الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحبوسين ما
نخرجهم وهم ممالكنا نعمل بهم ما نريد. ومعايشكم ما نزيدها. فمن رضي عنه بذلك يعقد، ومن لم يرض وأراد الخروج من البلد فنحن لا نمنعه وطال الخطاب في ذلك إلى آخر النهار. ثم مضوا وخرجوا إلى ظاهر البلد فأقاموا هناك مظهرين للرحيل فبقوا على ذلك أياما فاجتمع بهم الشيخ السبتي الزاهد وعرفهم ما في ذلك من الإثم ومخالفة الشرع، فاعتذروا وسألوا الشفاعة لهم وإن حضر لهم (خاتم الأمان) ليدخلوا البلد فحضر عند الشرابي وعرفه ذلك وسأله إجابة سؤالهم فاخرج لهم (خاتم الأمان) مع الأمير شمس الدين قيران الظاهري والشيخ السبتي. فدخلوا والشيخ راكب حماره بين أيديهم وحضروا عند الشرابي معتذرين فقبل عذرهم. وكان مدة مقامهم بظهر السور سبعة أيام!) أهـ.
وجاء ذكر خاتم الأمان بعد ذلك التاريخ بنحو مائة سنة في كتاب عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب إذ ادخل فيه مؤلفه نبذا تاريخية. وملخص خبر هذا الكتاب بشأن خاتم الأمان (ص 12 وما بعدها من طبعة بومبي 1318) أن الشريف أحمد بن رميثة كان السلطان أبو سعيد (في سنة 736هـ - 1335م) فاخرج الشريف من الحلة حاكمها الأمير ابن الأمير طالب الدلقندي الحسني الافطسي وتغلب على البلد وأعماله ونواحيه. ولما تمكن ببغداد الشيخ حسن ابن الأمير اقبوقا أراد هذا أخذ الحلة من الشريف بدون أن يقدم إليها لكنه عجز عن أخذها بهذه الصورة فقصدها بنفسه وأحاط بها. ثم رأى أن يرسل إلى الشريف شيخ الإسلام بدر الدين المعروف بابن شيخ المشايخ الشيباني فأمنه وحلف له وأعطاه (خاتم الأمان) انتهى ما أردت تلخيصه.
منديل الأمان
رأينا في ما تقدم أن الخاتم كان شارة للأمان فبقي علينا أن نرى المنديل حاملا السلام قائما بما تكفله الخاتم.
جاء في معجم المستشرق دوزي الذي وضعه في أسماء الألبسة
عند العرب (ص 415) شواهد أراد بها صاحبه أن يستقصي بما يراد بالمنديل وصورة استعماله كلباس وقطعة نسيج يحتاج إليها الإنسان وغير ذلك ومما جاء به هذا المستشرق أنه اقتطف نبذتين من كتاب ألف ليلة وليلة فيهما ذكر منديل الأمان. وهذا كلام المعجم.
(فقال: أخي أراد الأمان فأعطاه (منديل الأمان)(271: 1 طبعة مكنكتن)(فقال الشاب: العفو يا أمير المؤمنين! اعطني (منديل الأمان) ليسكن روعي ويطمئن قلبي. فقال له الخليفة: لك الأمان من الخوف و (لك) الإحسان (185: 2)) أهـ.
وقد يتبادر إلى الخاطر أن إعطاء منديل الأمان في ألف ليلة وليلة من تلفيق المؤلف الواسع الخيال، لكنا نستفيد مما اقتطفه دوزي أيضاً من مخطوط للنويري في تاريخ ديار مصر أن إعطاء منديل الأمان كان من الأمور التي تقع بالفعل فقد قال النويري:
(فجاء الملك الصالح إسماعيل بعساكره إلى القدس وصحبته الفرنج فأرسل إلى الشيخ بعض خواصه (بمنديله) وقال له: ادفع إليه (مندلي) وتلطف به واستر له وعده بعوده إلى مناصبه) أهـ.
هذا ما كان قبل مئات من السنين وقد كان مثله في النصف الثاني من القرن الماضي. وهنا ادرج صورة الوثيقة التي عندي وهي تتعلق بهذا الباب ولها شأن في تاريخ المنتفق فضلا عن تعريفها إيانا ببقاء هذه العادة إلى هذا العهد القريب. وهذا نص الوثيقة التاريخية بوضعه المغلوط:
ذو النجابة ناصر السعدون
وصلنا معروضك، وصار معلومنا كافة ما ذكرت من الإفادات خصوصا من بيان السبب الداعي لالتماسك الرأي والأمان الثاني من طرفنا في قرآن ممهور وإن الاشتباه والوسوسة الحاصلة لك ناشئ من الأوراق والكواغد الواصلة إليك المرسولة مع كاتبك ملا خضر
لطرفنا. فيكون معلوم جنابك أن
الأوراق المذكورة مشتملة على بيان عزل (أخيك) منصور (باشا) وما فيها ذكر جنابك. وعلى الخصوص تاريخها مقدم على تاريخ شقة الرأي والأمان التي أرسلناها إليك مؤخرا. فيقضي أن لا يمر في خاطرك شئ من الوسواس ويلزم أن تعتمد على رأينا وأماننا الوثيق بلا اشتباه. وأجزم بأن جوابنا لا يتبدل ولا يتغير. عفا الله عما سلف.
وبهذه الدفعة قد سيرنا لك مع ملا خضر (كيفية الرأي والأمان) لأجل اطمئنان قلبك. فإذا صار ذلك مفهوم ينبغي أن تتوكل على الله تعالى وتجي إلى طرفنا. وأنت مأمون وما تشاهد من جانبنا سوى حسن الالتفات. تجي ظالما وتعود إلى محلك سالما. ولا حاجة فوق ذلك إلى طول الكلام هكذا يكون معلوم جنابك والسلام.
في 29 شعبان 1280 وفي 27 كانون ثاني 1279 (1864م). (الخاتم:) محمد نامق).
ومن المعلوم أن العراقيين يطلقون كلمة الكفية على المنديل. وهذه الكفية التي ورد ذكرها هنا عندي مع الوثيقة وما تقدمها من رسائل نامق باشا التي كان قد بعث بها إلى ناصر (باشا) وفيها يستدعيه إلى بغداد ولم يكن قد صار شيخا بعد. وتلك الكفية هي نسيج دقيق من الكتان ولونها ابيض تشوبه سمرة لعتقها وزواياها مطرزة بالقصب فهي من النوع الذي كان يسمى جوزه (بتح الجيم المثلثة وسكون الواو وفتح الراء) وكان يرد من الأستانة. وكلمة جوره تركية معناها المنديل المطرز الأطراف. وكان هذا اللفظ مستعملا بين ظهرانينا وقد هجر اليوم إذ لا يؤتى منذ أمد بمثل هذه الكفافي من الأستانة لتدفق المنسوجات الأوربية علينا.
ولا يبعد أن تكون كفيتنا هذه الأخيرة من الكفافي الحاملة السلام والأمان في عراقنا المحبوب وإن كان عندنا العهد الأخير لتلك العادة دفينة بطون التاريخ.
بغداد: يعقوب نعوم سركيس