الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العيافة عند عوام العراق
العيافة مشتقة من عفت الطير وغيرها من السوانح اعيفها عيافة: زجرتها وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وممرها وأصواتها فتتسعد أو تتشأم والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها من السوانح ويقال له الزاجر أيضاً (ملخص عن اللغويين).
والذي عندنا أن العيافة مشتق من (العوف) كما أن البوابة مشتقة من الباب، والعوف هو الطائر (وفي كتب اللغة طائر. وهذا وهم عندنا) كما أن الإفرنجية مشتقة من أي اختبار العوف أو الطائر واستشارته كما في العربية.
وكان السلف كثيرا ما يعيف الطير وهكذا كانت سائر الأمم مولعة بالعيافة كما هو شأن جميع الأقوام غير المتنورة وإلا فما أثر هذه الحيوانات على اختلاف أنواعها في أمور الناس وهم مخيرون في أعمالهم ولا صلة تصلهم بما يحيطهم. ومن الأمم المولعة بالعيافة الرومان فانهم كانوا أشد الناس حرصا على معرفة المستقبل وما يكون في مطاويه من سعد ونحس بالنظر إلى حركات الطير على اختلاف أنواعها.
والأمم مهما ارتقت تكون فيها طبقتان: طبقة عالية وهي طبقة الخاصة، وطبقة منحطة أو سافلة وهي طبقة العامة، والعوام في جميع البلاد والديار والأمصار مولعون بالعيافة أو الزجر، ولما كان صديقنا العزيز أحمد حامد أفندي الصراف من متتبعي آداب طبقات الناس والباحثين عن أخلاقهم، طلبنا إليه أن يتحفنا بما يعلم عن عيافة العوام في العراق، فكتب لقراء لغة العرب هذه المقالة الشائقة وقسمها إلى أربعة أقسام: قسم الحيوانات، وقسم الطيور، وقسم الحشرات، وقسم الأشجار. فقال:
(لغة العرب)
1 -
عيافة الحيوانات
الخراف
الخرافيون من الرجال يتفاءلون بروية الخراف عند الصباح، معتقدين
أن رؤية الغنم (غنيمة)؛ وإذا شاهد أحدهم قطيعا وجب أن يعد منه سبع نعاج حمر. وإلا أصابه مكروه في
يومه.
والطفل الذي يبكي كثيرا تأخذه أمه إلى قطيع من الغنم فتمشي أمامه (أمام القطيع) بسرعة وتقول: (يا عجة، اخذي اللجة) أي أيها العجاج، خذ اللجاج، معتقدة أن هذه الفعلة تجعل الولد هادئا لا يبكي ولا يصيح.
ومن أمثال العوام: (فلان صار خروف) أي خرف وهذي وهرم.
ومنها (فلان مثل النعجة) يقال للرجل العاجز الجبان.
الكلب
كان العربي الجاهلي يحب الكلب ويضرب المثل بوفائه بل مدح أحد السلف في صدر الإسلام الخليفة بقوله:
أنت كالكلب في احتفاظك للود
…
وكالكبش في قراع الخطوب
وكان إذا أراد أحدهم مدح آخر ونعته بالكرم قال: (فلان جبان الكلب) وأخبار هذا الحيوان الأمين كثيرة في كتب الأدب.
أما المسلمون فيعدونه نجسا لحديث ورد عن النبي (ص) قوله: إذا ولغ الكلب في أناء أحدكم فاغسلوه سبعا إحداهن في التراب.
أما الآن فيتشاءم منه عامة الجهلة من نساء ورجال ولاسيما حين يعوي عواء الذئب فيكثر من عوائه فينهرونه حينئذ بقولهم له: (مجعوم بالله هلك هلك عوذه) أي (أنت مردود بعون الله إلى أهلك اهلك نعوذ بالله منك) وبعضهم لا يتردد في قتل مثل هذه الكلاب تخلصا من شرها.
أما الذي ينبح نباحا عاديا فلا يتشاءم منه؛ وإذا نبح الكلب في وجه طفل (وأخترع) أي أرتعب اخذوا شعرات منه واحرقوها تحت ثياب الطفل. وإذا عض الكلب أحدهم اخذوا من أصحابه (خمرة) أي عجينة وملحا ووضعوها على المكان المعضوض فيبرأ على ما يزعمون! والأعراب العائشون في البساتين والحقول يتهافتون على اقتنائه لأنه يحرس غنمهم ومواشيهم ليلا.
ومن أمثال العوام (إذا كانت حاجتك عند الكلب قل له حاج كليبان) أي
عظمه بالألقاب الضخمة لتنال بغيتك، ومنها:(مثل كلب المبلل) يقال لمن يتورط في أمر، ومنها: (طردوه
طرد الكلب من الجامع) ومنها: (مثل كلب المكلوب) يقال لمن يعربد ويصخب ويشاغب كثيراً.
الهر
لا يتشاءم منه الناس ولا يتفاءلون به أما إذا شوهد يمسح وجهه بيديه وخصوصا إذا أمرهما فوق أذنيه قالت النساء سيجيئنا ضيف وإذا تقاتلت القططة وقام أحد سكان البيت وضربها قالوا: سيصيبه أذى في يومه.
واليهود في العراق يكرهون القططة كرها عظيما ولا يترددون لحظة في قتلها والمشهور عن الهر إنه يأكل فراخه والى هذا المعنى أشار شوقي بك الشاعر مشبها الشمس بالهرة فقال:
فيالك هرة أكلت بنيها
…
وما ولدوا وتنتظر الجنينا
ومن أمثال العوام: (هر المطابخ) يقال لمن فيه سمن.
ومن أمثالهم (عداوة الجريدي والبزون) أي عداوة الجرذ والهر يقال ذلك عن عدوين عداوتهما قديمة موروثة ويسمى بعض العوام (الهر)(عتوي) ويريدون به الهر الضخم ولاسيما الأسود.
أبن آوى
ويسميه العوام في العراق (الواوي) ويتفاءلون برؤيته وإذا صاح ابن آوى ليلا يفرحون معتقدين أن سنتهم تكون سنة خير وبركات، فإذا أكثر من صياحه وكان أحد سكان البيت مريضا أو أرمد أو به سعال شديد أو غير ذلك، تقف إحدى النساء وتأخذ بيدها اليمنى طاسة مملوءة ماء وتضع يدها اليسرى على رأسها وتتقبل (القبلة) وتسكب الماء وراءها وتقول:
(يا واوي البرية خذ صخونة فلان بن فلان أو رمد فلان بن فلان وذبه بالبرية) والمرضعة تأخذ ولدا من أولاد أبن آوى وترضعه من ثديها معتقدة أن ذلك يطيل حياة ابنها.
ويتفاءل المسافرون إذا عرض لهم أبن آوى في طريقهم
والأنثى يسميها العراقيون (بعيوة)(مصغرة) ومن أمثال العوام:
(فلان مثل واوي الخضرة
ويراد بذلك المحتال الداهية.
وفي بغداد إذا قال أحدهم للآخر (واوي) والصعاليك يرفعون عليهم هراواتهم مهددين إياهم بالبطش والفتك.
الذئب
حيوان لا تشاءم منه. والنساء يعتقدن أن الذي يحمل عليه عينه المقلوعتين يصاب بأرق شديد فلا يستطيع أن ينام ومن يحمل قطعة من جلده أو نابا من أنيابه أو كعبا من كعاب عظامه تهزم منه الجان.
وإذا وقع الطفل، أو زلت قدمه صرخت النساء (الذئب، الذئب) مستنجدات به لطرد الجان لأن الذئب يأكل الجان بموجب اعتقادهن كما ذكرناه في بحثنا عن الخرز.
والذئب مشهور بالغدر عند العرب القدماء وأحسن من وصفه الشاعر المشهور الفرزدق حيث يقول من قصيدة له:
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما
…
أخيين كانا أرضعا بلبان
الخنزير
حيوان مشؤوم وقد حرم لحمه على المسلمين بنص القرآن وقد حرم الفقهاء أكله بجملته. إلا أن النساء يستعملن شحمه وجلده للسحر والعلاج. من ذلك إنهن يعتقدن أن شحمة أذنه تفرق بين المتحابين. وإن حمل أحد إحدى أنيابه أمن الشر. لذلك تراهن يعلقن سنه في عنق الطفل. ويستعمل الماء الذي يشرب منه لمعالجة (السعال) وداء آخر يسمى في عرف العوام (خنيزيرة) وهو الخنازير ولذلك يقتني بعضهم خنزيرا ليبيع من الماء الذي يشرب منه فيضعه في القناني لهذه الغاية وقد حدثني أحد يهود بغداد بأن القنينة الواحدة تباع بنصف ربية وقد حققت الأمر من يهود بغداد فتبين لي صحة هذا الزعم. ويعتقد الأعراب أن وجود الخنزير بين الخيل مدعاة إلى سمنها.
أحمد حامد الصراف