المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 56 - بتاريخ: 01 - 02 - 1928 ‌ ‌الدرويش إلى القارئ: دونك - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٦

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 55

- ‌سنتنا السادسة

- ‌منارة جامع سوق الغزل

- ‌جامع سوق الغزل غير جامع الرصافة

- ‌ذكر جامع الخليفة

- ‌منطق المنطق

- ‌من هو الأولى بوضع الأسماء

- ‌استحالة الإحاطة بمناحي لغة واحدة

- ‌الخط الخصوصي

- ‌أوابد الشهود

- ‌محمد مهدي العلوي

- ‌مخطوط قديم في غريب الحديث

- ‌اليمن وتقدمها

- ‌غادة بابل

- ‌الشيخ علي سالم الصباح

- ‌فوائد لغوية

- ‌اعتراض

- ‌الختام

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌روضة خوان

- ‌الشفع

- ‌المونسون

- ‌الزنبرك أو الزنبورك

- ‌البياسرة

- ‌باب القريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 56

- ‌الدرويش

- ‌خزائن زنجان (في إيران)

- ‌نيرب ومكشوفاتها

- ‌تعريف الآلهة الواردة أسماؤها في نصبي نيرب

- ‌تأثير اللغات السامية في اللغات الإفرنجية الحديثة

- ‌خاتم الأمان

- ‌منديل الأمان

- ‌عبد الوهاب الجوادي الموصلي

- ‌نبذتان من تاريخ الموصل

- ‌في حفر المكشوف

- ‌الوأقة

- ‌كلمة في الشعر

- ‌ساعة في سدة الهندية

- ‌غادة بابل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 57

- ‌الكتابات الأثرية العباسية في فلسطين

- ‌البرغوث أو أبو أربعة

- ‌نماذج تراجم من الدرر الكامنة

- ‌أوابد الشهور

- ‌جامع الخلفاء

- ‌دفين جامع الأصفية

- ‌المريق

- ‌الكتب الخطية

- ‌فريتس كرنكو

- ‌أسرار اللغات واللهجات

- ‌الدرداقس

- ‌البصرة

- ‌تصريف اللفيف المقرون في لغة عوام العراق

- ‌غادة بابل

- ‌أصل السدلى

- ‌فوائد لغوية

- ‌أصل كلمة التصوف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌المخطوط القديم في الحديث

- ‌الشعر والشاعر

- ‌كلمة في الكتابات الأثرية العباسية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌أبو العبر

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 58

- ‌بي بروا

- ‌رثاء الدكتور صروف

- ‌العقل وأصل اشتقاقه

- ‌افتقار اللغات قاطبة إلى الاستعانة بالإشارات

- ‌واللهجات

- ‌بلد الزبير

- ‌الحويزة

- ‌من كنوز العرب

- ‌آثار في ضياء أباد إيران

- ‌قاتل أخيه

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريط

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 59

- ‌تآخي العربية واللغات الغربية

- ‌العيافة عند عوام العراق

- ‌شم النسيم

- ‌الشيخ حسن بك

- ‌نكت وغرائب لغوية

- ‌ضبط الأبنوس

- ‌المدرسة المستنصرية

- ‌لواء الديوانية

- ‌أوربية تحب عراقيا

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌كتاب الأصنام

- ‌الشوقيات

- ‌ديوان العقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 60

- ‌الأخطل

- ‌البرجاس

- ‌العلم والإحسان

- ‌الزق ومرادفاته

- ‌غازان بن أرغون

- ‌المدرسة المستنصرية

- ‌من أغلاط البستان

- ‌جمعية حماية الأطفال في العراق

- ‌البرسام في البستان

- ‌العيافة عند عوام العراق

- ‌اللغة الكردية

- ‌لواء الديوانية

- ‌الأغاني الفراتية

- ‌فوائد لغوية

- ‌بابا المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 61

- ‌نظرة إجمالية في أعمال شركة النفط التركية

- ‌الشاي

- ‌الشعر الجاهلي

- ‌خطر الجراد في العراق

- ‌بعض صفحات من كتاب الفهرست

- ‌من تقويم ومواسم عشائر بطائح الغراف

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌الحقيقة

- ‌الكزنخية

- ‌الرباعي المجرد في لغة عوام العراق

- ‌النمر البشري

- ‌البلشة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 62

- ‌الأب جوزيف بوشان

- ‌الجعل

- ‌الشك في الشعر الجاهلي

- ‌الدوشنة

- ‌أبو عبد الله الزنجاني

- ‌لواء الحلة

- ‌السلطان مراد الرابع في بغداد

- ‌الكتابات الأثرية العباسية في فلسطين

- ‌المنجد وما فيه من الأوهام

- ‌محراب جامع الخاصكي

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌تأثير الأخطل على حياة الأمويين

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 63

- ‌ذو الكفل ومدفنه

- ‌ترجمة ابن الفوطي

- ‌مفتاح القلوب

- ‌كتاب الجدول الصفي

- ‌أين السميع نصيحة

- ‌قرى لواء الحلة

- ‌خراسان وخزانتها

- ‌صفحة من النقد

- ‌جناية الرواة على الشعر

- ‌اللغة الكردية

- ‌اسم الفاعل في لغة عوام أهل العراق

- ‌أحمد لطفي السيد

- ‌فوائد لغوية

- ‌المدرس اللغوي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 64

- ‌سامرا في التاريخ

- ‌الشيخ فخر الدين الطريحي

- ‌خراسان وخزانتها

- ‌البحرين والزبارة

- ‌لواء بغداد

- ‌قبر الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة

- ‌الفردية الأدبية

- ‌كتاب ثمار القلوب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌الشفق الباكي

الفصل: ‌ ‌العدد 56 - بتاريخ: 01 - 02 - 1928 ‌ ‌الدرويش إلى القارئ: دونك

‌العدد 56

- بتاريخ: 01 - 02 - 1928

‌الدرويش

إلى القارئ:

دونك مقالا طريا طريفا لم تطالع نظيره في الصحف أو المجلات، وبالأخص لان المستشرقين الذين عالجوا هذا الموضوع لم يقفوا على كل ما فيه من دفائن الأسرار، فجاء كاتبنا أحمد حامد أفندي الصراف ووفى البحث حقه، فنوجه الأنظار إليه.

(ل. ع)

توطئة

ولدت في مدينة كربلاء؛ وكربلاء مدينة يحترمها المسلمون كافة، ويشدون الرحال إليها لزيارة الشهداء الكرام من بني هاشم الذين قتلوا في معمعة كربلاء في القرن الأول من الهجرة. وفي هذه المدينة الحزينة الباكية أناس من كل فج عميق إذ ترى فيها الفارسي والهندي، والأفغاني والتركماني، والاحسائي والبحراني، وغيرهم من المسلمين الذين يؤمونها حبا بمجاورة المزارات المقدسة، وهي كسائر المدن التي فيها مزارات الأئمة العظام كالنجف والكاظمين وسامراء، لا ينقطع منها النواح والبكاء، ولا تكفكف فيها الدموع كما لا تخلو من التعازي والمآتم

ص: 81

ومع ما في بساتينها الزاهية المحيطة بها من دواعي الأنس والسرور، وفي شوارعها الطويلة العريضة المستقيمة بواعث الانشراح والرفاهية، ترى فيها الألم سائدا، والحزن مبثوثا في أفئدة سكانها، والبؤس متمثلا في ليلها وضحاها.

في مسقط رأسي هذا شاهدت (الدرويش) لأول مرة إذ في كربلاء عدد عظيم منهم وقد لا تخلو أبدا من درويش يرن صوته رنين الجرس عند انبلاج الفجر أو عند جنوح العصر أو عند حلول الغيب، في الصحن الشريف أو في الأسواق أو في الأزقة - يرن صوته مادحا أو راثيا أو باكيا أو متباكيا ومن ثم داعيا للناس بالخير ومستجديا.

اعتقاد الناس في (الدرويش) اعتقاد حسن ومنهم من يعتقد فيه الخير والصلاح والزهد والعفاف، حتى الكرامات. والنسوة يتفاءلن برؤيته ويتهافتن على الإحسان إليه ويفرحن بدعائه وكلماته وينفحنه مبلغا من المال ليكتب (تمائم وحروزا وأدعية) لبنيهن وبناتهن. والعاقرات منهن يفزعن إليه ليدبر لهن وسيلة للحبل، وغير المتزوجات يهرولن إليه ليخط

لهن دعاء يسرع زواجهن ومنهن من تحمل ابنها الوجع أو ابنتها المريضة ليمر الدرويش يده على رأسه أو رأسها. والخرافيات الجاهلات منهن يعتقدون أن الجن طوع إرادته، ورهين إشارته إلى غير ذلك من الاعتقادات العجيبة المضحكة.

وقد عن لي عام 1918 أن أعجم عود هؤلاء الدراويش واطلع على معتقداتهم وآرائهم وإن أتفهم (نفسياتهم) واعلم سبب تفضيلهم حياة التسول والاستجداء على العمل والجد فاتصلت بكثيرين وخالطتهم طويلا فعزفت أسرارهم ورموزهم وألقابهم وشاهدت فيهم الفاضل المهذب والعفيف الورع، وشاهدت فيهم الجاهل المغفل والخبيث السفيه. كما فيهم المعتقد بتقمص الأرواح، والمؤمن بالحلول والقائل بالتناسخ، بل فيهم الملحد المتظاهر بالدين كذبا، كما فيهم المعتقد بألوهية علي بن أبي طالب (ع)، ومنهم من يعتقد بنبوته وخيانة (جبريل) لرسالته لأنه بلغ الرسول بالنبوة والرسالة بدلا من علي بن أبي طالب. وقد دونت حياة عشرة دراويش وهي ملأى بالحوادث والوقائع والاعتقادات الغريبة العجيبة.

والذي اكتبه الآن هو نتيجة تحقيقي وثمرة بحثي الطويل وهو غير مستند

ص: 82

إلى كتب وأسفار، بل استقيته من الدراويش مباشرة وأخذته من أفواههم فالدرويش هذا - ولا ريب عندي - هو من صعاليك فلول المتصوفة.

واقصد بفلول المتصوفة أصحاب تلك الطرائق التي أخذت التعاليم والآداب من السنة والشيعة والإسماعيلية والباطنية والحلولية كالبكتاشية والمولوية والقزلباشية والعلوية والعلي اللاهية. والسبب الذي دعاني إلى أن أعتقد بهذا الشيء هو إنني وجدت عند درسي الدراويش وتدويني تراجم أحوالهم أن بعضهم يعتقد بالحلول وتقمص الأجسام والتناسخ كما أسلفته.

الدرويش

الدرويش كلمة فارسية معناها (المتسول) وهو ذلك الشخص الذي نراه أحيانا في الأسواق والشوارع منشدا شعرا بالفارسية غالبا أو العربية أحيانا في مدح آل البيت ولهذا ولأمثاله أي للدرويش المتسولين - تكية خاصة بهم يلجئون إليها في كل مساء ليتناولوا فيها طعامهم ويتحادثوا في شؤونهم برئاسة (البير) أي (الشيخ أو الرئيس) وهذا البير هو الذي يدير شؤون التكية ويعلم المريدين أو المنتسبين إلى الطريقة كيفية الاستجداء والتسول. ولبعضهم

نفوذ عظيم وكلمة مسموعة فيخضع لأمره الدراويش جميعهم ولا يترددون في تسليمه جميع ما حصلوا عليه في يومهم وهو الذي يقسم بينهم الدراهم بالسوية ويهيئ لهم الطعام.

وهؤلاء الدراويش لا يربط بعضهم ببعض رابطة فكرية أو فلسفية ولا يجتمعون على مبدأ واحد بل رابطتهم الوحيدة هي التسول والاستجداء وليس هناك شئ من الرسوم أو العوائد التي يجب أن يراعيها من يريد أن يتدروش (أي يكون درويشا) ويكفي لمن يريد أن ينظم في هذا السلك أن يكون ذا صوت شجي رخيم ويحفظ كثيرا من الشعر الفارسي في مدح آل البيت وشجاعة عند الاستجداء مع قلة حياء.

وهم متفرقون في الأقطار والمدن التي فيها مزارات مقدسة وهم اصبر خلق الله على احتمال المصائب والرزايا فلا يبالون بلفحات الحر ولا بلسعات الشمس المحرقة ولا بصولات برد الشتاء كما لا يستقرون في بلد ولا يسكنون في مدينة، كأنهم مأمورون على ذرع فضاء الله.

ص: 83

وليس لهم أي صنعة أو حرفة سوى الاستجداء والتعيش من الحسنات والصدقات التي يجود بها الناس عليهم وبينهم من يرون مهازيل نحفاء قد انتابت جسومهم الأوجاع والأمراض وعلى وجوههم سيماء الكآبة بل يقطر منها البؤس ويتمثل فيها الشقاء. شعث غبر قد تعود أكثرهم الرذيلة فلا تجد عندهم وفاء ولا ذمة ولا فضيلة ولا أيمانا صحيحا.

انك ترى أكثرهم لا يترددون في ارتكاب النكرات والموبقات والكبائر. يشربون الخمرة ويرتكبون الكذب ويستعملون الحشيشة ويشربون الأفيون وقد تجد بعضهم احسن حالا واقل شقاء فتراهم نظيفي الثياب حسني الأخلاق كثيري الفضائل ودعاء مسالمين.

ولبعضهم وسائل شيطانية في إغواء الشباب لهتك أعراضهم وتمزيق آدابهم فلقد يتحيلون مدعين بمعرفة (الكيمياء) - وهي في عرف العوام - أيجاد الذهب فيقربون من الفتية المرد بهذه الأحلام والخيالات ويصورون لهم القناطير المقنطرة من الإبريز الذي يحظون به تعلم الكيمياء حتى إذا وفق أحدهم لاصطياد فتى فر به إلى أرض نائية بعيدة عن وطنه وافسد أخلاقه فتكون الصلة بينه وبين الفتى الأمرد عين الصلة التي كانت بين والبة بن الحباب وبين تلميذه أبي نواس يوم كان غضا يافعا.

لباسهم

للدرويش لباس خاص وبزة غريبة هي أعجوبة من العجائب ومنظر فظيع يستوقف الناظر إليه فيدهشه، فيخيل إلى الرائي إذا نظر إلى الدرويش أنه يرى مخلوقا اقرب إلى الوحش منه إلى الإنسان. يتقوم لباس الدرويش (1) من قلنسوة طويلة من اللبد الأبيض ضاربة إلى صفرة موحشه بآيات قرآنية ومطرزة بأبيات فارسية تتوسطها طرة كتب فيها (بندة علي) أي (مملوك علي بن أبي طالب) وتحت هذه القلنسوة شعر طويل مسترسل كالجدائل على كتفيه فوجه أشعت اغبر قد التصقت في أسفله لحية نتنة هي أشبه شئ بالمخلاة (2) من ثوب خلق فوقه جلد طويل من جلود النمور أو الخراف (3) من جراب فيه أنواع

ص: 84

من الحاجيات الصغيرة كالإبرة والخيط والمقص (4) من صرة فيها أنواع الحشيش والأفيون (5) من قدوم ذات حدين منقوشة عليها أبيات فارسية وكلمات مأثورة لأكابر المرشدين منهم

(صورة) صورة درويش بلباسه

(6)

من هراوة ذات تعاريج وعقد (7) من كشكول اسود يرفعه بيده اليسرى (8) من سلسلة من النحاس (9) من قرن طويل من قرون الجاموس أو الثيران ينفخ فيه كالبوق مع رفاقه وأخدانه أثناء الاجتماعات ولا سيما

ص: 85

حينما يجتمعون للعزاء والمأتم (10) من حبل طويل قد علقت فيه التمائم والأدعية وأنواع الخرز والحجارة والودع والدهاش وبالجملة تكون هيئته هيئة غريبة شنيعة قل هي هيئة العفاريت والأبالسة ليس إلا.

ألقابهم. درجاتهم. رموزهم

وللدراويش ألقاب وكنى ما عدا أسماءهم الأصلية ولكل درويش اسم عادي كقاسم ومحمد وتقي وغير ذلك. واسم آخر هو اسم الدروشة مثل (بندة علي) أي مملوك علي مع لقب خاص جميل لطيف الواقع على السمع مثل (كل) أي ورد و (بهار) أي ربيع و (آزاد) أي حر و (نور خدا) أي نور الله و (خدا داد) أي عطاء الله و (بي بروا) أي غير مبال و (خردمند) أي العاقل و (كل دسته) أي حزمة ورد أو باقة زهر.

أما مراتبهم ودرجاتهم فسبع وهي:

1 -

المنتسب ويكون عادة غلاما يافعا يصحب أحد الدراويش ليلقنه الأسرار ويعلمه الرموز ويدربه على تلاوة الشعر بالهرج والغناء ويشجعه على الاستجداء

2 -

المريد ويكون مساعدا للدرويش ويتلو معه الشعر ويدعو بالخير لمن يجود بشيء على الدرويش.

3 -

الدرويش وهو الذي مهر في الشحاذة وتفنن في الاستجداء وحفظ من الشعر كثيرا وتمكن بذلاقة لسانه من أن يؤثر في سامعيه فيحصل منهم على بغيته.

4 -

المرشد وهو شيخ التكية وكبير الدراويش في يده العقد والحل وهو الذي يقسم الدراهم على الدراويش ويهيئ لهم الطعام.

5 -

القلندر وهو كالدرويش إلا أنه أعظم مقاما من المرشد ومحرر من قيود التكاليف والرسوم بعيد عن الأماني والآمال في الحياة منزه عن ظواهر العبادة الاسمية طالب جمال الحق وجلاله، واصل إلى الفيوضات السنية من لدن الأحد المطلق ولا يركن إلى الكون وأهله المغرورين. والخلاصة هو ذاك الذي يطلب الكمال ويخرب العادات في التجريد والتفريد ويتوخى في العبادات القصد وصدق الأعمال.

ص: 86

6 -

الرند (بكسر الراء) وهو من كان في أسمى درجة من الدراويش لا يبعد عن القلندر إلا بعدم المبالاة والاهتمام بالعرف والعادات وكثيرا ما تكون سيرته وأعماله هدفا للنقد وأما قلبه فطاهر صاف كالمرآة المصقولة وظاهره مشكوك فيه جالب للوم.

7 -

البير (بباء مثلثة فارسية) هو (كالقطب) عند الصوفية والبير ليس من الدراويش ولا من الذين يتنزلون إلى الاستجداء إذ قد يكون من ذوي المال والجاه إلا أن الدراويش يتبركون به ويعتقدون فيه الكرمات ويرون فيه كشاف الأسرار فينشدون الرحال إليه ويقصدونه لمجرد تقبيل يده والنظر إليه، والبير نادر جدا وقد لا يظهر واحد خلال قرن والدراويش يسمونه (ستارة حكمت) أي (نجم الحكمة)

أن هذه المراتب والدرجات أسلفنا ذكرها لا تنال بالاقتراع والانتخاب بل يحصل عليها من يرزق قلبا ذكيا، وعقلا ثاقبا وحافظة واعية وبراعة في الشحاذة وصوتا رخيما فيرتقي حينئذ إلى المرشد أو القلندر في أيام معدودات.

أسرارهم وإشاراتهم

الحشيشة: ويسمونها (الأسرار) والدراويش جميعهم يعرفون بها ولعون باستعمالها ولعاً عظيما اللهم إلا النزر القليل منهم والحشيشة هي التي أفسدت أخلاقهم وأنحلتهم وولدت في

نفسهم الجبن وفي الوجه الاصفرار وفي الفم النتانة وفي الحواس الضعف لان فيها خاصية التحذير والسكر. والإكثار منها يخرج شاربها إلى حد الرعونة بل إلى الجنون ومن ثم يأتي الموت باكرا ولهذا ذهب ألوف من الناس ضحايا للحشيشة.

والحشيشة اسم أطلق على ورق القنب الهندي كما اخبرني بذلك مؤيد الأطباء وهي ارهف سلاح بيد الدرويش لهتك آداب الفتيان وإغوائهم بالشر وقد دون المقربزي تاريخ أول ظهور الحشيشة واستعمالها وذكر أنها تسمى بحشيشة الفقراء وسبب ذلك أنه كان شيخ للفقراء اسمه (حيدر) كثير الرياضة

ص: 87

والمجاهدة قليل تناول الغذاء وكان قد نشأ بخراسان واتخذ زاوية في أحد جبالها ومعه جم غفير الفقراء، فمكث هناك أكثر من عشر سنين لا يخرج ولا يدخل عليه إلا رجل خاصا بخدمته فخرج وحده في يوم شديد الحر ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وحبور بخلاف ما عليه قبلا فأذن لرفقائه بالدخول عليه وجعل يكلمهم فسألوه عن الحال الذي صار إليه فقال بينما أنا في خلوتي إذ خطر لي الخروج إلى خارج المدينة منفردا فلما خرجت وجدت كل النبات ساكنا لا يتحرك لسكون الريح ولفت نظري نبات له ورق فرأيته يميس بلطف ويتحرك تحرك السكران الثمل فجعلت اقطف منه أوراقا وآكلها فحدث لي من الارتياح ما ترون فيها بنا إلى البرية لأطلعكم عليه فتعرفوه. فخرجوا وراءه فلما رأوا قالوا له: هذا هو القنب فتهافتوا على أوراقه فأكلوا منها فسروا وطربوا فأمرهم الشيخ كتم هذا السر إلا عن الفقراء قائلا لهم: أن الله خصكم بهذا السر ليذهب عنكم همومكم الكثيفة ثم حثهم على زرع هذا النبات حوله ضريحه بعد وفاته وبقي يأكل منه بقية حياته ثم توفي سنة 618هـ وبني على ضريحه قبة فاتته النذور الوافرة من أهل خراسان وعظموا قدره واحترموا أصحابه وكان قد أوصى أصحابه أن يوقفوا ظرفاء أهل خراسان وكبراءهم على هذا العقار، فأطلعوهم على سره واستعملوه وشاع أمر الحشيشة في بلاد خراسان وفارس ولم يكن أهل العراق يعرفونه حتى جاءهم صاحب هرمز ومحمد بن صاحب البحرين وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في أيام الملك المستنصر بالله وذلك سنة 628هـ فحملها أصحابها معهم فاظهروا للناس أكلها فاشتهرت بالعراق ووصل خبرها إلى الشام ومصر وبلاد الروم فاستعملوها وفي نسبتها إلى الشيخ حيدر يقول الأديب محمد بن علي بن الأعمى الدمشقي:

دع الخمر واشرب من مدامة حيدر

معنبرة خضراء مثل الزبرجد. . .

ولا نص في تحريهما عند مالك

ولا حد عند الشافعي واحمد

ولا اثبت النعمان تنجيس عينها

فخذها بحد المشرقي المهند

ص: 88

وقال بعضهم لم يأكل الشيخ حيدر الحشيشة طول عمره وإنما أهل خراسان نسبوها إليه لاشتهار أصحابه بها، وإن إظهارها كان قبل وجوده بزمان طويل وذلك أنه كان بالهند شيخ يسمى (بير رطن) وهو أول من ظهر لأهل الهند كلها ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك ثم شاع أمرها في بلاد الهند حتى ذاع خبرها ببلاد اليمن: ثم اتصل خبرها بأهل فارس ومنها إلى العراق والروم والشام ومصر قال: وكان بير رطن في زمان ألاكاسرة وأدرك الإسلام فاسلم فاخذ الناس من ذلك الوقت يستعملونها وقد نسب إظهارها إلى الهند علي بن الشاعر بقوله من قصيدة:

فقم فانف جيش الهم واكفف يدالعنا

بهندية أمضى من البيض والسمر. . .

بهندية في أصل إظهار أكلها

إلى الناس لا هندية اللون كالسمر

تزيل لهيب الهم عنا بأكلها

وتهدي لنا الأفراح بالسر والجهر

قال: وأنا أقول أنه قديم معروف منذ أوجد الله تعالى الدنيا وقد كان على عهد اليونانيين والدليل على ذلك ما نقله الأطباء في كتبهم عن بقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه ومنافعه ومضاره.

وأنا أرى الحشيشة استعملت قبل الشخصية حيدر؛ استعملها (الحسن بن الصباح) وجعلها ستارا وسرا لطائفته الجهنمية المسماة (بالباطنية) وبها سموا (حشاشين)

والدراويش يستعملون الحشيشة في مجتمعاتهم سرا خوف الناس وقد سألت أحد الدراويش عن سبب استعماله الحشيشة مع أن فيها مادة مسكرة والمسكر حرام شرعا فقال: أنه يستعملها لأنها تزيل الهموم الرابضة في الصدر وإنها ليست حراما لان الله نص على تحريم الخمر في كتابه أما الحشيشة فحلال لأنه لم يأت نص يوجب تحريمها.

اجتماعاتهم

لا يجتمع الدراويش لذكر أو تلاوة دعاء أو ورد أو غير ذلك إلا في العشرة الأولى من المحرم فيعقدون مجالس خلال تلك الأيام للعزاء بعد أن يكونوا قد نصبوا خيمة كبيرة

واسعة في صحن المزارات المقدسة وهم يعلقون على الجدران المظللة بالخيمة فدائم وهراوات وطاسات وكشاكيل ويوقدون الشموع في كل ليلة من الليالي العشر الأولى من المحرم ويقرءون المآتم. وفي اليوم العاشر

ص: 89

يخرجون جماعة واحدة وقد نشروا شعورهم على أكتافهم وحملوا كشاكيلهم وأبواقهم وهم ينشدون نشيدا واحدا لا يتغير وهو (نادوا عليا عليا يا علي) وبين آونة وأخرى يخرج أحدهم قرنا ينفخ فيه فيتبعه الباقون فينفخون في القرون فتفزع النساء ويهرب الصبية.

أصول الاستجداء

وللدراويش أسلوب خاص بالاستجداء يتفننون فيه تفننا عجيبا ولهم طرق كثيرة منها: أن الدراويش يقف في الأسواق المحتشدة بالناس شعرا في مدح النبي وآله يمد يده إلى الناس ولا يطلب شيئا فيتصدق عليه المارون بدرهم أو فلس يرمونه في كشكوله فيدعو لهم بصوت خافت. ولأجل أن يلفت أنظار الجمهور إليه يصرخ بأعلى صوته (دوست علي مولا جان) أو (أمير المؤمنين أسد الله جانم).

ومنهم من ينشر شعره الطويل على كتفيه ويمشي في الأسواق منشدا شعر ويقدم خلال إنشاده له ريحانا إلى أصحاب الحوانيت فيرمون له في (كشكوله) بما يجودون به عليه. والذين لا يريدون أن يتصدقوا عليه يقولون له: (سبزشود) أي فليكن أخضر أو (بنجشيد) أي اعذرنا والكلمة (سبزشود) رمز خاص إلى الدرويش وهي هديته وهذه مأخوذة من بيت يحفظه كل درويش وهو:

بلك سبزي آست تحفة درويش

جه كند بي نوا هين دارد

ومعناه: الورق الأخضر نحفة الدرويش ماذا يفعل المسكين. هذا كل ما عنده وإذا قال أحدهما للدرويش (خدا بدهد)(أي يعطيك الله) يتألم كثيرا لأنه يعتقد أن ليس لأحد شئ يملكه في الحياة والأموال مشاعة بين الناس وانه لا يطلب غير حقه.

ومنهم من لا يستظهر على قلبه شعرا فيقتصر على ترديد ألفاظ مثل: (يا أحد، ويا صمد، ويا قدير).

ومثل (بلغ العلى بكماله، كشف الدجى بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله).

ص: 90

أو (أكر خسته جاني بكو يا علي واكرنا تواني بكو يا علي مترس وملرز بكو يا علي) أي

(إذا كنت مريضا قل يا علي، وإن كنت ضعيفا قل يا علي، لا تخف ولا ترجف وقل يا علي).

وبينهم من يحمل بيده افعوانا مقلوع الناب أو لا ناب له أو يلف على معصمه حية طويلة رقطاء يكحل بذنبها عيون الناس بدرهم أو أكثر يوهمهم أن التكحيل بذنب الحيات يحفظ المكحول به من العمى.

ومن طريقهم أن يقف اثنان في الصحن فيخطران جيئة وذهابا متبادلين إنشاد الأشعار والمكان فإذا انتهيا من إنشادهما واجتمع الناس حولهما وحل وقت الاستجداء قال أحدهم للأخر:

أي مرشد:

أجابه الأخر: بلى قربان أي أنا فداؤك وهو اصطلاح خاص بالفرس.

ثم يسأله: هركه جراغ أول را ميدهد جه شود؟

أي ماذا يكون من يعطي (الجراغ) الأول؟ والجراغ معناه (النور) ويريدون بالنور الدراهم وهو اصطلاح خاص بالدراويش.

فيجيبه: خداي عز وجل عمر اورا دراز كند واورا از مصائب وستم فلك دور كند) أي يطيل الله عز وجل عمره ويجعله بعيدا عن المصائب ومظالم الفلك.

وخلال هذه المحاورة يتصدق الناس عليهم.

تحيتهم

التحية الشائعة على أفواه المسلمين هي كلمة (السلام عليكم) أما الدراويش فلا يستعملونها إلا نادرا ويستعملون في مكانها قولهم: (مدد يا علي)

هذا ما وقفنا عليه بنفسنا من غير أن نقيس شيئا من أي كتاب كان.

أحمد حامد الصراف

(تذكير) إذا وقفت على هذا المقال، راجع ما جاء في معلمة الإسلام بعنوان (درويش) تر فرقا عظيما بين الوصفين؛ ثم حاكم نفسك وقل: من ترى أجاد في ما أورد وفصل؟ أن الصراف صرف القارئ عن كل مقال سواه.

ص: 91