الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقدّم غير مراد في التّكليف، وإنّما المراد ما جيء به آخرا، فالأوّل غير معمول به، والثّاني هو المعمول به.
وهذا المعنى جار في تقييد المطلق، فإنّ المطلق متروك الظّاهر مع مقيّده، فلا إعمال له في إطلاقه، بل المعمل هو المقيّد، فكأنّ المطلق لم يفد مع مقيّده شيئا، فصار مثل النّاسخ والمنسوخ.
وكذلك العامّ مع الخاصّ، إذ كان ظاهر العامّ يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللّفظ، فلمّا جاء الخاصّ أخرج حكم ظاهر العامّ عن الاعتبار، فأشبه النّاسخ والمنسوخ، إلّا أنّ اللّفظ العامّ لم يهمل مدلوله جملة، وإنّما أهمل منه ما دلّ عليه الخاصّ، وبقي السّائر على الحكم الأوّل.
والمبيّن مع المبهم كالمقيّد مع المطلق.
فلمّا كان كذلك استسهل إطلاق لفظ (النّسخ) في جملة هذه المعاني؛ لرجوعها إلى شيء واحد» (1).
المبحث الثاني: ثبوت النسخ في الكتاب والسنة
النّسخ واقع في نصوص الوحي بدلالة الكتاب والسّنّة، فمن أدلّة ذلك من كتاب الله تعالى ما يلي:
1 -
قوله عز وجل: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ
(1) الموافقات، للشّاطبيّ (3/ 108 - 109).
مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106].
هذه الآية برهان صريح على وقوع النّسخ في القرآن، بمعنى الإزالة والتّبديل، وذلك بأن ينزل الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم آية على خلاف آية نزلت قبلها، تغيّر حكمها إلى حكم جديد، هو أرفق بالنّاس أو أعظم لهم ثوابا وأفضل عاقبة ممّا كان لهم قبل ذلك.
كما في الآية دليل على إمكان نسخ الآية بوحي سواها، دون أن يكون ذلك الوحي قرآنا يتلى.
فإن قلت: فأين توجدنا ذلك فيها؟
قلت: في قوله عز وجل: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، ولم يقل:
(نأت بآية خير منها أو مثلها).
فإن قلت: لكن كيف يكون شيء غير الآية خيرا منها أو مثلها؟
قلت: التّفاضل بين الآيات ليس من جهة ألفاظها، فجميع ذلك كلام الله، وإنّما من جهة ما فيها من الشّرائع والأحكام بالنّسبة للمكلّف، فالأحكام هي الّتي تتفاضل فيكون بعضها خيرا من بعض، فإذا عادت الخيريّة إلى الأحكام دون اعتبار صيغتها ولفظها، فقد صحّ النّسخ بكلّ ما ثبت أنّ الله تعالى أوحاه لنبيّه صلى الله عليه وسلم.
فحاصل المعنى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بوحي خير منها أو مثلها)، وحيث صحّ نسخ الوحي بوحي خير منه للعباد، صحّ نسخه
بوحي مثله في درجته.
وهذا يدلّ على أنّ النّسخ كما يكون في القرآن، فإنّه يكون في
السّنّة، إذ تساويا في كونهما وحي الله وتنزيله، القرآن بلفظه ومعناه، والسّنّة بمعناها، كما يحقّق ذلك عموم قول الله تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى 2 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 4 عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى 5 [النّجم: 2 - 5]، وقول الله عز وجل: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وعموم الآيات الآمرة بطاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم، والنّصوص النّبويّة تواترت في هذا المعنى، ومن صريح ذلك حديث المقدام بن معدي كرب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك شبعان على أريكته يقول:
عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم الحمار الأهليّ، ولا كلّ ذي ناب من السّباع، ولا لقطة معاهد إلّا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه» (1).
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (28/ 410 رقم: 17174) وأبو داود (رقم:
4604) وابن نصر في «السّنّة» (رقم: 244، 403) والطّبراني في «الكبير» (20/ رقم: 668، و 20/ رقم: 670) وغيرهم، من طرق عن حريز بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عوف، عن المقدام، به.
قلت: وإسناده صحيح، وله طرق غير هذا.
وكان إمام أهل الشّام التّابعيّ حسّان بن عطيّة يقول: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسّنّة، كما ينزل عليه بالقرآن، فيعلّمه إيّاها كما يعلّمه القرآن (1).
فكأنّه يعني قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى 5 وهو جبريل عليه السلام.
أمّا معنى قوله: أَوْ نُنْسِها فهو من الإنساء، وهو رفع الله عز وجل لها من الصّدور، كما قال الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى: 6 - 7]، وقد ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد قرأ قرآنا ثمّ أنسيه، وأقرأ أصحابه قرآنا فأزاله الله من صدورهم بقدرته.
ومن الدّليل على صحّة ذلك ما حدّث به أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن رهط من الأنصار من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنّه قام رجل منهم في جوف اللّيل يريد أن يفتتح سورة قد كان وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فأتى باب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين أصبح، يسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثمّ جاء آخر، وآخر، حتّى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا: ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السّورة، ثمّ أذن لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأخبروه خبرهم وسألوه عن السّورة،
(1) أثر صحيح. أخرجه الدّارميّ في «مسنده» (رقم: 594) وابن نصر في «السّنّة» (رقم: 102، 402) وإسناده صحيح.
فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا، ثمّ قال:«نسخت البارحة» ، فنسخت من صدورهم ومن كلّ شيء كانت فيه (1).
وكان الحسن البصريّ يقول في هذه الآية ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها: أقرئ- يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرآنا ثمّ نسّاه، فلم يكن شيئا، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه (2).
فهذا أولى ما قيل في معنى هذه اللّفظة، ويأتي لهذا مزيد استدلال.
(1) حديث صحيح. أخرجه الطّحاويّ في «شرح المشكل» (5/ 272 رقم: 2035) والبيهقيّ في «دلائل النّبوّة» (7/ 157) وابن الجوزيّ في «نواسخ القرآن» (ص: 110 - 111) والواحديّ في «الوسيط» (1/ 189) من طريق أبي اليمان، قال: حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزّهريّ، حدّثني أبو أمامة، به.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
تابع شعيبا: يونس بن يزيد الأيليّ، عن الزّهريّ، قال: حدّثنا أبو أمامة بن سهل ونحن في مجلس سعيد بن المسيّب، لا ينكر ذلك، أنّ رجلا، فذكره ولم يذكر «الرّهط» .
أخرجه الطّحاويّ (رقم: 2034) وابن الجوزيّ (ص: 111 - 112).
وكذلك أخرجه أبو عبيد في «النّاسخ والمنسوخ» (رقم: 17) من طريق عقيل بن خالد ويونس الأيليّ، كرواية الطّحاويّ الأخيرة.
وهذا لا يضرّ، من أجل أنّ شعيبا ثقة متقن، ومن جهة أخرى فإنّ أبا أمامة صحابيّ صغير، ولد في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن جهة ثالثة: إقرار سعيد بن المسيّب له على ما حدّث به.
(2)
أثر صحيح. أخرجه ابن جرير (1/ 475، 476) وإسناده صحيح.
وعلى القراءة الأخرى: نُنْسِها من النّسء، وهو التّأخير، والمعنى على ما تقدّم ذكره في المبحث السّابق عن الزّركشيّ.
2 -
وقوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ 101 قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ 102 [النّحل: 101 - 102].
قال مجاهد: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ رفعناها فأنزلنا غيرها.
وقال قتادة: هو كقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها (1).
قلت: وهذه الآية دلّت بلا خفاء على ثبوت النّسخ في القرآن، وسكتت عن إمكانه في غيره من الوحي، لكن لك أن تستدلّ منها على وقوع النّسخ في السّنّة الّتي أوحاها الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى.
3 -
وقوله سبحانه: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرّعد: 39].
هذه آية عامّة فيما يشاء الله محوه وما يشاء إثباته، كمحو الذّنوب بالمغفرة، ومحو الحكم بإبداله بغيره، والآية بسواها، وعلم جميعه عنده سبحانه في كتاب، ما محا منه وما أثبت.
وعليه فيصحّ قول من فسّر هذه الآية بإدراج النّاسخ والمنسوخ فيها، كما
(1) صحيحان عن مجاهد وقتادة. أخرجهما ابن جرير في «تفسيره» (14/ 176) بإسنادين صحيحين.
روي عن ابن عبّاس (1).
وصحّ عن عكرمة مولى ابن عبّاس قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: ينسخ الآية بالآية فترفع، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ: أصل الكتاب (2).
وقال قتادة: قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ، هي مثل قوله:
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها، وقوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أي:
جملة الكتاب وأصله (3).
4 -
وقوله جلّ وعلا: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ [يونس: 15].
(1) فأخرج عنه ابن جرير (13/ 169) وأبو جعفر النّحّاس في «معاني القرآن» (3/ 502 - 503) وابن الجوزيّ في «نواسخ القرآن» (ص: 85 - 86) من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس:
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ قال: من القرآن، يقول: يبدّل الله ما يشاء فينسخه، وَيُثْبِتُ ما يشاء فلا يبدّله، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يقول: وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب: النّاسخ والمنسوخ، وما يبدّل وما يثبت، كلّ ذلك في كتاب.
قلت: وهذا الأثر ضعيف الإسناد، وإن كان معناه محتملا صحيحا.
(2)
أخرجه ابن الجوزيّ في «نواسخ القرآن» (ص: 86 - 87) بإسناد صحيح.
(3)
أثر صحيح. أخرجه ابن جرير (13/ 169) وإسناده صحيح.
وروي القول بنحو ذلك عن جماعة من السّلف غير من ذكرت.
ودلالة هذه الآية على المقصود في قوله: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي الآية، ففيها برهان على أنّ الله عز وجل هو الّذي يبدّل الآية بالآية، لا سبيل إلى ذلك إلّا بوحيه وتنزيله.
فهذه المواضع الأربعة في كتاب الله أدلّة على إثبات وقوع النّسخ في بعض ما أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم، خاصّة الموضعين الأوّلين، فهما من أبين شيء وأظهره لإثبات ذلك.
وقد تظافرت الرّوايات الثّابتة من جهة النّقل على أنّ النّسخ قد وقع لبعض القرآن والأحكام المنزلة، كما سيأتي التّمثيل بطائفة منه.
وتواتر عن أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر النّسخ والقول به.
كما ذهب إلى القول به عامّة أئمّة الإسلام من السّلف والخلف.
قال ابن الجوزيّ: «انعقد إجماع العلماء على هذا إلّا أنّه قد شذّ من لا يلتفت إليه» (1).
ولم يعرف إنكاره عن منتسب إلى العلم إلى القرن الرّابع، حين اشتدّ فشوّ البدع، وذلك بتأويل فاسد سآتي على ذكره في الشّبهات.
قال أبو جعفر النّحّاس: «من المتأخّرين من قال: ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتّبع غير سبيل المؤمنين» (2).
(1) نواسخ القرآن، لابن الجوزيّ (ص: 84).
(2)
النّاسخ والمنسوخ، للنّحّاس (ص: 40)، وانظر:«الفقيه والمتفقّه» للخطيب البغداديّ (1/ 332)، و «إحكام الفصول» للباجي (ص: 324) و «المسوّدة» لآل تيميّة (ص: 175).
ورأى بعض العلماء أنّه لم يخالف في ثبوت النّسخ أحد من أهل الإسلام، وأنّ ما نسب إلى بعض المتأخّرين فهو على ندرته خلاف منهم في اللّفظ لا في المعنى (1).
واعلم أنّ مبدأ النّسخ ثابت في شرائع الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، ولا تأتي شريعة رسول على الوفاق التّامّ لشريعة رسول آخر، كما قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: 48]، ونعلم أنّ الله تعالى نسخ بعض ما كان من الشّرائع في التّوراة برسالة عيسى عليه السلام، كما قال تعالى: وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران: 50]، ثمّ نسخ الله عن العباد ممّا كان شريعة في التّوراة والإنجيل، وذلك بما بعث به نبيّه محمّدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة، كما قال عز وجل:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الآية [الأعراف: 157].
(1) انظر ما حكاه ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» (4/ 70).
والّذي يشار إليه بذلك الرّأي من المتأخّرين، هو: أبو مسلم الأصفهانيّ، واسمه:
محمّد بن بحر، كاتب مفسّر معتزليّ، ولد سنة (254 هـ) وتوفّي سنة (322 هـ)، مترجم في «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 35) و «بغية الوعاة» للسّيوطيّ (1/ 59).
فإذا تبيّن هذا دلّ على أنّ النّسخ في نفس الشّريعة الواحدة ما دام الوحي ينزل جائز غير ممتنع.
وقد ذكر جحد النّسخ في شرائع الله عن طائفة من اليهود، بشبهة أنّه يلزم من إثباته اعتقاد البداء (1)، وهذا من ضلالهم وجهلهم بالله وحكم أفعاله تبارك وتعالى.
وهذا الّذي فرّ منه اليهود بالجحد، وقعت فيه طائفة من باطنيّة الرّافضة الملاحدة، فنسبوا إلى ربّهم هذا الاعتقاد الفاسد (2)، تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا.
(1) البداء: ظهور الرّأي بعد أن لم يكن (التعريفات، للجرجانيّ، ص: 62).
وانظر: «الإحكام» لابن حزم (4/ 68)، و «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 462)، و «إحكام الفصول» للباجيّ (ص: 326).
وذكر هذه العقيدة عن هذه الطّائفة من اليهود جاء في مواضع عديدة، منها:
«الفصل» لابن حزم (1/ 180 - 181)، «الملل والنّحل» للشّهرستانيّ (ص: 178).
(2)
ذكرت هذه العقيدة عن المختار بن أبي عبيد الثّقفيّ الكذّاب الّذي ادّعى النّبوّة، كما في «الملل والنّحل» للشّهرستانيّ (ص: 118 - 119)، وحكاها طائفة من العلماء عن الرّافضة، فانظر:«مقالات الإسلاميّين» للأشعريّ (1/ 109، 2/ 153)، «البرهان» للجوينيّ (2/ 1295، 1300)، «المستصفى» للغزّاليّ (ص: 131)، «شرح المنار» لابن الملك (2/ 710)، «المسوّدة» لآل تيميّة (ص: 185).
وفي بيان فساد هذه العقيدة انظر: «الواضح» لابن عقيل (4/ 198 - 203، 239 - 240)، «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 469)، «الإحكام» للآمديّ (3/ 109).