من تلك الهوة سيلا من النفط يفيض بغزارة أية غزارة حتى نشأ منها بحيرة واسعة الأطراف
ومما يجدر بالذكر هنا أن سكان هذا الإقليم كانوا يستخرجون النفط من هذه البقاع منذ الزمان وينقلونه على ظهور دوابهم إلى كركوك لتصفيته هناك وبيعه.
أما اليوم وقد أعطى امتياز استخراج نفط البلاد العراقية إلى شركة النفط
التركية فقد تم الاكتشاف بواسطة فئة من متخصصي علم طبقات الأرض ومدت الأمور للشروع في الأعمال العظيمة فحفروا بئرا بالقرب من تلك البقاع ونصبوا برجا حديدا هائلا ارتفاعه (120) قدما يرى جليا من مدينة كركوك وإن كانت قاعدته منخفضة جدا. أما أعمال الحفر في تلك البئر فقد بدأت في 30 حزيران 1927 ودامت ليل نهار وفي 14 تشرين الأول 1927 غدا عمق البئر (1520) قدما وفي صبيحة اليوم التالي حدث ذلك الحادث العظيم الذي اهتزت له الأسلاك الكهربية شرقا وغربا عند وقوع إنجازه إذ ذاع خبره في العالم اجمع لما من الأهمية في الصنائع العصرية.
أجل لقد فاضت البئر بالسائل الثمين واخذ يتدفق بغزارة عظيمة بمعدل 92. 000 برميل في اليوم ويرتفع نحو 60 قدما فوق البرج القائم على البئر فوجدت الشركة إذ ذاك ضالتها المنشودة وحصلت على الأماني المقصودة ولم يمكنها حالا سد فوهة البئر إلا إنها تمكنت منه في اليوم 23 من شهر ت 1 1927 بعد أن دام السيل ثمانية أيام ونصفها بلياليها. فتأمل.
8 -
المركز العام لإدارة شؤون الشركة
انتخبت الشركة مقرا عاما لها ولإقامة موظفيها وإدارة قطعة واسعة من الأرض تبعد عن قرية طوز خورماتي نحو 25 دقيقة على الأقدام وذلك بالقرب من محطة السكة الحديدية حيث شيدت المباني الكثيرة لسكنى الموظفين
ولإدارة الأعمال - وهناك دوائر متعددة للحفر والهندسة والنقليات والهلك (والجيولوجية) والمخازن الخ. ومستشفى فخم جليل فيه ما يقضي من الآثار والرياش والعقاقير الطبية على أنواعها يدير أعماله أحد كبار أطباء الإنكليز.
(صورة) صاحب المقال ومدير المال لشركة النفط التركية نزيل طوز خورماتلي
ولما اقتضى أن ينقل محل بغداد إلى أعمال الطوز لينضم إلى هذا المحل الجديد الذي هناك ذهب إليه مدير الشركة العام ومعه مدير المحاسبات العام وحاشية كبير من الموظفين والعمال بينهم الإنكليزي والفرنسي والأميركي ولروسي والهولندي والهندي والعربي والآثوري واليوناني والأرمني والإيراني والكردي واليهودي (فيا لهول بابل القرن العشرين
في هذه الديار!) والمدير العام المشرف بنفسه عن
جميع أعمال الشركة بخبرته الواسعة وغيرته الشماء.
هذا وفائدة لحضرات القراء الكرام قبل الختام أهم مراكز الشركة في هذا البقاع وقد مرت بأغلبها في سياحتي الأخيرة وهي:
1 -
كركوك وتوابعها 2 - بابا كركر 3 - طارجل 4 - دقوقاء (طاووق) وملحقاتها 5 - افتخار 6 - جانبور 7 - خرمر 8 - بالخانة وتوابعها 9 - سليمان بك - وآق صوفي جاي 10 - انجانة وملحقاتها 11 - الخشم الأحمر 12 - نارين 13 - حصار وتوابعها: شرقاط وخانوقة (ويلفظون القاف كافا فارسية).
9 -
مسك الختام
هنا امسك عنان القلم خوف الإطالة والملل على هذا قلقل من كثير وأملي أعود في فرصة أخرى وأوفي قراء لغة العرب بمقال أوفى وأشهى. ومن الله التوفيق هو حسبي ونعم الوكيل.
ليون أفندي لورنس عيسايي
صاحب هذا المقال ليون أفندي ابن لورنس عزيز الياس عيسايي ولد في بغداد في 6 نيسان 1886 وتيتم وهو في سن الطفولة فعنيت والدته جوزفين (جوجو) كل العناية فأدخلته في مدرسة القديس يوسف العالية للآباء الكرمليين في بغداد فتلقى فيها مبادئ العلوم واللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والتركية وعشق الفضيلة فاتخذها غرضا لأعماله كلها. وفي سنة 1900 وكل إليه عناية تدريس الطلبة ولما بلغ من سنة السادسة عشرة وظف في محل تجاري إيراني فاضطر إلى أن يتعلم الفارسية أيضا. واتخذ التجارة بعد ذلك مهنة له، وفي سنة 1903 انشأ نشرة أسبوعية سماها (بستان الأخبار) وفي سنة 1905 اصدر تقويما سنويا وسمه (بالتقويم الأدبي) وله مقالات عديدة في الجرائد والمجلات كالروضة (البغدادية) ومرقعة الهندي والزنبقة (البغدادية) ونشرة الأحد والمفيد والحقائق المصورة إلى غيرهم. وفي سنة 1910 نشر تقويما عرف باسم (هلال الزوراء) فدام سنتين. واليوم يشتغل في شركة النفط الإنكليزية التركية ويرضي جميع رؤسائه.
(لغة العرب)