الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسئلة وأجوبة
الألسنية
س - بغداد - ب. م. م - كتبتم في السنة الخامسة من مجلتكم (ص 335) تعليقة صغيرة على اصطلاح حضرة الأب الفاضل ا، س مرمرجي الدمنكي ناكرين عليه قوله (الألسنية السامية) تعريبا لقول الإفرنج:
فقلتم: (هذا من وضع الأب صاحب المقال ونحن لا نوافقه عليه) ولم تذكروا السبب، مع أن أمثال اصطلاحه كثيرة في لغتنا: من ذلك الداخلية والخارجية بتقدير الوزارة والنظارة وكقولنا: العربية والفرنسية بتقدير اللغة فحذف الموصوف واستغني عنه بالوصف. ثم النسبة إلى الجمع كثيرة الأمثلة أيضا ومنها: الملوكي والثيابي والدجاجي إلى غيرها وتعد بالمئات لا بالعشرات. - إذن لماذا أنكرتم على الأب اصطلاحه؟ أفلا يقال ما قال أو يقول، فما هي أسبابكم؟
ج - لا يقال (الألسنية) بالمعنى الذي أشرتم إليه (ولا يمكن أن يقال) بل ولا يخطر على بال ابن عربي أو ناشئ في بيئة عربية. والسبب هو هذا: (انك إذا أضفت (أي نسبت) إلى جمع أبدا، فانك توقع الإضافة (أي النسبة) على واحدة الذي كسر عليه ليفرق بينه إذا كان اسما لشيء واحد وبينه إذا لم ترد به إلا الجمع فمن قول العرب في رجل من القبائل قبلي (مثل سببي) وقبلية (مثل سببية) للمرأة). . . (عن سيبويه بحرفه 88: 2 من طبعة مصر) على انهم قد أجازوا الإضافة أو النسبة إلى الجمع. لكن متى؟ في عدة موطن اشترطوا فيها شروطا عدة ومن جملتها هذا الشرط (أن يكون وزن الجمع له نظير في (كثير من المفردات)(عن شرح الطرة ص 305) والحال أن (الألسن) على وزن افعل بفتح الأول وضم الثالث. ولم يرد هذا الوزن في العربية كلها سوى
حرفين وهما: إصبع وأنملة على لغة من ينطق بها. ولهذا يمتنع أن يقال: (الالسني) بتاتا.
هذا من جهة النسبة إلى الألسن. وهناك سبب آخر يمنع اتخاذ الألسنية بالمعنى المطلوب في الإفرنجية وذلك أن الموصوف لا يحذف إلا إذا كان هناك قرينة هي كثرة الاستعمال أو
شهرة الموصوف أو نحو من الألفاظ التي أشرتم اليها، والا جاز حذف الموصوف في كل موطن لقلنا: الدمنكي وأنت تريد الأب أ. س. مرمرجي مع الدمنكي يدل على راهب اتخذ طريقة القديس دمنك (أي عبد الأحد).
نعم يقال الدمنكي وتريد به الأب المشار إليه وذلك إذا جاء المذكور مثلا في بلدة ليس فيها أحد من اخوته فتتكلم عنه في بادئ الأمر فتسميه باسمه الحقيقي ثم إذا أتاح لك الحظ أن تشير إليه في كلامك مرارا عديدة فحسبك حينئذ أن تقول الدمنكي وحده فيفهم الناس الراهب الذي تعنيه. إذن ترى من هذا أن الموصوف يحذف وتنوب عنه الصفة، إذا كان هناك ما يدل على حذفه. أما أنه يحذف حيثما يراد فهذا لم يرد في كلامه السلف والوهم فيه لا يخفى على بصير.
ولعلك تريد أن اذكر لك علة ثالثة لامتناع هذه التسمية. فدونكها؛ أن الألسنية لا تفيد المعنى الإفرنجي، بل حتى قولك المقابلة الألسنية، لان هذا الاصطلاح يناظر قولهم: لا غير. فإذا سلمنا أن ما اصطلح عليه الأب المحترم يقلبه ومعه بعضهم، فما الذي يقوله في التعبير الإفرنجي الذي ذكرناه له؟ فلعله يقول:(المقابلة اللسانية) لكن المقبلة اللسانية والمقابلة الألسنية في لغتنا لا تفيدان إلا مفادا واحدا من جهة صميم المعنى. إذن لم يبق فرق بين التعبيرين الإفرنجيين فينجم من هذا التعريف عوار، بل شنار، لا بل تشويه فظيع. وقانا الله شرهما.
وعندنا أن ما يقابل ما سماه الأب (الدمنكي)(الألسنية السامية) هو: (مقابلة أسرار الألسن السامية) فهذه أربع كلمات تقابلها خمس في الإفرنجية وتعبيرها أدل من تعبيرهم. والمفهوم واحد. فالفيلولوجية لا يرادفها عندنا في لساننا إلا (اسرر اللغة) لا غير. فافهم ولا تغتر بظواهر الأدلة.
لحم البقر
منها ومنه - وذكرتم في تعليقه أخرى على مقال الأب مرمرجي المحترم أن كلمة (لحم) هي عندكم بمعنى (خبز) فانتقلت بصورة (لقم) العربية لان الخبز يكثر في طعام الناس ثم سموا ما يدخل الفم (لقما) من باب التوسع إلى آخر ما قلتم إدعاما لرأيكم هذا.
على أن مدلول (لحم) هو (القوت) مطلقا. فيكون معنى بيت لحم: بلد القوت أو الأرض
المخصبة كما يؤيد ذلك مرادفها (افراثة) التي معناها المخصبة، فهذا التأويل لا يتفق وتأويلكم. فما رأيكم الأخير؟
ج - تأويلنا أوسع نطاقا ما ذهب إليه حضرة الأب مرمرجي المحترم. لأننا أولنا اللحم واللقم يدل على كل ما يؤكل بقلا كان أو حبا، مطبوخا كان أو غير مطبوخا. فإذا كان كذلك، جاء معنى بيت لحم: بلد اللقم أي بلد كل ما يؤكل. وهذا لا يكون إلا في البلد الخصب وهو يوافق معنى افراثة أكثر من قولنا بلد القوت. لان القوت خاص بما يغذي من الأطعمة ولما كان المأكول قد غير مغذ لم يفد فائدة اللقم إذ اللقم يقع على كلا المعنيين: المغذي وغير المغذي.
أما أنه قد يخصص فيكون بمعنى الخبز فباب التخصيص لا تخلو منه مادة من مواد العربية. وهذه مادة ل ق م نفسها فانك ترى فيها: اللقم (بالتحريك) ويراد به معظم الطريق. وما ذلك إلا لان وسط الطريق يتلقى أرجل المارين على اختلاف أنواعهم كما يتلقى الفم الأطعمة فجعل لمعنى الطريق معنى خاص وذلك على هذا الوجه الذي أشرنا إليه من باب التخصيص إذ من بعد اكانت المادة تعني إدخال الشيء في الفم نقلت إلى الطريق لما هناك من عمل يشبه عمل الفم.
وبعد هذا الشرح ترانا في سعة عن العودة إلى البحث مرة ثانية. لأنه إذا كان الكلام لا يقنعكم، فلا يقنعكم وجود الشمس في رائعة النهار حين تصرون على القول بأن الظلمات ضاربة إطنابها في وقت يقول لكم الناس الخلاف.
على أننا إذا رأينا من يفند أقوالنا تفنيدا منطقيا علميا بلا تهويل وشقشقة فلا نبطئ في أن نسلم لغيرنا الحق إذا ظهر لنا ولغيرنا معا.