الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: التدوين في التفسير
بعد التّابعين بدأ التّأليف والجمع في علم التّفسير، ولم يثبت وقوعه قبل ذلك، إنّما جمع تفسير بعض الصّحابة والتّابعين من قبل من
حمل ذلك من أتباعهم في نسخ وروايات، كما في «تفسير مجاهد» الّذي يرويه عنه ابن أبي نجيح (1)، ولا يصحّ أنّ ابن عبّاس أو مجاهدا أو غيره من التّابعين ألّفوا في التّفسير (2).
ومن أبرز من ألّف فيه من طبقة أتباع التّابعين:
عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم (3)، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وسفيان الثّوريّ (4)، وسفيان بن عيينة، وغيرهم.
(1) خرّج هذا التّفسير ابن جرير وابن أبي حاتم في «تفسيريهما» من طرق ثابتة.
أمّا التّفسير المطبوع المسمّى «تفسير مجاهد» فهذا مرويّ من طريق ضعيف لا يصحّ، فيه عبد الرّحمن بن الحسن بن أحمد الأسديّ، وكان غير ثقة، وأحسب أنّه لو جمع إنسان منثور تفسير مجاهد في الكتب لجاء أعظم من تلك الرّواية.
(2)
ونسب لابن عبّاس كتاب في التّفسير لا أصل له، كذلك جمع بعضهم بعض المنقول عنه وأفرده، وهذا لا يقال فيه: ألّفه ابن عبّاس. وسيأتي في الفصل التّالي ذكر الأسانيد المشهورة بالتّفسير عن ابن عبّاس، والتّنبيه على النّسخ المجموعة عنه فيه.
(3)
وتفسيره منثور في أمّهات كتب التّفسير، كتفسير ابن جرير، ويأتي في كثير من الأحيان (ابن زيد) منسوبا إلى أبيه، وهو رجل ضعيف.
(4)
وعنه رواية منشورة في مجلّد، وهي من طريق أبي حذيفة النّهديّ موسى بن مسعود، وهو صدوق من أصحاب الثّوريّ على لين فيه، ويحتمل منه التّفسير.
وبعد طبقة هؤلاء زاد المصنّفون فيه، فممّن تلاهم:
روح بن عبادة المتوفّى سنة (205 هـ)، وعبد الرّزّاق الصّنعانيّ المتوفّى سنة (211 هـ)(1)، وسنيد بن داود المتوفّى سنة (226 هـ)(2)،
وسعيد بن منصور المتوفّى سنة (227 هـ)(3)، وأبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة المتوفّى سنة (235 هـ)(4)، وعبد بن حميد المتوفّى سنة (249 هـ)(5)، وغيرهم.
وهؤلاء اعتنوا بجمع الأحاديث والآثار المنقولة بأسانيدها في التّفسير.
وفي طبقتهم طائفة من أعيان أئمّة العربيّة قصدوا إلى بيان عربيّة القرآن ومعاني ألفاظه في لسان العرب مستشهدين لذلك بشعرهم ونثرهم، منهم:
أبو زكريّا يحيى بن زياد الفرّاء المتوفّى سنة (207 هـ)(6)، وأبو عبيدة معمر بن المثنّى المتوفّى سنة (209 هـ)(7)، والأخفش أبو الحسن سعيد بن
(1) وتفسيره مطبوع متداول، وهو من رواية إسحاق بن إبراهيم الدّبريّ عنه، وهو صحيح عنه، والكلام حول إسناده في شرح يطول.
(2)
سنيد لقب له واسمه الحسين، وهو ضعيف جدّا لا يعتمد عليه، وقد خرّج تفسيره ابن جرير الطّبريّ ضمن «جامع البيان» ، ويذكره باسمه لا بلقبه.
(3)
وتفسيره كالجزء من «سننه» ، ومنه قطعة نشرت.
(4)
وتفسيره منثور في «الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ، ولا نعلم وجود نسخة منه.
(5)
كالّذي قبله.
(6)
وكتابه في ذلك «معاني القرآن» منشور.
(7)
وفيه كتابه «مجاز القرآن» ، منشور، وليست هذه التّسمية تعني (المجاز) الّذي يقابل (الحقيقة) في علم البلاغة، إنّما يراد به (غريب القرآن).
مسعدة البصريّ المتوفّى سنة (210 هـ)(1)، وأبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ المتوفّى سنة (276 هـ)(2).
ثمّ في أواخر المائة الثّالثة بدأ ظهور المصنّفات الجوامع في التّفسير، ومنها التي تستعمل جميع آلة المفسّر، من أثر ولغة ورأي، فمن أشهر المصنّفين فيه:
أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ المتوفّى سنة (310 هـ)(3)، وأبو بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر النّيسابوريّ المتوفّى سنة (318 هـ)(4)، وأبو محمّد عبد الرّحمن بن محمّد أبي حاتم الرّازيّ المتوفّى سنة (327 هـ)(5).
وفي المائة الرّابعة بدأ التّفسير بالرّأي يشيع، وكان وجوده قبل ذلك قليلا، وظهرت كذلك مشاركات بعض أهل البدع فيه على طرقهم في نصر
(1) وكتابه «معاني القرآن» منشور.
(2)
وله في ذلك «تفسير غريب القرآن» و «تأويل مشكل القرآن» ، منشوران، وهما مختصران نافعان جدّا.
(3)
وكتابه «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» كتاب فذّ لا نظير له في مضمونه فيما وصلنا من الجوامع في هذا العلم من مؤلّفات تلك الحقبة.
(4)
ولم نطّلع على تفسيره، لكن فيما يبدو أنّه كان شبيها بمنهجه في سائر كتبه، ككتاب «الأوسط» ، فقد قال الحافظ الذّهبيّ:«ولابن المنذر تفسير كبير في بضعة عشر مجلّدا، يقضي له بالإمامة في علم التّأويل» (سير أعلام النّبلاء 14/ 492).
قلت: وقد أورد السّيوطيّ في «الدرّ المنثور» منه الكثير جدا من الحديث والأثر.
(5)
وتفسيره مقتصر على جمع الحديث والأثر في التّفسير دون إعمال الرّأي فيه ولا التّنبيه على الجوانب اللّغويّة منه، لكنّه يعدّ من أجمع كتب التّفسير بالأثر، ومنه قطعة كبيرة منشورة.
آرائهم، كالمعتزلة، والشّيعة.
وفي هذا الوقت وبعده كثر التّصنيف في التّفسير، حتّى فاقت المصنّفات فيه الحصر، كما هو الشّأن في سائر الفنون، وتنوّعت فيه المسالك بين اختصار وتطويل، واتّباع وابتداع، وتوسّع النّاس فيه بالرّأي، بين محمود ومذموم، وإن أردت تمييز ذلك ممّا تقف عليه من تلك الكتب فحاكمها بما تقدّم شرحه من صفة المفسّر ومنهج التّفسير.
وآت في الفصل التّالي لهذا زيادة تمييز تعين على انتخاب أقرب تلك الكتب إلى تحقيق المنفعة بالقرآن، مع الوقاية من معاطب الرّأي وزلل أهله.
وجدير أن تعلم أنّه أفرد بالتّصنيف أبواب من التّفسير، كتفسير آيات الصّفات، وقصص القرآن، وآيات الأحكام، وغير ذلك.
وأبرزها تفسير آيات الأحكام، فقد لقي من التّحرير والتّهذيب ما لم يكن مثله لسائر الأبواب، ولا يخفى أنّ سببه ما ينبني عليه من تفاصيل الشّرائع العمليّة، فمن أعيان من صنّف فيه من الأقدمين:
القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكيّ المتوفّى سنة (282 هـ)(1)، وأبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطّحاويّ الحنفيّ المتوفّى سنة (321 هـ)، وعلى خطاه جرى أبو بكر أحمد بن عليّ الرّازيّ الجصّاص المتوفّى سنة
(1) وكتابه «أحكام القرآن» منه اقتباس كثير في الكتب، وقد قال فيه الذّهبيّ في ترجمته:«لم يسبق إلى مثله» (سير أعلام النّبلاء 13/ 340).
(370 هـ)(1)، وتلاهم في التّصنيف فيه كثيرون، وممّن ينبغي تخصيصه بالذّكر منهم: القاضي أبو بكر محمّد بن عبد الله الإشبيليّ المالكيّ المعروف ب (ابن العربيّ) المتوفّى سنة (543 هـ)(2)، وعلى كتابه بنى أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبيّ المتوفّى سنة (671 هـ) في تفسيره الكبير المسمّى «الجامع لأحكام القرآن» .
وللإمام الشّافعيّ في ذلك كتاب مجموع، جمعه الحافظ أبو بكر البيهقيّ من منثور كلامه (3).
…
(1) في كتابه «أحكام القرآن» ، وهو مطبوع، أمّا كتاب الطّحاويّ فلا نعلم شيئا عن وجوده، ثمّ بلغني أنّه طبع في تركيا، ولم أطّلع عليه.
(2)
في كتابه البديع «أحكام القرآن» ، وهو منشور متداول.
(3)
وهو منشور، ونسبة مضامينه للشّافعيّ صحيحة.