الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المكاتبة والمذاكرة
باكسايا
1 -
مقدمة
كتب إلينا من علي الغربي أحد العلماء يقول:
(من متممات هذا القضاء: أرض تسمى (بكساية) في لغة العامة، وتسمى في الرسميات (باغشاهي)، وأنا اجزم أنها (باكسايا). أخت (بادرايا) التي اليوم (بدرة)، وهي متصلة بها. فأرجو من مولاي أن يتفضل ويكتب فصلا عن تاريخ باكسايا وعن معنى هذا اللفظ، وعن لغته أي نسبته ويتحفنا به وسلفا اقدم الفئات شكر وامتنان لسيدي المبجل). اهـ
2 -
لفظ الكلمة ومعناها
الذي يؤلمنا حين ينظر إلى أعلام بلادنا التي يستعملها رجالنا أصحاب الدواوين، وهو أنها تروى بأقبح صورة وأشنع تصحيف، فيقولون مثلا: ماركيل وهي كلمة من تصحيف الإنكليز لكلمة معقل (كمجلس) ويقولون: أربيل وهي اربل (كزبرج) عند السلف؛ وهذه باكسايا يقولون فيها (باغشاهي) كأنهم يرون فيها لفظا منحوتا من (باغ) و (شاهي) أي جنة الملك بالفارسية، مع أن لا وجود لهذه الكلمة الممسوخة في كتب أقدمينا.
أما (بكساية) فتصحيف ظاهر ل (باكسايا) بضم الكاف، وهي في نظرنا منحوتة من (با) الآرامية أي بيت أو دار بمعنى مدينة. و (كسايا) أي كساء أو ثوب ومحصل معناها (مدينة الحاكة، حاكة الأكسية والثياب) يؤيد ذلك ما جاء في معجم ياقوت قال:
باكسايا، بضم الكاف وبين الألفين ياء: بلدة قرب البندنيجين (تسمى اليوم
مندلي) وبادرايا (وتعرف اليوم باسم بدرة). بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي في أقصى النهروان. قالوا: لما عمر قباذ بلاده نقل الناس، وكان من نقله إلى بادرايا وباكسايا الحاكة والحجامين) أهـ.
على أن الأستاذ البفاري م. شتريك يقول في معلمة الإسلام في مادة باكسايا أن الكلمة منحوتة من بيت أي دار و (كسايا) أي (الكشيين) المذكورين في الرقم المسمارية وهو يتفق كل الاتفاق وموقع باكسايا المجاورة لزجرس موطن الكشيين الأقدمين، أهـ. وكلا التأويلين محتمل إلا أننا نخبر الأول لأنه يوافق ما ذكره ياقوت.
3 -
ذكرها في التاريخ
كثر ذكر باكسايا في التاريخ ومن جملة ما جاء. ما ذكره الطبري في تاريخه الكبير وهذا حرفه:
(وواتر (كسرى) الكتب إلى يخطيانوس في أنصاف المنذر (ملك العرب). فلم يحفل بها فاستعد كسرى فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين الفئات مقاتل فاخذ مدينة دارا، ومدينة الرهاء. ومدينة منبج، ومدينة قنسرين، ومدينة حلب. ومدينة إنطاكية. وكانت أفضل مدينة بالشام، ومدينة فامية ومدينة حمص؛ ومدنا كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة: واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض، وسبى أهل مدينة إنطاكية ونقلهم إلى أرض السواد: وأمر فبنيت لهم إلى جنب مدينة طيسفون على بناء إنطاكية على ما قد ذكرت قبل، وأسكنهم إياها وهي التي تسمى (الرومية) وكور لها مورة وجعل لها خمسة طساسيج: نهروان الأعلى، وطسوج نهروان الأوسط وطسوج نهروان الأسفل، وطسوج بادرايا، وطسوج باكسايا. وأجرى على السبي الذين نقلهم من إنطاكية إلى زاوية إلى الرومية الأزرق، وولى القيام بأمورهم رجلا من نصارى أهل الأهواز كان ولاه الرئاسة على أصحاب صناعاته يقال له (براز)، رقة منه لذلك السبي، إرادة أن يستأنسوا ببراز، لحال ملته ويسكنوا إليه. اهـ.
وقال في أحداث سنة 251هـ (865م) (وفي يوم السبت لثمان بقين من رجب من هذه السنة، كانت وقعة بين محمد بن رجاء وإسماعيل بن فراشة وبين جعلان التركي بناحية بادرايا وباكسايا، فهزم ابن رجاء وابن فراشة جعلان وقتلا من أصحابه واسر جماعة. اهـ.
وقال مسكويه في كتابه تجارب الأمم (77: 2) في أحداث سنة 333هـ (944م)(واضطر الديلم إلى أن يستأمنوا إلى توزون (بن حمدان)، لأنهم رحالة، فاستأمن أكثرهم إلى توزون، واخذ الأمير على طريق بادرايا وباكسايا إلى الأهواز، وقد كانت الميرة أيضاً ضاقت على
الأمير أبي الحسين حتى اضطر في الليلة التي أنصرف فيها من غد إلى أن ذبح خمسين جملا من جماله وفرق لحمها على أصحابه واخذ له بقر فذبحها ونهب في وقت هزيمته نهبا عظيما) انتهى المقصود من إيراده.
ولا نريد أن نتتبع كل ما جاء في كتب التاريخ عن هذه المدينة إذ هذا يطول فاجتزأنا بما ذكرنا، إلا أنه يجدر بنا أن نقول. أن نصارى تلك المدينة كانوا من اشد الناس تمسكا بدينهم وكان المجوس قد اضطهدوا وطنييهم اشد اضطهاد وقتلوا منهم عددا لا يحصى ومن الجملة أنهم قتلوا رجلا من باكسايا ترك المجوسية وتنصر فضيقوا عليه في سنة 545 (أي قبل الإسلام بنحو سبع وسبعين سنة) وكان اسمه (عاودا)(أي عابد) فحكم عليه بالموت فقتل. واظهر من الثبات في العزم وقبول الموت بصدر رحب ما حمل جلاديه على جدع أنفه وصلم أذنيه من غير أن يؤذوه أكثر من ذلك قبل موته.
وقد ذكر ياقوت في معجمه واحدا من أئمة الحديث اصله من باكسايا فقال: واليها (أي والي باكسايا) ينسب أبو محمد عباس بن الله بن أبي عيسى الباكسائي ويعرف بالترقفي أحد أئمة الحديث، توفي سنة 268هـ (881م)
والظاهر أن عمران باكسايا اضمحل في القرن الثالث للهجرة، إذ لم نجد له ما يجذب إليه الأنظار بعد ذلك الحين. ولعلنا واهمون.
(تنبيه) عندنا رسائل عديدة في باب المكاتبة هذا، لكننا نعتذر إلى المراسلين بأن يمهلونا ريثما يتسع لنا المجال لنتمكن من إدراج مقالاتهم.