الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة الكردية
ما أكثر الأدباء الذين يجهلون تاريخ اللغة الكردية أو يعلمون شيئا نزرا عن آدابها! وليس هذا الجهل مقصورا على الأدباء غير الأكراد من عرب وغيرهم فقط بل يشتمل أدباء الأكراد بوجه عام، فقليلون جدا أولئك الذين في وسعهم أن يحدثونا عن هذه اللغة وقواعدها وآدابها ومطبوعاتها ودواوين شعرائها الخ. وهذا العامل هو الذي حملني على تتبع هذا البحث، فتتبعته وتمكنت من مراجعة عدة تآليف أجنبية لهذا الغاية وفي مقدمة هذه المصنفات كتاب:
لمؤلفه المستر الحاكم السياسي في لندن عام 1919. والمستر صون ثقة في اللغة الكردية، لا لأنه مؤلف هذا الكتاب الثمين فقط، بل لأنه أديب في اللغتين الفارسية والكردية وكان يتكلم اللغة الكردية على اختلاف لغاتها ولأنه قضى ثلاثين عاما في الأصقاع الكردية في مهمة سياسية متخفيا.
ويليه كتاب: - طبع بباريس عام 1885م. وكتب أخرى لمؤلفين مستشرقين من ألمان وروس سيأتي ذكرها في سياق البحث.
فأنت ترى أن هذا البحث الذي تقرأه ليس عفو الخاطر أو فكرة بنت الساعة بل نتيجة بحث وتنقيب.
وقبل الدخول في الموضوع أرى في الموضوع من واجبي تقديم تشكراتي القلبية إلى حضرة الأستاذ الكرملي لإفساحه المجال لهذا البحث في مجلته الزاهرة (لغة العرب) ومن أولى بنشر بحث مسهب فيه عن (لغة الكرد) غير مجلة (لغة العرب).
لا أزال أذكر تلك الليلة التي ضمنا فيها مجلس أدبي كان فيه بعض الأفاضل وجلهم من خريجي الحقوق في بغداد وكان موضوع البحث (الأدب القومية واللغات وتاريخها) واللغات الشرقية وآدابها إلى أن جاء الكلام عن اللغة الكردية فأتفق الجميع على أنها (رطانة جافة) مزيج من العربية والفارسية وأنها ليست سوى لغة العجم الدارجة وحاولت إقناعهم عبثا بأنها لغة مستقلة لها آداب وتاريخ ودواوين وأدباء. لكن الأكثرية كانت علي فغلبت على
أمري وأنا أحرق الارم من الغيظ لا لجهل أصحابي فإن جهل هذا الموضوع عام يشترك فيه بل لخمول الأكراد أنفسهم - وأنا في طليعتهم - لعدم اهتمامهم بإحياء لغتهم ونشر تاريخها وآدابها ليقف عليها الرأي لأدبي العام في الشرق خاصة وفي العالم عامة.
قل لي بربك من يدري أن في (رواندوز) مجلة نصف شهرية لها مطبعة واسمها (زار كرامانجي) أي (لغة الكرمانج - أو الكرد) وقد أصدرت هذه المجلة عدة كتب تاريخية في تاريخ الكرد وترجمت عدة كتب اجتماعية إلى اللغة الكردية وطبعت بضعة دواوين شعر لمشاهير الشعراء؟ من يدري بكل ذلك من قراء العربية إذا يقم أديب كردي ويترجم بحثا من تلك المجلة أو فصلا من كتاب تاريخي أو كتاب أدبي أو قطعة من الشعر. فاللوم في هذه الحالة يتوجه إلى شبان الأكراد أنفسهم لا إلى غيرهم.
أجل ليس العهد ببعيد عندما كان الناس يعتقدون أو يصفون اللغة الكردية لأنها (رطانة خشنة) وأنها لغة دارجة من اللغة الفارسية، لا يفهمها إلا فريق من الناس - وهم الكرد أنفسهم - الذين يتكلمون بها طبيعة كما أن البعض من الناس أو المتتبعين كانوا يعتقدون بأنها (لغة مصطنعة - تشعبة -) مركبة من كلمات فارسية، وعربية، وتركية، وأرمنية. أما الحقيقة فليست هذه ولا تلك (أي) أنها ليست بلغة متشعبة من هذه اللغات ولا (رطانة غير مفهومة) وإنما هي لغة مستقلة بذاتها كما سيأتي البحث.
تاريخ اللغة
كان الماذيون والفرس القدماء يتكلمون بلغتين مختلفتين فالماذيون لسانهم الماذي أو الافستي والفرس كانوا يتكلمون بلغة فارس القديمة وهاتان اللغتان تباعدتا معنى ومبنى واصطلاحا أحدهما عن صاحبتها بمرور الدهور إلى أن أصبحت اللغة الواحدة لا تشبه الأخرى وبتعبير اصح أصبحت لغة مستقلة بذاتها. وكما أن اللغات الأوربية اضطرت إلى قبول الكلمات اللاتينية وإدخالها في لغتها الخاصة - كالإنكليزية القديمة لغة الانكلوسكسون والإنكليزية الحديثة اليوم الطافحة بالكلمات اللاتينية - كذلك اللغة الفارسية لم تر بإدخال الكلمات العربية في لغاتها وأقول: إنما اضطرت بحكم السيف أن تخضع للعرب حتى في لغاتها وبرهنت عن عجز في لغتها أمام لغة القرآن. ولم تكن اللغة الكردية - (الماذية) أقل احتياجا من اللغة الفارسية إلى العربية فقبلت الكلمات العربية ولكن على قواعد صرفية
ونحوية نختلف عن قواعد اللغة الأولى وإذا كنا نجد بين اللغة الكردية كلمات فارسية فليس ذلك دليلا على أن اللغة الكردية خالية من لفظة تدل على أن اللغة الكردية الأدبية مستقلة تمام الاستقلال عن شقيقتها اللغة الكردية الدارجة عن اللغة الفارسية الفصيحة.
وإذا الباحث في آداب اللغة الكردية في بضعة أعوام يقضيها بين الجبال الكردية المنيعة ومطالعة دواوين شعراء الأكراد وكتب الأدب الكردي يتحقق أن هناك لغة كردية رئيسية لا تشوبها شائبة مركزها وسط كردستان وهي أساس لسائر اللغات الكردية المتشبعة في سائر الأقطار الكردية ككردستان الشمالية وكردستان الجنوبية.
ويظهر من التغيرات التي طرأت على البلاد التي يقطنها أكراد محض، أو تكون أكثريته الساحقة منهم خلال الألفي عام المنصرمين أن الوطن الكردي كان يمتد من أرمية وبحيرة (وان) إلى جبال الرافدين وجبال زقر (زاغروس) نحو الجنوب ومن الشمال موطن العشائر اللورية أو عشائر كوران القديمة وعشيرة اردلان
الكرديتين. ففي تلك الديار كانت لغة الكرمانج هي السائدة وهي اللغة الوطنية أو المحلية وتدعى أيضاً (كردماك) وعندما تقلصت سيادة الحكومة التي تحكم هذه الأصقاع ولى هذا القوم المحارب وجهة شطر الشمال والغرب وهم لا يزالون حتى يومنا هذا يتوسعون في بلادهم حتى إلى ما وراء بايزيد. (وكانت بايزيد تحت حكم الأمراء الأكراد مئات من السنين) وارضروم وأذربيجان حتى جبال حلب.
هذا ما رواه المسيو أوجين ولهام في كتابه المار الذكر (لسان الكرد) وهو موافق لموقع بلادهم. وكلما سرنا نحو الشمال نجد الأكراد يغدون نوعا ما رحلا غير حضر مع ما فيهم من شديد الرغبة في التحضر في القرنين المنصرمين. وفي بداوتهم يكونون سبب (فزع ورعب) لمجاوريهم إذ يرون متأهبين للقتال فيخوضون معامعه لأول حركة فكأن الواحد منهم جندي لكنه غير نظامي.
ويقول نقول المستر صون في كتابه (اللغة الكردية وقواعدها) ما ملخصه:
وعندما نقول الحقيقة ونذكر أن هذه العشائر كلها تتكلم الكرمانجية وهي اللغة الكردية فيجب أن لا نغفل أن ذكر القبائل الأخرى التي تعيش بين تلك العشائر الكردية وأصبحت تدعى بالقبائل الكردية - غير الكرمانجية) - وأهم هذه القبائل قبيلة (الزازة) وهي قبيلة كبيرة
ذات فروع جمة في وسط كردستان وغربيه.
ويزعم النظريون أن الزازة قد تكون متشعبة من قبيلة زرادشت الفارسية وهنالك قبيلة أخرى تجدها في ايالة درسم التركية وتسكن بين القبائل الكردية الأخرى وبين قبيلة الزازة وهي قبيلة (بالكي) ولغتها تكاد تكون لغة خاصة بها وهي مزيج من الكردية والعربية والأرمنية. وربما كانت أيالة هكاري ومكري (وزان كردي) من الكرد الصميم والأولى حاملة لواء الأدب الكردي في الغابر فلقد أنجبت هذه الايالة أدباء لا تزال آثارهم محتفظة بقيمتها الأدبية وإن مرت عليها بضعة عصور تقادم عهدها. وإذا ما بحثنا عن أدباء الأكراد والأدب الكردي في العصور الوسطى نجد (علي الهكاري) في طليعتهم فلقد نشأ هذا في مقاطعة (شميدينان. من أيالة هكاري في القرن الحادي عشر