الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنين): جمع سَنَة، والمراد بها (1) هنا: زمنُ القحط.
(كسني يوسف): بإسقاط النون للإضافة؛ جريًا على اللغة الغالبة فيه، وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم.
* * *
باب: فضلِ السُّجودِ
517 -
(806) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثيُّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:"فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا، فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يتبعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيقُولُ: أَناَ رَبكُّمْ، فَيقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأتِيَنَا رَبنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ، فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَاني جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرسُلُ، وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ
(1)"بها" ليست في "ج".
شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعبد الله، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تأكلَ أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تأكله النَّارُ إِلَّا أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَب عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَينبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ! فَيُعْطِي اللهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِف اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ، رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ! قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللهُ لَهُ: أليْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَيثِاق، أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كنْتَ سَألْتَ؟ فَيقُولُ: يَا رَبِّ! لَا أكَونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَه؟ فَيقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ! لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرتهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيقُولُ اللهُ: ويحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ! أليْسَ
قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ، أَنْ لَا تَسْأَلَ غيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللهُ عز وجل مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ: تَمَنَّ، فَيتمَنَّى، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيتُهُ، قَالَ اللهُ عز وجل: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَوْلَهُ: "لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أبو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ".
(تَمارَون): قال الخطابي: أي: تتمارون من المرية، وهي الشك، فيكون بفتح التاء والراء (1) جميعًا (2).
وقال السفاقسي: الذي ضبطناه بضمها (3).
(فليتَبِعْه (4)): روي بتشديد التاء المثناة من فوق وكسر الموحدة، وبتخفيف (5) المثناة وفتح الموحدة.
(1) في "ع": "بفتح الراء والواو".
(2)
انظر: "أعلام الحديث"(1/ 523).
(3)
في "ن": "بضمها"، وفي "ج":"الضم". وانظر: "التنقيح"(1/ 220).
(4)
كذا: في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية:"فليتبع" وهي المعتمدة في النص.
(5)
في "ن": "وتخفيف".
(هذا مكانُنَا): -بالرفع- على أنه خبر "هذا".
(أول من يجوز): وفي رواية: "يُجيز"، وهي لغة في جاز، يقال: جاز، وأجاز، بمعنى؛ أي: يقطع مسافةَ الصراط.
قلت: وعلى الثانية جاء قولي في خطبة (1) هذا التعليق: أول من يجيز، واخترتها على يجوز؛ لمكان المناسبة وإيهام التورية بألفاظ المحدثين.
(السَّعدان): -بفتح أوله -: نَبْتٌ له شوكٌ، من جيد مراعي الإبل، يضرب به المثل: مرعىً (2) ولا كالسعدان.
(تخطَف): بفتح الطاء في الأفصح، ويجوز كسرها (3).
(يوبق): قال ابن قرقول: بموحدة؛ أي: يهلك.
قال (4) الطبري: بمثلثة، من الوثاق (5).
(يُخردل): -بخاء معجمة ودال مهملة-؛ أي: تُجعل أعضاؤه (6) كالخردل.
قال الزركشي: وعن (7) أبي عبيد بإعجام الذال، والأصيلي:
(1) في "ع": "تخطئة".
(2)
في "ج": "مراعًا".
(3)
في "ع": "في الأصح، وكسرها جائز".
(4)
في "ن" و"ع": "وقال".
(5)
انظر: "التنقيح "(1/ 221).
(6)
في "ج": "عضوه".
(7)
في "ج": "عن".
بالجيم؛ بمعنى: الإشراف: على الهلاك (1).
(وحرم الله على النار أن تأكل أثرَ السجود): وهذا (2) مما يشهد للترجمة (3) على فضل السجود، واستشهد له ابن بطال بقوله عليه السلام:"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ إِذَا سَجَدَ"(4). وهو واضح.
قال (5): ولُعِنَ إبليسُ لإبائِه عن السجود لعنةً أَبْلَسَهُ بها، وأَيْئَسَهُ (6) من رحمته إلى يوم القيامة (7). واعترضه ابن المنير: بأن السجود الذي أمر به إبليس (8) لا تعلم هيئته ولا تقتضي اللعنة اختصاصَ السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا: فإبليسُ إنما استوجبَ اللعنةَ بكفره؛ حيثُ جحدَ ما نصَّ اللهُ عليه (9) من فضل آدم، فجنح إلى قياسٍ فاسدٍ يعارض به النصَّ، ويكذِّبه، فلعنه (10) الله.
(امتحشوا): ضبطه القاضي عن المتقنين بالبناء للفاعل، وروي:
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 221).
(2)
في "ن" و "ع": "هذا".
(3)
في "ج": "مما يدل على الترجمة".
(4)
رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
"قال" ليست في "ن".
(6)
في "م" و "ج": "لعنة أنكسه بها أَيْئَسَهُ".
(7)
انظر: "شرح ابن بطال"(2/ 423 - 424).
(8)
"إبليس" ليست في "ن" و "ع".
(9)
في "ن": "له عليه"، وفي "ع":"الله تعالى له عليه".
(10)
في "م": "لعنه".
بالبناء للمفعول؛ أي: احترقوا، وقال الداودي: معناه (1): انقبضوا واسودوا (2).
(الحِبة): بحاء مهملة (3) مكسورة، وقد مر في العلم.
(قَشَبَني): أي: سمني؛ وكل مسمومٍ قشيبٌ.
قال الزركشي: هو بقاف وشين وباء موحدة مفتوحات (4).
قلت: ظاهره أن الشين مخففة.
وفي "الصحاح": وقَشَبَني ريحه (5) تقشيبًا؛ أي: آذاني؛ كأنه قال: سَمَّني ريحُه (6)(7).
(وأحرقني ذَكاؤها): -بفتح الذال المعجمة والمد (8) -؛ أي (9): لهيبُها (10).
قال النووي: والأشهرُ في اللغة القصر (11).
(1) في "م" و"ج": "معنى".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 374).
(3)
في "م": "بمهملة".
(4)
انظر: "التنقيح"(1/ 221).
(5)
في "م" و "ج": "بريحه".
(6)
في "ع": "بريحه".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 202)، (مادة: قشب).
(8)
"المعجمة" ليست في "م".
(9)
"أي" ليست في "ن".
(10)
في "ن" و "ع": "لهبها".
(11)
انظر: "شرح مسلم" له (3/ 23).
(هل عسِيت): بكسر السين، ويجوز فتحها.
(إن): حرف شرط.
(فُعِلَ): مبني للمفعول.
(أن تسأل): بالنصب بأن المتقدمة.
وقال (1) الزركشي: بفتح أن المخففة (2).
قلت: لو عبر بالخفيفة (3)، لسلم من إيهام إرادة المخففة من الثقيلة.
(أليس قد أُعطيتَ): اسمُ "ليس" ضميرُ الشأن.
(فيضحك الله): معناه عند العلماء: الرضا، لا ضحكٌ بلهواتٍ، وتعجبٍ كما (4) هو منا، وسيأتي في كتاب: الاعتصام إن شاء الله تعالى ما يرفع مشكلات هذا الحديث (5).
(1) في "ع": "قال".
(2)
انظر: "التنقيح"(1/ 222).
(3)
في "ع": "بالحقيقة".
(4)
"كما" ليست في "ج".
(5)
قلت: لا إشكال في هذا الحديث وأمثاله على مذهب السلف المثبتين لهذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة بنص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية؛ لأنهم ينفون مشابهة صفات الخالق لصفات المخلوق، ويسلِّمون أمرها إلى الباري سبحانه وتعالى، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ثم إن الإشكال وارد عند هؤلاء العلماء الذين فسَّروا الضحك بالرضا؛ فإنهم يقولون رضا لا كرضا المخلوقين، فلو أنهم قالوا: ضحك لا كضحك المخلوقين؛ لسلِموا وسلَّموا، ولعله يأتي في كتاب الاعتصام زيادة بيان في هذا، والله أعلم.