الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأن الحرب التي قامت ليست يوم خصومة. والظاهر إنه قصد بيوم الخصومة والشكاية يوم الحساب وهو قصد بعيد.
وما شعر شوقي بالإجمال إلا تقليد للقدماء، وكثيرا ما يستخرج المعنى من القافية فيكون تافها ليس عليه مسحة عصرية.
وربما عدنا إلى نقد بعض قصائده غير هذه
ديوان العقاد
- 2 -
ومما أجاد فيه الأستاذ قوله ص 36:
ليس بين الجنون والعقل إلا
…
خطوتا سائر فحاذر وأمسك
أول الخطوتين نسيانك الن
…
اس وإما الأخرى فنسيان نفسك
وكان الأحسن - لو ساعده الوزن - أن يقول (أولى الخطوتين) كما قال (والأخرى).
وإما قصيدته (الحب الأول) ص 37، فحدث عما فيها من الركاكة والتفاهة والإغلاق ولا حرج إلا أبياتا قليلة أحسن صياغتها وضمنها معاني تجذب الأنظار. قال:
يهنيك يا زهر أطيار وأفنان
…
الطير ينشد والأفنان عيدان
عرفنا أن الطير ينشد ولكن من الذي يضرب على العيدان؟
وقال:
طوباك لسن بإنسان فتشبهني
…
إني ظمئت وأنت اليوم ريان
رأى الأستاذ نفسه ظمئان، ورأى الزهر الذي يخاطبه ربان فقال:
(طوباك لسن بإنسان) وما كل إنسان بظمآن، ولا كل زهر بريان ليفضل الزهر على الإنسان. قال:
هذا الربيع تجلى في مواكبه
…
وهكذا الدهر آن بعدها آن
المعروف من المعجمات أن الآن أسم للوقت الذي فيه الإنسان، أو الوقت المتوسط بين الماضي والمستقبل، وهو لا يكون إلا قصيرا فما إطلاقه على الربيع موافق لما وضع له، نعم يجوز أن نقول إذا تفلسفنا: أن الدهر مركب من الأنات، ولكن الربيع ليس أحد هذه الانات، بل هو قسم كبير منها، على أن
الآن لم يجئ بغير اللام. وقال: (تفتحت عنه أكمام السماء رضى) وما ابغض كلمة (رضى) هنا.
وقال (والروض بالأثمار قينان) وقد شرح (قينان) بقوله (مثمر)(؟ كذا) والقينان في اللغة هو موضع القيد من ذوات الأربع. ولعل الصواب (فينان) وقينان خطأ مطبعي. ولكن فينان كذلك ليس بمعنى مثمر بل هو حسن الشعر الطويلة. وقال:
في كل روض ترى للزهر يعمرها
…
يا حبذا هي أبيات وسكان
وكنت انتظر أن يطري الروض لكونه منابت للزهر لا لكونه قرى وسكانا وقال:
مستأنسات سرى ما بينها عبق
…
كما تراسل بالأشواق حبان
و (حبان) جمع حب بمعنى المحبوب وهو عدا إنه من الكلمات المهجورة يلتبس بالمثنى فلا يحسن استعماله. وقال ص 38:
والليل يحييه والأطيار هاجعة
…
بلابل وشحارير وكروان
أن كانت البلابل والشحارير والكروان تحيي الليل فالأطيار غير هاجعة ومما يؤكد أن الأطيار غير هاجعة قوله بعده (مؤذن الطير يدعو فيه محتسب) زد على ذلك أن الشحارير والكروان لا تغني ليلا، حاشى البلابل إذا أريد بها العنادل، فإنها تغني ليلا، وقال:
والصبح في حلل الأنوار طرزه
…
في الشرق والغرب أسحار واصلان
افهم أن السحر يطرز الصبح ولكني لا افهم كيف يطرزه الأصيل، وقال:
كأنما الأرض في الفردوس سابحة
…
يحدو خطاها من الأملاك ربان
والسابح لا يمشي على قدميه لتكون له خطى. وقال:
نفاه عن عرس الدنيا شواغله
…
أن الحداد من الأعراس شغلان
وقد راجعت المعجمات بأسرها فلم أعثر على (شغلان) مصدرا أو صفة مشبهة فهي من لغة عوام مصر لا غير وقال:
تنصاح طرته عن صبح غرته
…
فيفضح الصبح وجه منه ضحيان
والضحيان المضيء وفي البيت مبالغة. وقال ص 39.
وا ضيعة الحب أبديه وأكتمه
…
ومن عنيت به عن ذاك غفلان
يلام من يعنى به الشاعر إذا غفل عن حبه الذي يبديه ولكنه يعذر إذا غفل عما يكتمه منه، وقال:
هبها جناية جان أنت آثمها
…
ما كان يعصم لا أنس ولا جان
آثر الأستاذ الجناس بين جان وجان على الشعور فجاء بيته هذا غثا باردا وقال:
أن الجسوم مثناة جوارحها
…
إلا القلوب فصيغت وهي احدان
والقلب وحده ليس بمنفرد في الجسم فاللسان والكبد والطحال والفم كل منها أيضاً منفرد. وقال ص 41 (من لي بمهدك ترعاني لواحظ) وكان عليه أن يقول: (من لي بعينك) فإن المهد ليس له لواحظ وقال:
أبيت أزجي إليه كل ضاحكة
…
من الأماني يوحيهن فتان
والصواب يوحي بهن. وقال (في زبرج بالحياء الغض يزدان) والزبرج كما شرحه هو الزينة فكأنه يقول زينة تزدان. وقال:
وبات للقلب في جنح الظلام إلى
…
دبيب أحلامه صغو وأرغان
الارغان هو الإنصات وهو كلمة مهجورة فما أشد وحشية الارغان وما ابرد البيت! وقال (وطرفه الأكحل الوسنان وسنان) وفسر الماء بعد الجهد بالماء. وقال:
أي الفريقين أحمى لهفة ووجى
…
من ذاق أو لم يذق فالكل لهفان
والصواب أن يقول (أو من لم يذق) عطفا على (من) السابقة لكنه عطف (لم يذق) على (ذاق) فذكر أحد المفاضل بينهما وسكت عن الآخر وهذا قبيح. وقال:
يا ليلة حطمت أنوال حائكها
…
فلا يحاك لها في الدهر ثنيان
والثنيان من هو دون السيد مرتبة وهو خاص بالإنسان وقد هجره الكتاب والشعراء منذ صدر الإسلام. وقال:
أصبحت والله لا أدري لبهجتها
…
أليلة سلفت أم تلك أزمان
والمعروف - كما أثبته العلم - أن الإنسان يحس بأوقات السرور قصيرة أليس هو القائل في موضع آخر:
حسنات الزمان تمضي سراعا
…
والرزايا ثلج في الإبطاء
وقال ص 42 (وفيها عنه رجحان) والرجحان لا يتعدى بمن. وقال:
حتى تصوم جنح الليل وانبثقت
…
من كل مطلع للصبح عمدان
ظن الأستاذ أن العمدان جمع عمود فأورده بمناسبة الصبح والعمود لا يجمع إلا على أعمدة وعمد (بفتحتين) وعمد (بضمتين وبضمة واحدة) أما العمدان فهو رسيل العسكر ولا يجوز أن يريد هذا المعنى فإنه مذكر وقد أنث الفعل (انبثقت). نعم أننا لا ننكر أن (العمدان) جمع عمود في لغة عوام مصر فقط لكن الأستاذ يترفع عن اتخاذ العامية مركبا لكلامه الفصيح. وقال:
أنفى لرين النهى من كل ما نقشت
…
على الصحائف أعراب ويونان
أراد (عرب) فلم يساعده الوزن فقال (أعراب) والأعراب سكان البادية وهم ليسوا من ذوي
النقوش على الصحائف.
وقال:
تهتز بين طوايا النفس نبرتها
…
كما يموج لضوء الشمس خيطان
الخيطان جمع خيط لجماعة النعام والجراد وإما الخيط بمعنى السالك - وهو مراده - فجمعه أخياط وخيوط وخيوكة. أما خيطان فهي من العامية المصرية فماذا ادخلها في اللغة الفصحى؟ وقال: (ذر الدساتين) وشرح الدساتين فقال جمع دستان بمعنى الوتر ولم اقف عليه في المعاجم. وقال:
ولا تعلم وزن القول شاعرهم
…
إلا وكان له بالنبض ميزان
والواو في (وكان) زائدة تفسد المعنى. وقال ص 43.
كأن من صور اسرافيل دعوته
…
لو يسمع الصور يوم البعث صفوان
أراد إنه أقدر من صور اسرافيل على البعث ولكن اللفظ قصر عنه ثم تأتي أبيات ثلاثة هي أحسن ما في القصيدة:
والشعر السنة تفضي الحياة بها
…
إلى الحياة بما يطويه كتمان
لولا القريض لكانت وهي فاتنة
…
خرساء ليس لها بالقول تبيان
ما دام في الكون ركن للحياة يرى
…
ففي صحائفه للشعر ديوان
وقال ص 44:
كأنني تاجر في الشط مرتقب
…
موج الخضم وفلكي فيه غرقان
ولم يجيء الغرقان، بل جاء الغرق والغريق والغارق ولعله أخذه من العامية وقال:
يا أملح الناس هلا كنت أكبرهم
…
روحا فيتفقا روح وجثمان
وقوله (فنيتفقا روح وجثمان) على لغة (أكلوني البراغيث) وقال ص 45:
أن أصبح القرد في خلق يماثله
…
ففي خلائقه لا شك برهان
أراد بهذا البيت أن يؤيد ما ادعاه قبل بيت من أن الإنسان ليس من قرد بل من ثعبان (؟!) ولكن اللفظ قصر عما أراده. وقال:
لا يجهل الخير أدراهم وأجهلهم
…
ففيم عالمهم بالشر كظان
ولم يجئ (كظان) بل الذي جاء هو كظ وكظيظ. وقال:
ما زال يحرمني دهري ويوهمني
…
حتى غدا وهو بالأوهام ضنان
فما أسخف المعنى ولم يجئ ضنان مبالغة في ضنين. وقال:
فعش كما شاءت الأقدار في دعة
…
لا يجرمنك بر الناس أو خانوا
فحذف فاعل (يجرمنك) وهو عمدة لا تحذف وقد جاء في القرآن (لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا). وقال:
من عاش في غفلة طاب البقاء له
…
وإن تولته بالأرزاء حدثان
والحدثان مذكر فلا يجوز تأنيث الفعل له (تولته) إلا من باب التأويل. وقال ص 46:
بلى ولا تلق منها إذ تقلدها
…
فريدة نبذها للموت خسران
والظاهر أن (تقلدها) مضارع قد حذفت إحدى تاءيه فحينئذ لا مسوغ لتصد بره ب (إذ) لأن هذه مختصة بالماضي. وإن كان (تقلدها) ماضيا فإنها من غير فاعل.
وقال:
يا واهب الليل بدرا هب لمشبهه
…
بدرا يضيء له والقلب غيمان
وكأن الأستاذ في هذا البيت قد سقط من السطح، فمن مشبه الليل الذي أخذ يدعو الله أن يهب له بنوا مثل بدر الليل ثم أي قلب هذا الهيمان؟ - أهو الأسود الذي دعا الله أن يهب له بدرا أم قلب الأستاذ نفسه؟ - هذا ما لا يظهر. وقال من قصيدة (صلاة عابد المال) ص 46:
سكنوا في الحياة تحت الحنايا
…
وسكنا مناطق الجوزاء
الحنايا جمع حنية وهي القدس، ولعله أراد بالحنايا أقواس البناء توسعا
ولكن هذه الأقواس ينام تحتها عابد المال أكثر من المملقين الذين لا يجدون للسكنى غير الأكواخ أو العراء ثم أن البيت فيه مبالغة ذميمة. وقال:
(أنت غلبتني على كل جبار) والمثرون هم الجبابرة اليوم فهل يريد غلبتني على كل غلاب؟ والحقيقة أن الله غلب المثري على الفقير لا على المثري الذي هو الجبار فإن هذا مثله غالب. وقال في ص 47:
أنت أعشيت بالبريق ضميري
…
فاستراحت من وخزة أعضائي
والظاهر أن الصواب (من وخزه) على أن يرجع الضمير إلى البريق. وليس العشو سببا
لاستراحة الأعضاء من الوخز، فقد لا يرى الإنسان الشيء وهو يخزه. وقال:
ولك الدهر كل صبح صلاتي
…
وابتهالي إليك كل مساء
يغني أحد الظرفين - الدهر وكل صبح - عن الآخر ولو قال عوض الشطر الأول: (لك مني الصلاة في كل صبح) لأحسن. وقال من قصيدة (كولمب في الاوقيانوس).
ضاربا في حشا خضارة تعلو
…
هـ سماه عميقة التدوير
و (خضارة)، كما شرحه، البحر وهي كلمة مهجورة ولم استحسن وصفه للسماء بعميقة التدوير.
وقال:
يعتل صهوة الخضم خضما
…
لم يوطأ كلآبد المذعور
ولا يحسن جعل الحال من لفظ ذي الحال أو المضاف إليه. وقال:
بين سخطين من صحاب غضاب
…
أين يمضي وعيلم تيهور
قوله (أين يمضي) حشو قبيح والتيهور هو الموج وكان الصواب أن يقول ذي تيهور. وقال ص 48: (في سماء ما قط حوم فيها) وقط لا تتقدم الفعل فكان الفصيح أن يقول (ما حوم قط). وقال:
كل يوم يرى بساطا من المو
…
ج شبيه المطوي بالمنشور
والمطوي من الأمواج لا يشبه المنشور منها. وقد أجاد في قوله:
ثم لاحت فظنها القوم راحا
…
مدها الله من وراء البحور
وقصيدة (غير طفلة) جميلة كروح الطفلة. وقال من قصيدة (المجد والفاقة) ص 49:
ضل الصواب وغم الأمر واشتهت
…
على المراقب يمناه بيسراه
واشتبه لا يتعدى بالباء. يقال: اشتبه هذا وهذا بمعنى أشبه كل منهما الآخر، ولعله عداه بالباء لتضمنه معنى التبس.
وقال من قصيدة (الكروان) ص 54: (دعوة الغرقان) ولم يجئ الغرقان في كلام فصيح كما تقدم. وقال:
أن المزايا في الحياة كثيرة
…
الخوف فيها والسطا سيان
شرح السطا فقال جمع سطوة ولم أعثر إلا على سطوات في جمعها كما نص عليه
الصحاح. وقال ص 55:
والجاهلون بسر ما رجعته
…
من نغمة مأثورة ومعان
لا يسمعون بسر بين جنوبهم
…
صمما وإن كانوا ذوي أذان
لم استحسن إضافة السر إلى (بين) وهو ظرف. وقال:
جهل لعمرك أن يطوع صاحبا
…
من جاهرته النفس بالعصيان
يقال طوعت له نفسه أن يفعل كذا ولا يقال طوع فلانا وقد جاء في القرآن: (فطوعت له نفسه قتل أخيه). وقال:
أملك هواك فإن أطقت فكم فتى
…
خان الوداد فلست بالخوان
وقوله (فلست بالخوان) قد وقع قلقا. وقال ص 55 من بيتين باسم (عاشق):
محب جدته مهلا فإن لها
…
بالأكبرين عن الأحفاد شغلانا
ولم يجئ (الشغلان) مصدرا أو جمعا للشغل في كلام فصيح أما مصدر شغل فهو الشغل بضم الشين وفتحه وإما جمع الشغل فهو أشغال وشغول.
وقال من قصيدة (وقفة في الصحراء) ص 57:
ثؤر (؟) كأفواج الدخان تطلعت
…
إلى علو من قاصي قرار جهنم
فما أقبح قوله (إلى علو)، وإن ورد في شعر الجاهلية وكلمة (قاصي) حشو إذ ليس في جهنم أبعد من قرارها ولم أعثر على ثؤر في المعاجم.
(له تلو)