الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفحة من النقد
رد على رد العقاد الثاني
ما أسهل السب والثلب لو كانا يغنيان عن الحجة! كما فعل الأستاذ العقاد في عدد 20 يولية من البلاغ الأسبوعي. بعد أن عجز عن قرع حججي بالحجج ولو أردت لأشبعته سبا، كما يفعل ولكني لا أجاريه في سفهه، بل أمر بلغوه كريما، وأقول سلاما!
وهل من العلم أن يشتم الإنسان مناظره مفحشا، كلما (أعوزته الحجة) ولو اعترف العقاد بخطئه لكان جهله للقواعد العربية واللغة بسيطا، ولكنه أصر على الخطأ، ثم أصر وشتم فكان جهله مركبا! وهو لا يدري أن شتائمه تنقص قدره أكثر من جهله للقواعد العربية واللغة. وما كان يجدر بالأستاذ أن يطيل لسانه حتى لو كان مصيبا في رده فكيف وهو مخطئ!؟
وكأن الأستاذ قد تعود المشاتمة والمهاترة، وقد تكسرت النصال على النصال، فهو لا يبالي بسب الناس له جزاء على سبه إياهم كالشتائم التي توجهها إليه بعض جرائد مصر الكبرى على حين إنه إذا سمع تخطئة له في العربية جن جنونه فاخذ يلعن ويشتم خوفا على سمعته، وهو بفعله هذا يزيد سمعته سوءا على سوء ويضر نفسه من حيث لا يشعر! ولو عرف الأستاذ الخجل، لخجل من المقالات التي كتبت عنه في الصحف المصرية بأقلام الأساتذة الكبار: أحمد خيري سعيد، وزكريا جزارين، وجورج طنوس، وسعيد عبده، وسلامة موسى، وغيرهم.
ومن مراوغاته: إنه إذا ألفى الحجج التي تظهر جهله كثيرة، لزم الصمت عن القسم الذي يراه قويا وحاول الرد على ما يعتقد فيه الضعف فكان عليه شرا من الأول، كما فعل في رده الأول على ما جاء في الجزء الرابع من مجلتنا لغة العرب، ورده الثاني على ما جاء في الجزء السادس، وقد ضرب صفحا عما جاء في الجزء
الخامس من النقد المر لديوانه، لأنه لم يجد الرد عليه هينا، أما أنا فلا أحيد عن خطتي في نقد ديوانه، وهي الاستمرار على ذكر سيئاته وحسناته معا كما فعلت سابقا، وليواظب هو على قذعه وسبه، ما شاء له الجهل والغرور
ونحن لم نخدم العلم كل هذه السنين الطويلة، إلا للعلم. فلا يضيرنا انتقاص الأستاذ جهدنا الطويل، فلسنا نطلب منه أو من غيره شهادة أو تعظيما ولا ندين مثله بالفردية - في اقبح صورها - فهو يجحد حسنات جميع معاصريه من كتاب وشعراء وعلماء ولا يعرف غير نفسه تلك النفس الجاهلة السبابة الآثمة، وغير أولئك الصبيان أدعياء الأدب الحافين من حوله والمتملقين له ممن لا يعتبرهم بمنزلة المنافسين له.
وهل قام العلم في كل أدواره على السب والقذع ليكون لهما في القرن العشرين بفضل الأستاذ العقاد رواج؟ ولكن هو الشرق المتأخر لم يزل في كثير من أنحائه يروج ما لا يجوز أن يروج فأنا لله وإنا إليه راجعون!
وقد سرّنا من الأستاذ أعادته لبعض مآخذنا المعنوية، فإن أعادتها قد تدعو قارئيها إلى إنعام النظر فيها ولكن مآخذنا المعنوية أكثر من مآخذنا اللفظية فلماذا اكتفى بإعادة النزر القليل منها؟ وقد وعد في رده الأول تفنيدها فما الذي ثبطه عنه؟
أما مآخذنا اللغوية، فقد قال فيصدر الرد على بعضها يوجه قوله:(خياشيمه القيظ يبضضن بالدم) بقوله: (إن أبا حيان يقول في هذا الحذف (حذف النون من (من) إنه حسن وكثير فهو إذن ليس بذميم ولا قليل). وقد قلنا في ردنا الأول: إن الأغلاط العربية لا تعدم تعليلا ولكن الفصيح غير النادر الشاذ والضرائر القبيحة. ولا ادري لماذا أخذ الأستاذ برأي أبي حيان وحده مرجحا إياه على آراء أئمة العربية كافة وليأتنا إذا كان صادقا في ادعائه كثرة حذف النون من (من) بآية من القرآن شاهدة على ما يدعيه؛ وإذا كان واحد أو أكثر من الجاهليين قد حذفوها فهل ذلك دليل على حسنه؟ وإذا كان حذفها حسنا فلماذا لم يحذفها فحول الشعراء من جاهليين ومخضرمين وإسلاميين؟ كامرئ القيس والنابغة والأعشى وزهير ابن أبي سلمى وحسان
والحطيئة وعمر بن أبي ربيعة والفرزدق وجرير والاخطل وبشار وأبي نؤاس وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وأبي العلاء والمتنبي وغيرهم؟
وقال يوجه قوله: (فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا) بنصب حياء وتغاضيا ويرد على قولنا فينقده: (إن مقول القول لا يكون إلا جملة) بقوله: (حياء منصوبة هنا لأنها مفعول له والمعنى - كما يفهم كل قارئ - هو: هل للحياء تفعل ما أرى أو للتغاضي) وليس في البيت (تفعل) إنما هناك (ما أرى)
والمفعول له: أسم يذكر لبيان سبب الفعل نحو: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) وشرطه: أن يكون مفيدا للتعليل متحدا بالمعلل به في الوقت، وفي الفاعل فإذا لم يتحد في الفاعل، وجب جره بحرف الجر كقول أبي صخر الهذلي:(وأني لتعروني لذكراك هزة) وقوله في الآية: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والفاعل في قوله (ما أرى) هو ضمير المتكلم وفي الحياء والتغاضي هو حبيبه الذي كان لا يثني عن البدر طرفه، فكيف نصبهما؟ ثم أين الجملة التي تصلح أن تكون مقول القول؟
ولو سكت الأستاذ عن نقدنا هذا. كما سكت عن غيره، لما فضح نفسه، فهل أنا الجاهل؟ وقال يوجه قوله:(فأمسى آخر الليل شاديا) بقوله: (ولكن العرب الذين لا يفهم لغتهم صاحب (لغة العرب) يقولون: لا أكلمك آخر الزمان! ويعنون: إلى آخر الزمان). وأقول على رسلك، أيها الأستاذ! فإن (آخر) قد أتت بعد (أمسى) لا بعد (شاديا) ونحن نريد من الشاعر العصري أن يتجنب التعقيد والغموض فلا يأتي إلا بالفصيح وهذا هو الفرق بين الشاعر الفحل وغيره، كما بينا في ردنا الأول.
ولو كان الأستاذ واثقا من توجيهه لما تشبث بتوجيه ثان وهو قوله: (وهبنا قلنا أمسى فلان مغنيا فنحن على هذا نريد إنه قضى المساء كله في الغناء، فأي خطأ في ذلك)؟ والجواب أن قولك: (أمسى آخر الليل شاديا) غير قولك قضى المساء كله في الغناء! اللهم إلا إذا صح قولهم (المعنى في بطن الشاعر).
وقال يوجه قوله: (وأشكوه ما يجني فينفر غاضبا) بقوله: و (ما)
هنا ليست مفعولا ثانيا، وإنما هي بدل اشتمال في محل نصب على البدلية عن مفعول أشكو؛ ومع هذا لو أننا عدينا:(أشكو إلى مفعولين لما كان ذلك خطأ كما سيرد بيانه). وإذا كان (ما يجني) بدلا من الهاء في (أشكوه) فإلى من يشكو الأستاذ ما يجني حبيبه؟ إلى القاضي؟ والظاهر أن في قلب الأستاذ ريبا في توجيهه هذا، ولذلك راغ عنه إلى توجيه آخر فقال (ومع هذا لو عدينا أشكو إلى مفعولين لما كان ذلك خطأ كما سيرد بيانه) فلنتربص إلى أن يأتينا ببيانه.
وقال يوجه قوله: (أشكوه ما يجني) مكان أشكو إليه ما يجني وقوله (وأسلمت كفي كفه) مكان أسلمت إلى كفه كفي وقوله: (نؤجله الحساب إلى غد) مكان نؤجل الحساب إلى غد بقوله: أتراه قرأ باب الحذف والإيصال في تعدية (الأفعال) إلى آخر ما هنالك وخلاصة ما
قاله هي: أن أبن الناظم شارح الألفية قال: يحذف حرف الجر وينصب مجروره توسعا في الفعل وأجراء له مجرى المتعدي؛ فلا خطأ في قولنا أشكوه ما يجني، ولا في قولنا وأسلمت كفي كفه، ولا في قولنا نؤجله الحساب؛ وإنما الخطأ والجهل في تخطئة هذا الصواب المجمع عليه وهو قاعدة من القواعد المحفوظة المدونة في أمهات الكتب النحوية.
على رسلك أيضاً أيها الأستاذ! إنك أخطأت فهم قول أبن الناظم وأخذت شيئا وتركت شيئا فإن عبارة أبن الناظم هي ما يأتي: وقد يحذف حرف الجر وينصب مجروره توسعا في الفعل وإجراء له مجرى المتعدي وهذا الحذف نوعان مقصور على السماع ومطرد في القياس. والمقصور على السماع منه وارد في السعة ومنه مخصوص بالضرورة. فالأول نحو شكرت له وشكرته ونصحت له ونصحته. . . وإما الحذف المطرد ففي التعدية إلى (أن)(وأن) بشرط أمن اللبس.) فترى أن ما ورد من حذف حرف الجر ونصب المجرور سماعي لا يقاس عليه إلا في أن (المخففة) وأن (المشددة) وهذا صاحب التوضيح وصاحب التصريح يقولان في باب التعدي واللزوم: قد يحذف حرف الجر وينصب الاسم وراءه وهذا سماعي في الشعر فليس لك أن تقيس عليه مستثنين
من ذلك حذف الجار على أن (بالسكون) وأن (بالتشديد) ومصرحين بأن حذفه منهما قياسي.
وهذا شرح الاشموني ينقل لنا بيتي الناظم ابن مالك وهما:
(وعد لازما بحرف جر
…
وإن حذف فالنصب للمنجر
نقلا وفي إن وأن يطرد
…
مع أمن لبس كعجبت أن يدوا)
وزاد الشارح بعد قول الناظم (نقلا) لا قياسا مطردا وبعد (يطرد) قياسا.
وهذا تهذيب التوضيح يقول في قسم التصريف ص 35 (أو سقط معه الجار توسعا كقول جرير: (تمرون الديار ولم تعوجوا) أي تمرون بالديار ولا يطرد حذفه إلا مع أن وان).
ولو كان الأمر قياسا، لجاز للأستاذ أن يقول: فزعته مكان فزعت اليه، وقنعته مكان قنعت به، وسمحته مكان سمحت له، وسعيته مكان سعيت اليه، وهلعته مكان هلعت منه، وطرت زيدا مكان طرت اليه، وصغوته مكان صغوت اليه، وجلسته مكان جلست اليه، وخرجت بغداد مكان خرجت منها، وعطشت الماء مكان عطشت إليه إلى غير ذلك وإذا جاز له كل هذا فعلى العربية السلام! فهل عرفت يا أستاذ الحق؟ وهل أنا الجاهل؟
وقال يوجه قوله:
أنت عين من زجاج موقها
…
يجذب الأنوار من كل مكان
بقوله: (ولكن العرب يطلقون الجفن ويريدون العين، ويذكرون الجزء ويريدون الكل)
نعم قد يفعلون ذلك مجازا إذا كانت هناك قرينة ولكنهم لا يفسرون الموق بالحدق كما فعل الأستاذ في شرحه الموق.
وقال: (ما للاماني يستضحكن لي غررا) بقوله أن في اللغة شيئا يسمى المفعول لأجله. فاعلم يا هذا أن (غررا) هنا مفعول لأجله) والظاهر أن الأستاذ يريد (غررا) بفتح الغين ليكون مصدرا بمعنى التعريض للهلكة وهو في الحقيقة أسم مصدر والمفعول له لا يكون (إلا مصدرا).
وقال يوجه قوله: (فاحتلن لاستدراجي الحيلا) بقوله: (ونحن لا ندري ما التكلف هنا وليس المفعول المطلق كما يعلم التلميذ الصغير إلا المصدر المنصوب توكيدا لعامله أو بيانا لنوعه. هبه أراد أن يجيء المفعول المطلق في هذه الجملة بغير تكلف، فكيف تراه كان يجيء به؟) والجواب: كنت أجيء به بلفظ (احتيالا) فالقاعدة أن المفعول المطلق إذا كان للتأكيد لا يجمع. قال ابن مالك: (وما لتوكيد فوحد أبدا) وعالمه شارح ألفيته الاشموني بقوله (لأنه بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع. وأما وجه التكلف فهو جعل الحيلا مفعولا مطلقا للعدد وهذا يجوز جمعه وإن لم يذكر الأستاذ هذا النوع من المفعول المطلق عند تعداده لأقسامه على أن في قلبي من اللام على المفعول المطلق للعدد شيئا. وقال يوجه قوله:
ما طب جالينوس قيس
…
بطبه إلا غرور
رادا على قولي في نقدي إياه: (وإذا وقع الماضي حالا وجب تصديره بالواو أو بقد أو الواو وحدها. نعم ورد مثل (كما انتفض العصفور بلله القطر) ولكن هذا لا يقاس عليه بقوله: (لا يا جاهل يقاس عليه، ويقاس ويقاس) ثم أورد شاهدا من القرآن وهو: (وجاءوكم حصرت صدورهم) وبضع شواهد أخر من الشعر. وكل ما أورده دليل على الورود لا على القياس؛ ولو كان دليلا على القياس لما كان للقاعدة السابقة وجه فإن أكثر النحويين اتفقوا على تقدير (قد) في الآية وفي الأبيات التي استشهد بها توفيقا بين القاعدة وما ورد بخلافها.
قال صاحب همع الهوامع على جمع الجوامع (ويجب في الماضي المثبت المتصرف غير التالي (إلا) والمتلو (بأو) العاري من الضمير (قد) مع الواو فإن لم تكن (قد) ظاهرة قدرت. غير أن الاشموني قال: (والمختار وفاقا للكوفيين والأخفش لزومها مع المرتبط بالضمير وحده أو بهما معا إذ الأصل عدم التقدير وجعل صور مجيئها مراتب أربعا في الكثرة وجعل حذف (قد) في المرتبة الرابعة الضعيفة.
وقال يوجه قوله:
أبدا تحوط به ودا
…
ئعها بسور خلف سور
قائلا: جعلنا ودائعها مفعولا له (لتحوط به). أما الفاعل فهو الضمير عائدا إلى الطبيعة التي تقدم ذكرها في بيت سابق وهو:
بلد تجود له الطبيعة
…
بالصغير وبالكبير
فأقول أيها الأستاذ ما زهد الناس في شعرك إلا هذا الغموض فمن أين يعرف القارئ إنك ترجع الضمير إلى الطبيعة قبل ثلاثة أبيات كلها في وصف البلد وفيها كثير من الضمائر مذكرة ومؤنثة لا يرجع منها واحد إلى الطبيعة.
وقال يوجه قوله:
ما كان أول مغرب
…
شهدت علي مر العصور
بقوله (من واجب هذا الدعي (يعنيني) أن يعقل قبل أن ينقد فإن التأنيث هنا للشمس التي يعود إليها الكلام كله في الأبيات السابقة وأولها:
والشمس شاخصة تكا
…
د تنوء من جهد المسير
والأستاذ كما قال الشاعر: (يريد أن يعربه فيعجمه) فهو يرجع ضمير (شهدت) إلى الشمس قبل خمسة أبيات ويقول قبل البيت. أولهما:
وعلى الروابي والهيا
…
كل مسحة الشفق الأخير
وفيه دلالة على أن الشمس كانت ساعتئذ غاربة وكانت مسحة شفقها الأخير على الروابي والهياكل. فكيف شهدت حينئذ والظاهر أن الأستاذ أحس بضعف توجيهه هذا فالتمس غيره بقوله: (على أن المغرب تؤنث. وتذكر مؤنثة في كتب الفقه واللغة) أما في كتب اللغة فلم أعثر على ما ادعاه وأما في كتب الفقه فلعلهم ذكروا (صلاة المغرب) وارجعوا إليها ضمير
المؤنث على أن تأنيثهم للمغرب (إن صح) لا يصح أن يكون مأخذا لمثل الأستاذ وهو ذلك الشاعر الذي دعواه في الفصاحة طويلة عريضة!!!
وقال يوجه قوله: (أيها أبا النور أطربنا) رادا على قولنا (أيها) للإسكات بقوله: (أخطأت وجهلت يا علامة راجع لسان العرب تعلم أن (أيها) ترد بمعنى التصديق والرضى بالشيء كما ترد بمعنى الإسكات).
ونحن نورد نص ما جاء في لسان العرب قال: (وإذا قلت (أيها) بالغضب
فإنما تأمره بالسكوت و (أيها) تأتي للزجر بمعنى حسبك عن أين سيده. و (أيها) كف. أما الأغراء فيقال فيه: (ويها) وإذا تعجبت من طيب شيء قلت: (واها ما أطيبه) وقال: (قال ابن الأثير وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضى ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا ابن ذات النطاقين فقال: أيها والله أي صدقت ورضيت بذلك ويروى: (إيه) بالكسر أي زدني من هذه المنقبة) أهـ. وأنت ترى أن الرواية عن ابن الأثير وحده على إنها تختلف فيها فهناك رواية ثانية هي إيه بالكسر. وقال يوجه قوله:
أراك تغوينني بوحي
…
إلى السماوات يزدهيني
بقوله نعم ولكن يقال بوحي إلى السماوات فأقول هذا من حيث اللفظ جيد ولكن ما علاقة الوحي إلى السماوات بإغوائه ولعله أراد (بالسماوات الأرض). لأن الأرض سابحة فيها.
وقال يوجه قوله:
يا طالما تخدع الدراري
…
لواحظ الشاعر الحزين
رادا على قولنا في نقده: (وتخدع مضارع فهو للحال أو المستقبل. والمستقبل لم يجيء بعد والحال اقصر من أن يطول فضلا عن كونه لم يطل في الماضي. نعم يجوز أن تقول طالما خدعت ولكن لا يجوز طالما تخدع). بقوله (هكذا يعلل العربية هذا العلامة. ولو كان يتهجى النحو لعلم أن (ما) المصدرية تدخل على المضارع أكثر من دخولها على الماضي. أهـ. فأقول: رويدك أيها الأستاذ المغرور إنك لا تدري ما تقول. إنك لم تدخل (ما) في بيتك على المضارع لتؤيد هذا الإدخال بأقوالك الفارغة هذه بل ألحقتها بطال فقلت (طالما) وهو فعل ماض ثم أن (ما) في طالما ليست مصدرية كما زعمت بل هي زائدة كافة تمنع الفعل من طلب الفاعل كما صرح بذلك أئمة العربية. قال ابن هشام في مغني اللبيب: (الوجه الثاني
أن تكون (ما) زائدة وهي نوعان: كافة وغير كافة. والكافة ثلاثة أنواع: أحدها الكافة عن عمل الرفع ولا تتصل إلا بثلاثة أفعال: قل، وكثر، وطال) إلى آخر ما هنالك. وقال (ابن هشام) في تقسيم آخر: والثاني أن تكون مصدرية. وهي نوعان: زمانية وغيرها فغير
الزمانية نحو: عزيز عليهم ما عنتم. ودوا ما عنتم. ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم. لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب. ليجزيك اجر ما سقيت لنا. والزمانية نحو: ما دمت حيا) وعسى أن يعلم الأستاذ من هذه الشواهد إن (ما) المصدرية تدخل على الماضي في الأكثر.
وقال: (وان المضارع يكون للاستمرار ولا يجوز هنا أن تقول طالما خدعتنا الدراري لأنها تخدعنا ولا تزال تخدعنا في كل حين فلا ينقطع الخداع بانقطاع زمن مضى كما يتصور هذا اللغوي العجيب) فأقول: ليس النزاع في استمرار خداع الدراري بل في عدم جواز أن يجعل الشاعر ما يكون في الحال قد وقع في الماضي بقوله طالما تخدعنا فإن (طال) ماض و (تخدع) مضارع.
وقال يوجه قوله (كفاكم نومة المنون) ردا على قولنا في نقده (يريد تكفيكم فانهم لم يموتوا بعد) بقوله (ولو أن هذا الأعجمي يقيم فهم الجمل العربية كما يفهمها السوقة والصبيان على الأقل لفهم أن العرب تقول: (هداك الله وعلمك العربية، وكفاك شر الادعاء) والأستاذ هو الذي لا يقيم فهم الجمل العربية فإن الأمثلة التي أوردها خاصة بالدعاء والعرب تأتي فيه على الأكثر بصيغة الماضي وأما قوله كفاكم نومة المنون فليس من قبيل الدعاء بل هو للأخبار فقد أورده دليلا على ما نهاهم عنه في الشطر الأول وهو قوله (لا تنقصوا ليله بنوم) فهو يريد لا تنقصوا بالنوم ليلكم فإن نومة المنون في المستقبل تكفيكم فهل يناسب الدعاء هذا المقام؟
وقال يوجه قوله (يمن الله سعيه من رسول) بقوله يتعدى يمن بنفسه ولهذا يجيء منه أسم المفعول على ميمون) فأقول لم يصب الأستاذ في كل ما جاء في ردوده إلا في هذه فإني اعترف إنه على صواب وأنا على خطأ والسبب أني عندما قرأت الكلمة (يمن) قرأتها بالتشديد لا بالتخفيف بناء على أن التام من تفاعيل البحر الخفيف هو فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن.
وقال يوجه قوله (أذكرتني بك الكواكب) ردا على نقدي الذي قلت فيه (والصواب أذكرتني إياك فإن اذكر يتعدى بنفسه إلى مفعولين) بقوله: (أن الذكر مجردا ومزيدا يتعدى بالباء وكما جاء في القرآن الحكيم: (ولقد أرسلنا إلى
موسى أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله). ولو كان الأستاذ صادقا لأتانا بشاهد لتعدية (اذكر) بالباء من آية أو بيت شعر أو قول إمام لغوي ولكنه أتى بمثال لتعدية ذكر من باب التفعيل وليس النزاع في تعديته بالباء.
ثم قال (أن الباء لا تكون للتعدية وحدها ولكنها تأتي لاثني عشر معنى وتدخل في بعض هذه المعاني على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي) وأورد شواهد منها قول الراعي في بيت له (لا يقرأن بالسور) وقول امرئ القيس (هصرت بغصن) وقول الأعشى (ضمنت برزق عيالنا ارماحنا) وقول القرآن العظيم: (ولا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) وقوله (وهزي إليك بجذع النخلة) أهـ إلى غير لك. ومن العجيب أن الأستاذ لم يذكر معنى الباء هذه التي تدخل على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي في الشواهد التي استشهد بها. . . وإذا كانت هذه الباء التي قال الأستاذ إنها تدخل على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي ذات معنى فلا غرابة في أمرها ومن ذا ينكر دخول الباء الجارة على الاسم الذي يتبع الفعل المتعدي ولعله يريد إنها الزائدة للتوكيد وهذه ليست بذات معنى وتزداد في ستة مواضع. قال ابن هشام والثاني (من الستة) المفعول كقوله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله (وهزي إليك بجذع النخلة) وقوله (فليمدد بسبب إلى السماء) وقول الشاعر:
نضرب بالسيف
…
ونرجو بالفرج
وفي شرح مغني اللبيب أن الزيادة في المفعول غير مطردة. وأظن أن في هذا الدرس كفاية للأستاذ.
في (قواعد اللغة العربية)
جاء في هذا الكتاب (ومن اللفظ ما يدل على الجماعة ولا واحد له من لفظه ويقال له (اسم جمع)(كركب) أهـ. فأقول ليس الركب لا واحد له من لفظه لأنه ومفرده (راكب) وبذلك يخرج عن كونه (اسم جمع) ونظائره كثيرة مثل (صاحب وصحب وناصر ونصر وقائل وقيل وسائق وسوق) وربما لم يذكر النحويون هذا الوزن مع أوزان جمع التكسير.
الكاظمية: مصطفى جواد