الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب ثمار القلوب
-
أتيح لي في الأيام الأخيرة أن أطالع كتاب ثمار القلوب، في المضاف والمنسوب، للثعالبي بعد أن لبث في غيابة خزانتي لبث يوسف في سجنه، وكنت في أثناء مطالعتي المح في الحاشية تعليقات للمصحح، على بعض كلمات الكتاب على سبيل الشرح والتفسير.
فإذا أنا أمام (شريط من الأعاجيب) ما كنت أتخيلها، وما كنت أظن أن بشرا حاضر العقل يرتكبها، وإن الإنسان ليخلط في حماه ويهذي في منامه ولكنه يخلط ويهذي بما يقارب الواقع أما الحاشية فكانت فوق الخلط وفوق الهذيان.
وكانت أول غلطة فظيعة عثرت بها في مسيري رواية قول حسان ص 175: (أني لو وضعت لساني على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه) بقافين - (لقلقه) - وتعليقه عليها قوله (اللقلقة صوت طائر طويل. . .) فحملتها لاستبعادي صدورها من عاقل على هفوة قلمية وأشرت إلى ذلك في جزء سابق من هذه المجلة (6: 371) معتذرا عن المصحح بأن الإنسان محل السهو والنسيان ولكن لما أمعنت في استعراض الحاشية مرت من أمامي مخاز وترهات لا يمكن لبشر احتمالها فألجأتني إلى استرجاع اعتذاري! لأني لم أرض لنفسي أن اعتذر عن بلاهة فأضيف إليها بلاهة أخرى.
وهاءنذا أعرض على أنظار القراء ما كتبته من الملاحظات حول تلك الفضائح وهي إلى تفكهة القراء أقرب منها إلى النقد لأن الحال سقطت عن أن يتناولها قلم منتقد.
قال في ص 267 بيت:
أناس هم المشط استواء لدى الوغى
…
إذا اختلف الناس اختلاف المشاجب
أقول: (المشط) معروف و (المشاجب جمع مشجب) وهو - كما في القاموس - خشبات توضع عليها الثياب وهذا البيت بديع جدا لأن الشاعر عمد إلى آلتين إحداهما ذات فروع متضامة في استقامة وتواز والثانية ذات فروع
متفرقة ومتباعدة وقد تكون متقاطعة ومنعقفة فشبه الوفاق بالآلة الأولى وشبه الشقاق بالآلة الثانية والصيغة كما لا يخفى أسم آلة أما حضرة المصحح فإنه فسرها في الحاشية بالاختلاط والتنازع وإن لم تضحك من هذه فسوف يضحكك ما يليها ففي الصفحة نفسها قول بعض البلغاء: (في إحدى سني القلم أري
وفي الأخرى شري) ففسر حضرته (الشرى) بالخراج المعروف وهو بهذا المعنى لو كان مقصورا على وزن (فتى) لكن مراد القائل ما يوازن (الاري) وتفسيره على هذا الوزن (الحنظل) وهو الذي يناسب المقام لفظا ومعنى.
وفي ص 282: (ويقال أيضاً كانت عليهم كراغية السقب يعنون رغاء بكر ثمود حين عقر الناقة قدار) هذا نص عبارة المؤلف وهو نفسه فسر السقب بالبكر أي ولد الناقة فأتى المصحح وركب عشواء وقال: (السقب والصقب بفتحتين القرب وفي الحديث الجار أحق بسقبه) فأين هذا من ذلك؟
وفي ص 284 قول بعض العرب في وصف ناقة: (الإبل سفن البر وجلودهما قرب ولحومها نشب وبعرها حطب وأثمانها ذهب) ومعنى النشب المال كما هو معروف أما المصحح - وهنا تسكب العبرات - فقد قال: (النشب جمع نشابة) فوقع في خطل مركب: أولاً إن لحوم الإبل ليست نصولا جارحة فتسمى نشابا. ثانيا إن النشابة جمعها نشاب بإسقاط الثاء كتفاحة وتفاح.
وفي ص 286 في بحث (أشقر مروان) قال المؤلف: (هذا فرس مشهور كان لمروان بن محمد آخر ملوك بني مروان وهو يعدل شبديز ابرويز في الحسن والكرم حتى صار مثلا لكل ظرف - كذا بالظاء - عتيق وفرس كريم) فقال المصحح في الحاشية: (الظرف واحد الظرفاء والظراف وهو المشتمل على طباع كريمة) فهل رأيتم بالله عليكم بلاهة توازي هذه البلاهة؟
أولاً إن الظرف ليس واحد الظرفاء والظراف بل واحدهما ظريف وثانيا إن الصواب (طرف) بالإهمال والكسر ك (سرب) الكريم من الخيل وهو المناسب للمقام.
وفي ص290 بيت من قصيدة أبي دلامة:
وتحفى أن بسطت لها الحشايا
…
ولو تمشي على رمث الرمال
كما ترى (رمث) بالراء وعلق عليها في الحاشية (نبات ترعاه الجمال ينبت في السهل. . .)! والصواب (دمث) بالدال يقال فلان دمث الأخلاق أي لينها.
وفي ص 292: (أبو الهزيل) بالزاي والصواب بالذال المعجمة وفيها أيضاً أحمد بن أبي داود) والصواب (دواد) بتأخير الألف عن الواو وهما متكلمان مشهوران.
وفي ص 298، (ذنب الحمار - يضرب مثلا لما يزيد ولا ينقص. . . وكان أبو بكر الخوارزمي يقول فلان كأعيان المرجئ وذنب الحمار) والصواب - كما في ص 135 من الكتاب نفسه (لا يزيد ولا ينقص) و (كأيمان المرجئ) لأن طائفة المرجئة تقول (الإيمان لا يزيد ولا ينقص).
وفي ص 310: (العرب تقول في الدعاء على العدو:
رماه الإله بداء الذئا
…
ب لأن دهره جائع)
هكذا على هيئة بيت من بحر المتقارب وعندي عدة أدلة على أن الكلام ليس بنظم: الأول أن الشطر الثاني غير مستقيم الوزن. الثاني إن تعليل الدعاء على هذا الأسلوب لا يلائم الذوق الأدبي. الثالث إن عبارة المصنف لا تدل على إنه نظم إذ لو كان نظما لقال: (قال الشاعر) ولم يقل: (العرب تقول).
وفي ص 311 بيت هكذا:
وكنت كذئب السوء لما رأى
…
دما بصاحبه (يوما) أحال على الدم
وفي ص 319 بيت:
وأما نومكم عن كل (خبر)
…
كنوم الفهد لا يخشى دفاعا
هكذا بالباء الموحدة وعلق عليها حضرته قوله: (الخبر بفتحة وسكون الاختبار) ولم يشأ أن يرويه بالياء المثناة ويستريح من عناء التفسير.
وفي ص 320 بيت من الرجز:
ليس ينام كنوم الفهد
…
ويأكل كأكل العبد
وهو كما ترى ليس فيه ما يسمى رجزا والصواب أن يكون هكذا:
ليس بنائم كنوم الفهد
…
ولا بآكل كأكل العبد
وفي ص 332: (يقال ابر من هرة) فعلق عليها هذه العبارة: (الهرة قد أبرت بأولادها في أكلها إياهم. . .) بزيادة الهمزة في الفعل واستعمال ضمير العقلاء. وهذا غاية في الجهل! وفي الصفحة نفسها بيت الراجز:
انك لو عمرت سن الحسل
…
أو عمر نوح زمن (العظمل)
والصواب كما في ص 515 من الكتاب:
انك لو عمرت عمرت الحسل
…
أو عمر نوح زمن الفطحل
وفي ص 334 هذه الأبيات:
وطيب أهدى لنا طيبا
…
فدلنا المهدي على المهدي
لم يأتنا حتى أتتنا له
…
روائح أغنت عن الند
بظاهر اخشن من قنفذ
…
وباطن ألين من زبد
كأنما تكشف منه المدى
…
عن زعفران شيب بالند
وعلق على (الند) الأول قوله: (الند بالفتح الطيب، وهذا التفسير صحيح لكنه علق على (الند) الثاني قوله: (والند بالكسر النظير) وهذا نهاية الرقاعة والصواب أن الكسر لا مناسبة له هنا وإنما ساقه إلى اعتبار الكسر محاولة التخلص من الإبطاء فوقع في أقبح منه ولو كان على بصيرة من أمره لعوض عن أحد الندين لفظة الرند وهو أيضاً ذو رائحة طيبة وبذلك يتخلص من الإبطاء.
وفي ص 346: (والشعراء يشبهون الشيء الصغير القصير بإبهام القطا والحبارى واظفور العصفور) علق على كلمة (اظفور) مفرد كظفر وجمع الأول اظافير وجمع الثاني أظفار وراجع القاموس.
وفي ص 351 البيت المشهور:
أسد علي وفي الحروب نعامة
…
ربداء تنفر من صفير الصافر
علق على لفظة (ربداء) قوله: (ربداء صفة النعامة من ربد أي أقام وسكن) أقول: إن فعلاء صفة مشبهة مثل عرجاء وحمقاء وتختص بما يفيد الثبوت لذلك لا ينبغي أن تأتي من (ربد) بمعنى أقام كما لا يأتي جلساء من جلس ولا كتباء
من كتب والصحيح أن ربداء من الربدة كغبراء من الغبرة وزنا ومعنى.
وفي ص 354 البيت المشهور:
بغاث الطير أكثرها فراخا
…
وأم الصقر مقلاة ترود
علق عليه قوله (مقلاة مهجورة أي قليلة الولد وترود تدور باحثة) أقول: إن مقلاة ليست من المقلي إذ لا مناسبة له هنا فتفسيرها بالمهجورة ثم تفسير المهجورة بأنها قليلة الولد تكلف ظاهر والصواب إنها من القلت قال في القاموس (المقلات ناقة تضع واحدا ثم لا تحمل
وامرأة لا يعيش لها ولد) وعلى ذلك ينبغي رسمها بالتاء المبسوطة لأنها أصلية والرواية المشهورة (مقلات نزور) وهي المناسبة للقافية لأن مطلع القصيدة:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
…
وفي أثوابه أسد هصور
وفي ص 358 في وصف الطائر المعروف بالسمندل (هذا الطائر في طباعه مزاج من طلاء النفاطين وأظن هذا الطلاء من طفل وخطمي ومغرة) فعلق على كلمة (النفاطين) قوله (النفاطين طلاء) وسكت والى القارئ الحكم.
وفي ص 382 بيت:
وما القطاة الكدر إلى القفر
…
أهدى من الفقر إلى الحشر
وعلق عليه قوله (الكدر والمنكدر المسرع) ولم ادر لم أضاف لفظة (المنكدر) وأنت ترى أن البيت غير مستقيم الوزن وينبغي أن يكون من السريع هكذا:
وما القطا الكدر إلى القفر
…
أهدى من الفقر إلى الحشر
بإسقاط التاء لإقامة الوزن وليناسب كلمة (الكدر) لأنها جمع أكدر كحمر لأحمر والكدرة من صفات القطا.
وربما في كلمة القبر هنا أولى من كلمة الحشر فتأمل.
وفي ص 439 قطعة للجاحظ في من طال فراقه لأهله واشتدت عليه الحال فوقع في ما لا يحسن ذكره! وفيها يقول: (ومن كان كذلك لم يميز بين غثيان البهائم و. . .) كما ترى (غثيان) بالثاء وعلق عليها المصحح قوله: (والغثيان الخبث) ولم تصل مداركه إلى أن يصحح الغثيان بالغشيان أي الإتيان.
وفي ص 465 بيت:
أترى عليل الوجد يطفئ ناره
…
إلا رضاب الكاعب الغيداء
قال في الحاشية (الغيداء بخلاف الاغيد فإنه الوسنان المائل العنق) فلينظر ما معنى قوله (بخلاف الاغيد. . .)؟
وفي ص 490 حديث عن النبي (ص): (ما زالت اكلة خيبر تعاودني فلا تهدأ أو تقطع ابهري).
وفي الحاشية (الابهر جمع بهر بالضم تتابع النفس) فيا لله من هذا الإفن الذي لا يصدر
مثله عن صاح! انظروا رحمكم الله ما معنى هذه الحاشية؟ وأي مناسبة بينها وبين الحديث؟
قال في القاموس: (البهر. . . وانقطاع النفس من الإعياء. . .) إلى أن قال: (والأبهر الظهر وعرق فيه) ولا يخفى أن هذا هو المناسب للحديث.
وفي ص 499 أبيات في وصف السيف:
كأن على متنيه أمواج لجة
…
تفقأ في ضحضاحه وتطول
كأن صغار الذر كسرن فوقه
…
عيون جراد بينهن دحول
حسام غداة الروع ماض كأنه
…
من الله في قبض النفوس رسول
علق عليها قوله (ضحضاحه أي بقربه) فأي فائدة في هذا التفسير؟ مع شيوع كون معنى الضحضاح الماء الخفيف شبه به السيف.
ثم قال: (وقوله الدحول والداحول ما ينصبه صائد الظباء من الخشب) ولم استطع أن افهم المناسبة بين هذا التشبيه وبين آلة لصيد الظباء.
والذي ينبغي أن يقال أن في الكلمة تصحيفا وصوابها ذحول بالذال المعجمة جمع ذحل وهو الثأر يقال: بين القبيلتين ذحل قال الشاعر:
كل فج من البلاد كأني
…
طالب بعض أهله بذحول
وإن شئت حدثتك أيها القارئ بشيء أعجب ولا عجب بعد الاطلاع على ما سبق ذلك: أني انتهيت إلى الصفحة 512 فإذا فيها فصل هذا عنوانه: (ليلة منيح منبع بالشام). . . إلى أن قال (ولما دخل الرشيد منيحا. . .) فقلت ليت شعري ما هو (منيح) الذي دخله الرشيد ولم اسمع به مع شغفي بالتاريخ؟ وما هي الليلة التي نسبت اليه؟ ولولا عطفه على ذلك قوله (وهي بلدة البحتري) لما اهتديت إلى أن يعني بلدة (منبج)!!!
ومما يضحك الثكلى ما ورد في ص 543 (كان سليمان بن عبد الملك يقول: إن الفرس يصهل فتنق له الحجرة وإن الفحل يهدر فتضع له الناقة وإن التيس لينث فتستحرم له العنز وإن الرجل يغني فتشتاق له المرأة) فعلق عليها جناب المصحح قوله: (ينث يرشح)! والصحيح إنه بالباء التحتية المشددة مكان المثلثة أي (ينب) من نبيب التيس وعلى الباحث أن يفتش عن كلمة (تضع) لعلها (تضبع) أو غير ذلك. وتنق لا معنى لها هنا ولعلها تدق من ودق.
وفي الصفحة نفسها في فصل سقاية الحاج (. . . ونبيذ الزيت) والزيت لا نبيذ له! بل هو الزبيب قد حرف.
وفي ص 547 قال أعرابي لابنه: يا بني كن يدا لأصحابك على من قاتلهم ولكن إياك والسيف فإنه ظل الموت واتق الرمح فإنه رشا المنية وأحذر السهام فإنها رسل الهلاك).
علق على كلمة (رشا) قوله (رشا بكسر الراء وضمها جمع رشوة)! هذا والله شيء يكاد الناظر إليه يمزق ثيابه! ويحك! إنها (رشاء) بالمد بمعنى الحبل شبه به الرمح كما شبه عنترة الرماح باشطان البئر في قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها
…
اشطان بئر في لبان الأدهم
وفي ص 550 بيت:
لا رقة الخصر الرقيق غذتهم
…
وتباعدوا عن فطنة الأعراب
بالخاء المعجمة والصاد المهملة والصواب إهمال الأولى وإعجام الثانية.
وفي ص 559 بيتان:
وند ما له ند
…
تعاطيه من السنة
إذا ما دخل النار
…
حكى رائحة الجنة
علق عليه قوله (الند بكسر النون الطيب والند بفتحها النظير)!!!
هذا ما هيئ لي أن انبه عليه من تلك المخازي ومنه يعلم مبلغ ما منيت به لغتنا العزيزة التي هي دعامة هذه الأمة الضعيفة. فكم بين أظهرنا من حاملي شارة العلم والأدب لا يمتازون شيئا عن هذا المصحح يجوسون خلال معاهد الإفادة ويتسمون بسمات الأساتذة وهو لعمري أثر من آثار الفوضى التي دست اشاجعها في كل شأن من شؤوننا والله هو المجير.
محمود الملاح