الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام، ولا تعرف مثل هذه الدّعوى عن منتسب إلى السّنّة والعلم.
قال الموفّق ابن قدامة: «وما كان جائزا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر، لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره، ولأنّ نسخ الأحكام إنّما يجوز في عصر النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ النّصّ إنّما ينسخ بنصّ مثله، وأمّا قول الصّحابيّ فلا ينسخ ولا ينسخ به، فإنّ أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يتركون أقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتركونها بأقوالهم» (1).
وممّا يجوز أن يرجع إلى اجتهاد الصّحابيّ قوله: (هذا النّصّ منسوخ) فليس له حكم المرفوع إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يقضى به على النّصّ، حتّى يذكر النّاسخ ويفسّر دعواه بما ينطبق ومعنى النّسخ، خاصّة مع ما تقدّم من إطلاق بعض الصّحابة النّسخ على تخصيص العامّ أو تقييد المطلق، أو شبه ذلك.
والقول بعدم قبول النّسخ بهذا الطّريق عليه جمهور العلماء (2).
2 - الإجماع
.
وليس المراد به ما اتّفق عليه المسلمون من نصوص الكتاب والسّنّة، فإنّ هذا الإجماع عائد إلى النّصّ، وإنّما يراد به: القول الّذي لا يعرف له مخالف.
(1) المغني في الفقه (9/ 531) قاله في مسألة (أمّهات الأولاد).
(2)
انظر: «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 532)، «المستصفى» للغزّاليّ (ص: 151)، «الإحكام» للآمديّ (3/ 181)، «إحكام الفصول» للباجيّ (ص: 360)، «المسوّدة» لآل تيمية (ص: 207).
والسّبب في عدم صحّة الاستناد إليه في النّسخ، أنّه ليس بحجّة بنفسه في التّحقيق (1)، ثمّ إنّه جاء بعد النّصّ (2).
وفي هذا إبطال لمذهب من قال بنسخ بعض النّصوص بالإجماع، كدعوى نسخ قتل شارب الخمر في الرّابعة (3)، وظنّ نسخ آية الاستئذان الّتي في سورة النّور: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ [الآية: 58]، وذلك بترك عمل النّاس بها (4).
ومن أفسد المقالات في هذه المسألة قول من قال: إنّ الإجماع على ترك
(1) انظر كتابي «تيسير علم أصول الفقه» (ص: 164).
(2)
انظر: «الواضح» لابن عقيل (4/ 317)، «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 531)، «روضة النّاظر» لابن قدامة (1/ 265)، «الإحكام» للآمديّ (3/ 161)، «إحكام الفصول» للباجيّ (ص: 361)، «المسوّدة» لآل تيمية (ص: 183)، «شرح المنار» لابن الملك (2/ 716).
(3)
والمراد به ما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاجلدوه، ثمّ إن شرب فاقتلوه» ، وهو حديث صحيح، ودعوى نسخه بترك العمل به اشتهرت عن الإمام التّرمذيّ صاحب «السّنن» ، حيث ذكر ذلك في كتاب «العلل» في آخر «جامعه» . وللعلّامة الشّيخ محمّد أحمد شاكر حول الحديث وما ذكر من دعوى النّسخ، بحث مفيد، جدير بالمراجعة، وذلك في تعليقه على «المسند» للإمام أحمد (9/ 40 - 70).
(4)
وهي آية محكمة، كما شرحت ذلك وبيّنت الخطأ في ظنّ نسخها في كتابي «أحكام العورات في الكتاب والسّنّة» .