الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخطوط قديم في غريب الحديث
اقتنيت مؤخرا مخطوطا عربيا نفسيا قديما جدا كتب في أول ورقة منه: (كتاب مختصر غريب الحديث) صنفه الشيخ أبي علي الحسين بن أحمد الاسترابادي رحمه الله. لأبى محمد عبد الله بن علي محمد المروزي. وكتب في آخر ورقة منه: تم الكتاب بحمد الله ومنه والصلوة على رسوله محمد وآله أجمعين. واتفق للفراغ (كذا) لأبي محمد عبد الله بن علي محمد المروزي، اصلح الله باله وحقق آماله في صفر سنة أربع وستين وأربعمائة.
شرعت في البحث عن ترجمة المؤلف والناسخ لأنه تحقق لدي بعد الاستقراء أن مؤلفه المتوفى قبل سنة 464 هجرية هو أبو علي الحسين بن أحمد الاسترابادي وناسخة ومرتبة الذي حشي الكتاب وعلق عليه تعاليق وفوائد جمة هو أبو محمد عبد الله بن محمد المروزي ولم يتيسر لي الوقوف على ترجمة أحدهما ولذا أرجو من الخبراء ولا سيما من أهل العراق وفارس أن يبحثوا عنهما في كتب تراجم أدباء إيران ويفيدوني عما تصل إليه معرفتهم بأحد منهما فاكون لهم من الشاكرين.
ويمتاز هذا الكتاب عن غيره من كتب غريب الحديث بأشياء منها أولا: أنه كتب في القرن الخامس للهجرة وقلما تجد مخطوطات عربية من هذا التاريخ. واكثر الكتب المخطوطة القديمة الموجودة في الخزائن المشهورة منسوخ في القرن السادس والسابع للهجرة فصاعدا وأن يكن مؤلفوها قد وجدوا قبل القرن الخامس. ثانيا لأنه اختصار كتاب غريب لحديث الذي ألفه أبو عبيد القاسم ابن سلام المتوفى سنة 223هـ وقد أفنى فيه عمره إذ قال: (أني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة وربما كنت استفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان خلاصة عمري) وقد حفظ لنا الدهر هذا الكتاب الجليل إذ اقتنته دار الكتب
المصرية بالفوتوغراف عن نسخة كتبت سنة 596 محفوظة في خزانة كتب كوبريلي بالأستانة.
قال ابن الأثير في مقدمة كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر: (أن أبا عبيد بن سلام احتاج إلى تتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على كثرتها وآثار الصحابة التابعين على تفرقها وتعدوها حتى اجتمع منها إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رواتها وهذا فن عزيز شريف لا يوفق له إلا السعداء. وظن رحمه الله على كثرة تعبه وطول أنه قد أتى على معظم غريب
الحديث واكثر الآثار وما علم أن الشوط بطين والمنهل معين. وبقي ذلك على كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه ويعتمدون في غريب الحديث عليه إلى عصر أبي محمد غريب الحديث والآثار حذا فيه حذوا أبي عبيد ولم يودعه شيئا من الأحاديث المودعة في كتاب أبي عبيد إلا ما دعت إليه الحاجة من زيادة شرح وبيان أو استدراك أو اعتراض فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه) انتهى كلام ابن الأثير.
وصنف الناس غير من ذكر في هذا الفن تصانيف كثيرة منهم شمر بن حمدويه وأبو العباس أحمد بن يحيي اللغوي المعروف بثعلب وأبو العباس محمد بن يزيد الازدي البصري المعروف بالمبرد وأبو بكر بن القاسم الأنباري وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث.
ولما كان زمن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي القاشاني المتوفى سنة 401 صاحب الإمام أبي منصور الأزهري اللغوي صنف كتابة المشهور السائر في الجمع بين غريبي القران والحديث ورتبه على حروف المعجم على نمط لم يسبقه إليه أحد في غريب القران والحديث فاستخرج الكلمات اللغوية الغريبة من كنها وأثبتها في حروفها معانيها إذ كان المقصد من هذا التصنيف معرفة الكلمة الغريبة لغة وأعرابا ومعنى لا معرفة متون الأحاديث والآثار وطرق
أسانيدها وأسماء رواتها فأن ذلك علم مستقل بنفسه مشهور بين أهله.
وما زال الناس يتبعون أثر أبي عبيد الهروي إلى عهد أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري فصنف سنة 516هـ (الفائق) في غريب الحديث ورتبه على حروف المعجم وهو كتاب جليل جم الفوائد طبع في حيدر آباد الدكن سنة 1334 هجرية وكذا قريبا من عهده صنف أبو الفرج عبد الرحمن بن جوزي كتابا في غريب الحديث نهج فيه طريق الهروي مجردا عن غريب القران.
ثم اتبعه الشيخ الإمام أبو السعادات المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 بكتاب سماه: النهاية في غريب الحديث والأثر أخذه من الغربيين الهروي وأبى موسى الاصبهاني وهو أيضاً مرتب على حروف الهجاء وأوسع من الفائق للزمخشري.
قلت: أن كتاب مختصر غريب الحديث للاسترابادي يمتاز عن غيره بكونه أولا نسخة قيمة
العهد ولعلها الوحيدة في خزائن الكتب وثانيا بكونه مختصرا لكتاب أبي عبيد سلام وهو نادر الوجود وذكرنا ما يعرف من نسخة المخطوطة ومن ميزته أيضاً كون كلمات الأحاديث مؤيدة بما ورد من أشعار العرب الموثوق بهم في لغتهم كالأعشى والاخطل وامرئ القيس وذي الرمة وغيرهم كثيرين.
ومعلوم أن علم غريب الحديث يعني الغريب من الكلام وهو الغامض البعيد من الفهم أن الغريب من الناس هو البعيد ع الوطن المنقطع عن الأهل. والغريب من الكلام يعني وجهين أحدهما هو أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن ومعاناة فكر والوجه الآخر هو أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب (راجع كشف الظنون).