الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: الإبرادِ بالظُّهرِ في شدَّة الحرِّ
375 -
(533 و 534) - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَنَافِعٌ مَوْلَى عبد الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؟.
(كَيسان): بفتح الكاف.
[(فأبرِدوا بالصلاة (1)): الفعل -بقطع الهمزة وكسر الراء-؛ أي: أخروها عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، يقال: أبردَ: إذا دخل في وقت البرد (2)؛ كما يقال: أظهر، وأَصْحَر، والباء للتعدية، فالمعنى: ادخُلوا الصلاة في البرد.
* * *
376 -
(535) - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ: سَمِعَ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، فَقَالَ:"أَبْرِدْ أَبْرِدْ". أَوْ قَالَ: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ".
وَقَالَ: "شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ". حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ.
(1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي رواية:"فأبردوا عن الصلاة"، وهي المعتمدة في النص.
(2)
في "م" و"ع" و"ج": "دخل وقت البرد".
(محمَّد بن بشار (1)): بموحدة وشين معجمة.
(غُنْدَر): بضم أوله وفتح ثالثه، وقد مر.
(عن المهاجِر): على زنة اسم الفاعل؛ من هاجر.
(أذن مؤذن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ): الزركشي: كذا وقع في هذه الرواية: أذن الظهرَ، وصوابه:"بالظهر"، أو "للظهر" كما روي (2) في الباب الذي بعد هذا، وكذا هو في مسلم (3)(4).
قلت: الرواية هذه صحيحة، ولها وجه صحيح، فالقطع بخطئها خطأ (5)، ووجهُها أن يكون الأصل: أذن وقتَ الظهر، فحذف المضاف الذي هو الوقت، وأقيم الظهرُ مقامه، ومثلُه جائز بلا شك، تقول: جئتك وقتَ صلاةِ العصر، وجئتك صلاةَ العصر (6).
فإن قلت: لكن ليس في هذا تعيينُ الصلاة التي أذن لها.
قلت: حُذف للعلم به؛ أي: أذن وقت الظهر لها (7)، ومن المعلوم
(1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي اليونينية:"ابن بشار"، وهي المعتمدة في النص.
(2)
"أو للظهر كما روي" ليست في "ع".
(3)
رواه مسلم (616).
(4)
انظر: "التنقيح"(1/ 181).
(5)
"خطأ" ليست في "ن".
(6)
"وجئتك صلاة العصر" ليست في "ع".
(7)
في "ن": "يليها"، وفي "ع":"بها".
أنَّه لا يؤذن في وقت الظهر (1) لغيرها من الصلوات] (2).
(فأبردوا عن الصلاة): الزركشي: قيل (3): "عن" بمعنى الباء، وقد جاء مصرَّحًا به (4) في الرواية الأخرى، وقيل: زائدة، يقال: أبرد بكذا (5): إذا فعله في برد النهار (6).
قلت: ضعفُ الثاني ظاهرٌ، وأَولى من الأول أن يضمن أبردوا معنى: تصحَّروا؛ أي: إذا اشتد الحُر، فتأخَّروا عن الصلاة مُبرِدين، أو أبرِدوا متأخِّرين عنها، وقد مرَّ لنا أن حقيقةَ التضمين أن يُقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخرَ يناسبه (7)، ووعدنا هناك بكلام فيه.
فنقول: قد استُشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي، فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر، فلا دلالة على معناه (8) الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمعُ بين الحقيقة والمجاز.
وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حالٍ مأخوذٍ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه، ومنه قوله تعالى:
(1) في "ن": لا يؤذن للصلاة في وقت الظهر.
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "ج" وذلك من قوله: "فأبردوا بالصلاة"(ص: 158).
(3)
"قيل" ليست في "ج".
(4)
"به" ليست في "ع" و"ج".
(5)
في "ن" و "ع": "كذا".
(6)
انظر: "التنقيح"(1/ 181).
(7)
في "ع": "مناسبة".
(8)
في "ع": "معنى".
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]؛ أي: لتكبروه (1) حامدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبرين على ما هداكم.
فإن قيل: صلةُ المتروكِ تدل على زيادة القصد إليه، فجعلُه أصلًا، وجعلُ المذكورِ (2) حالًا وتَبَعًا أولى.
فالجواب: إن (3) ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة، لا (4) على زيادة القصد إليه؛ إذ لا دلالة بدونه (5)، فينبغي جعلُ الأولِ أصلًا، والتبعِ حالًا.
* * *
377 -
(537) - "وَاشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".
(واشتكت النَّار إلى ربها): اختُلف هل هذه الشكاة حقيقة بكلام، أو هي مجازٌ عُبِّر فيه بلسان الحال عن لسان المقال؛ كقوله:
شكا إليَّ جملي طولَ السُّرى
قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي: وإذا قلنا بأنه حقيقة، فلا يحتاج
(1) في "ج": "لتكبروا".
(2)
في "ن": "في جعل المذكور".
(3)
في "ع": "إذًا".
(4)
في "ع": "إِلا".
(5)
في "ع": "فلا زيادة بدونه".
إلى أكثر (1) من وجود الكلام في الجسم، أما في:"تَحَاجَّتِ (2) النَّارُ وَالجَنَّةُ"(3)، فلا بدَّ من وجود العلم مع الكلام؛ لأن المحاجَّة تقتضي التفطن لوجه الدلالة.
(فأذن لها بنفسين: نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف): بالجرِّ فيهما على البدل، وفيه من البديع: التوسيعُ (4)؛ مثل: "يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ فِيهِ (5) خَصْلَتَانِ: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ"(6).
(أشدُّ ما تجدون من الحُر، وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير): بجر "أشدَّ" في الموضعين على البدل، وبالرفع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، وجُوز فيه النصبُ على أن يكون مفعولًا بـ "تجدون" الواقعِ بعدَه، وفيه بُعد (7).
* * *
(1) في "ج": "كثر".
(2)
في "ع": "محاجة".
(3)
رواه البُخَارِيّ (4569)، ومسلم (2846)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في "ن": "التوسع".
(5)
في "ن": "معه"، وفي "ع":"منه".
(6)
رواه مسلم (1047) عن أنس رضي الله عنه بلفظ: "يهرمُ ابنُ آدمَ وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر".
(7)
قلت: وهذا كله على رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت التي اعتمدها المؤلف هنا، ووقع في "اليونينية":"فهو أشد".