الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفردية الأدبية
لمناسبة تهجم العقاد على لطفي بك السيد، بقلم الكاتب القدير الأستاذ جورج فرح في صحيفة (المهذب) الغراء.
ذكرتنا حملة العقاد السخيفة على الأستاذ لطفي بك السيد بحملته سابقا على الأستاذ جميل صدقي الزهاوي وإن تأدب فيها نسبيا، كما ذكرتنا بحملة أحد الشعراء العراقيين على الأستاذ الزهاوي في الصحف العراقية المغرضة، وبحملته على العلامة الأب الكرملي لأن لجنة يوبيل الكرملي اختارت زميله ومنافسه الزهاوي رئيسا عاملا! فالعوامل في هذه الصبيانيات الأليمة واحدة وهي (الفردية) في أقبح صورها.
والعقاد - الذي يملأ الحسد والحقد جوانب نفسه - يغار من وصف الزهاوي بالشاعر الفيلسوف، كما يغار من لطفي بك السيد لاكتسابه صفة الفيلسوف في الأوساط الفكرية الراقية بمصر وفي غير مصر. وكذلك حال الشاعر العراقي المتستر الذي نؤثر أن نغفل فضيحته فنتركه في موت الخمول هو وأذنابه الصغار.
هذا هو السبب الحقيقي لحملة العقاد على الأستاذ لطفي بك السيد وليس السبب غيرته السياسة الوفدية، ولو صحت هذه الغيرة لما كانت في ذاتها عذرا للذبذبة الأدبية وللتناقض المعيب بين موقفيه بالأمس واليوم نحو لطفي بك. وما يمنعه من متابعة صديقه المازني في تقلباته المعروفة سوى مكره الذي يدله على إنه بذلك التقلب ينتحر أمام الجمهور، حيث يؤثر العقاد التصفيق من الجمهور على إرشاده وقيادته. وهو بخطته هذه يقلد سياسة شوقي بك الأنانية التي كان ينتقدها العقاد من قبل، ونعني بها متابعة الدهماء، والغيرة من كل أديب نابه، والإساءة إليه إن زاحمه أو لم يسر في ركابه، حتى ولو كان له فضل سابق عليه، فإن هذا الفضل ينسى بل يعتبر شبه جريمة!!
ولعل هذه الصفة المشتركة بين العقاد وشوقي - صفة الفردية القبيحة
والأنانية البشعة - هي أصل التراشق بينهما إلى درجة معيبة، بحيث أن كليهما لا يعترف للآخر بأدنى حسنة، فقد عرفنا عن أدباء نزيهين غيروا أحكامهم سواء تقديرا أو انتقاصا لسواهم ولكنهم لا ينسون الحسنات إذا ما ذكروا السيئات، وأما حال صاحبينا المتصدرين للزعامة بالقوة
فعكس ذلك تماما!!
وقد اعتاد العقاد طول حياته أن يبني شهرته على حساب غيره متظاهرا بالكبرياء والعظمة ليكون حديث الناس وليقال عنه عظيم جبار!! فقد استغل من بادئ الأمر عطف الأستاذ عبد الرحمن شكري عليه وتعاونا مع المازني، فكان ثالوثهم داعيا لتشجيع الأدباء المجددين والصحفيين المتعلمين لهم، وكذلك القراء الذين سئموا القديم البالي، ولكن العقاد لم يرتح لاستمرار هذه الحالة الطيبة، فتآمر والمازني على هدم شكري، وكذلك فعلا في كتابهما البذيء السخيف المسمى (الديوان) لعلمهما أن أكبر عيب لشكري هو إنه رقيق الإحساس جدا، فصدمة قاسية كهذه كافية لجعله يبغض الشعر والشعراء ويطلق الأدب بتاتا. . . وهكذا كان تقديرهما في محله!!
وما فرغ العقاد من شكري إلا وتحول للمازني، فاستغله كمطيب له استغلالا مضحكا مبكيا، بينما يطعن فيه أقبح طعن في مجالسه الخاصة! وهكذا قضى العقاد على وحدة الثالوث وأبقى على نفسه، كما استغل المازني للدعاية له وجعله آلة من الآلات التي يهدم بها مشاهير الأدباء في مصر بل وفي غير مصر إذا اقتضت مصلحته. . . ثم أحاط نفسه بطائفة من العيال المتطفلين على الأدب، يلقي عليهم دروسا عن عظمته لينشروها شفويا وكتابة بمناسبة وبغير مناسبة، دع عنك ما يكتبه متسترا في الصحف للنيل من سواه، وأخيرا اهتم بمقاومة نشر آثار غيره من الأدباء المعروفين بحجة إنها غير فنية، وإن نشرها إساءة للأدب العصري، كأنما حضرته قيم على هذا الأدب!!! ولم يكتف بهذه العجائب بل أضاف إليها دسائس شتى كاتهامه بعض الزملاء الأفاضل بالعمل لحساب الشيوعية، دع عنك تجاهله إنتاج سواه من نبغاء مصر كالدكتور طه حسين والدكتور هيكل وأمثالهما ومقابلته يد الصداقة الأدبية الممدودة إليه بالإساءة.
وبالاختصار فهو لن ينوه إلا بفضل ميت لا يخشى منافسته، ويشترط عادة
أن يكون أجنبيا، أو بفضل صغير في حكم العدم لا خوف من مزاحمته، وأما أقرانه فلا ذكر لهم عنده غير الطعن المستمر أو التجاهل، وهذا ديدنه الذي يعتبر في التخلي عنه فناءه، لأنه لا يعيش إلا على إصغار سواه، ولا يوجه النظر إلى نفسه إلا بتصنع العبقرية والعظمة. . . فتأمل!! وسبحان واهب العقول!
على أننا لو نظرنا إلى أدب العقاد من أوله إلى آخره لما وجدناه في أحسنه سوى تقليد لنظم شكري ولنقد المويلحي وهيكل وغيرهما، وليس في أغلبه سوى ثرثرة ومهاترة وسفسطة. . . فوجود هذا الأدب وعدمه سيان، بل الخير في عدمه، والأديب العصري المطلع على الثقافة الأوربية لا يسعه إلا أن يهزأ بصاحبه عندما يدعي إنه ليس بأديب مصر الأعظم فحسب، بل في مقدمة أدباء العالم وفلاسفته!!
هذا هو الدعي الذي يحتال احتيالا على الشهرة بالشذوذ والشتائم وبتصنع العظمة، وبالدعاية العميقة الماهرة بينما يظهر كالصنم المظلم، وبمحاولة هدم سواه من نبهاء مصر، وبالاختلاق على كل نابغة، حتى قضى على كل ظن حسن وجه إليه سابقا من إخوانه الأدباء أمثال الأساتذة طه حسين، ومحمود عزمي، وحسين هيكل، وزكريا جزارين، وخيري سعيد، وعبد الحميد سالم، وإسماعيل مظهر، ونجيب شاهين، وسلامة موسى، وغيرهم من الأفاضل المشهورين. فهل يتصور العقاد إنه يستطيع بعد أن اشتهرت دخيلته أن ينال من وزير المعارف المصرية الجليل الأستاذ لطفي بك السيد رجل الفضل والأدب ومكارم الأخلاق؟! على أننا لا نبرئ الأستاذ لطفي بك من اللوم، فقد أدنى إلى مجلسه الراقي المهذب من لا يستحق ذلك.
وقد شاء تهكم الأقدار أن تحتمل مصر بين عجائبها ظهور العقاد وشيعته من المتنطعين فيها ليصدق عليها الحكم المأثور:
وكم ذا بمصر من المضحكات
…
ولكنه ضحك كالبكا!!
ولكن لنا عزاء في أن الدجل الفكري أصبح مفضوحا عديم الأثر، فلن يغتر به أديب مثقف لا في مصر ولا في غيرها، وحسبنا شاهدا قريبا على ذلك النقد المتين البليغ لديوان العقاد الذي نشرته زميلتنا (لغة العرب) الغراء، فقد قضى قضاء مبرما على ترهاته وفتح عيون المخدوعين فيه، ولم ينفعه دفاعا سبابه المألوف
ومغالطاته ومجالس الباطل التي يعقدها لنفسه. . . ونحن نؤمن بحرية النشر ونرحب بأي دفاع يكتب لنا عن العقاد، ولا نتردد في نشر نماذج من شعره ونثره حتى لا نقف مرة في موقف التحامل الذي نبغضه اشد البغض، ولكننا لا نبالغ إذا قلنا بأنه ليس في الإمكان تهيئة دفاع صالح عن رجل أصبحت سيئاته وإساءاته وشذوذه وأنانيته ومصارعته للحق أضعاف أضعاف ما له من حسنات، ولن يجديه
فتيلا أن يتظاهر بالأبهة والعظمة كصفوة الأرستقراطية، ولا أن يلقبه بعض صبيانه بزعيم الأدباء المجددين، إذ لن يقبل هذه الزعامة المزيفة الطائشة أي أديب مخلص يحترم نفسه ويؤمن بقول الشاعر:
لا خير في أدب لمن لم يتخذ
…
من طبعه طبعا ومنه أصولا
المصدر على وزن مفعول
في مختار الصحاح (وقد عقل من باب ضرب و (معقولا) أيضاً وهو مصدر وقال سيبويه (هو صفة) وقال إن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة) فأقول: إن كتب اللغة ذكرت كثيرا من المصادر على وزن (مفعول) منها (المفتون والمعسور والميسور والمحلوف والمجلود) وعندي أن (المجيء والمزيد) كالسابقات فاعتراهما الإعلال بعد أن كانا على ذلك الوزن لان اصلهما (مجيوء ومزيود) ولكن مختار الصحاح لم يذكر ذلك. أما قول سيبويه فغير مقبول لأمور ثلاثة:
1 -
إن المجيء والمزيد على وزن المبيع والمدين. ولم يشك لغوي في مصدريتهما لأنهما مصدران ثابتان، وبذلك بطل ادعاء سيبويه أن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة.
2 -
بعض هذه المصادر هي لأفعال لازمة المعسور والميسور والمحلوف ولا يصاغ أسم المفعول من الفعل اللازم إلا بإحدى الوسائط الثلاث التي ذكرها النحويون.
3 -
قد يحل المصدر محل الاسم في الاستعمال فقد قيل (شاهد عدل) و (شاهدان عدل) وشهود عدل) عوضا عن (شاهد عادل) و (شاهدان عادلان) و (شهود عادلون) فالميسور وما على وزنه من المصادر يستعمل ذلك الاستعمال. قال في المختار: (وأما قوله تعالى: خذ العفو أي خذ (الميسور) من أخلاق الرجال ولا تستقص عليهم) أهـ. وذلك التعبير مثل قولك (خذ العدل من الشهود) أي العادلين.
مصطفى جواد