الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصحّ عن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، قال:«لا يقرأ الجنب القرآن» ، وعن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، سئل عن الجنب: أيقرأ القرآن؟ قال: «لا، ولا حرفا» (1).
فهذا وشبهه ممّا يحسن الانتهاء إليه ولا يجب؛ لأنّ الوجوب حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت هنا، وإنّما أقصى ما يفيده المنقول الثّابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو النّدب إلى ذلك.
أمّا الحائض، فأمرها أيسر من الجنب؛ لأنّ حيضتها ليست في يدها، وهي تجلس الأيّام لا تصلّي انتهاء عند نهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح أن تحجب فيها عن سائر الأعمال الصّالحة، دون أن يمنعها من ذلك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحيث علمت عدم ثبوت مانع يمنعها من قراءة القرآن، فيبقى حالها على الأصل في الجواز.
بل تأكّد لنا ذلك بأكثر من هذا الاستدلال، ومحلّ بيانه غير هذا الموضع.
المسألة الثّالثة: طهارة الموضع الّذي يقرأ فيه:
ينبغي لقارئ القرآن أن لا يقرأ إلّا في محلّ طاهر، تعظيما للقرآن؛ فإنّه أعظم الذّكر، وقد ثبت من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما:
(1) أمّا الرّواية عن عمر، فأخرجها ابن أبي شيبة (رقم: 1080) بإسناد صحيح، والرّواية عن عليّ، أخرجها أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص: 197) بإسناد حسن، وأدرجها بعضهم في حديث مرفوع، وهو خطأ.
أنّ رجلا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يهريق الماء (1)، فسلّم عليه الرّجل، فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ قال:«إذا رأيتني هكذا فلا تسلّم عليّ، فإنّك إن تفعل لا أردّ عليك السّلام» (2).
ففي هذا دليل على كراهته صلى الله عليه وسلم ردّ السّلام وهو يقضي حاجته، وإنّما الكراهة لكونه ذكرا لله تعالى، هذا مع أنّ ظاهر الحديث أنّه ردّ عليه تلك المرّة وهو لم يزل يقضي الحاجة، فدلّ على الجواز في الأصل، ولو كان حراما لم يردّ عليه أصلا. ثمّ علّمه ما ينبغي أن يكون عليه الأدب مستقبلا.
فإن قيل: لكنّ هذا الحكم في حال الشّخص لا في شأن الموضع.
قلنا: نعم، لكنّا نعلم أنّ السّبب عائد إلى الخبث والنّجس، وأنّ
ذكر الله لا يصلح في حال مواقعة ذلك، والخبث في موضع الخلاء دائم، فهو أولى بتنزيه ذكر الله أن يكون فيه.
وفي قصّة بول الأعرابيّ في المسجد ما يؤكّد هذا المعنى:
(1) أراد البول.
(2)
حديث صحيح. أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (رقم: 37) من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، والخطيب في «تاريخه» (3/ 139) من طريق إبراهيم بن محمّد الفزاريّ، كلاهما عن أبي بكر
بن عمر بن عبد الرّحمن، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، به.
قلت: إسناد ابن الجارود حسن، سعيد بن سلمة صدوق حسن الحديث، ومتابعته صالحة للاعتبار.
وللحديث شاهد عن جابر بن عبد الله عند ابن ماجة (رقم: 352) بإسناد صالح.
فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال:
بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابيّ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه (1)، دعوه» فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:«إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنّما هي لذكر الله عز وجل، والصّلاة، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنّه عليه (2).
فدلّ هذا على أنّ ذكر الله ينبغي أن يتخيّر له الموضع الطّاهر.
وجاء عن التّابعيّ الفاضل عامر الشّعبيّ: أنّه كره قراءة القرآن في ثلاثة مواطن: الرّحا، وبيت الخلاء، وبيت الحمّام (3).
والمراد ب (الرّحا) الموضع الّذي يتّخذ لطحن الحبوب، لما ترتفع به
(1) لا تزرموه: لا تقطعوا عليه بوله.
(2)
حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 12984) ومسلم (رقم: 285) وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/ 214) وابن خزيمة (رقم: 293) والطّحاويّ في «شرح المعاني» (1/ 13) وابن حبّان (رقم: 1401) وأبو الشّيخ في «أخلاق النّبيّ صلى الله عليه وسلم» (رقم: 152، 174) وأبو نعيم في «مستخرجه على مسلم» (رقم: 654) والبيهقيّ في «الكبرى» (2/ 412، 413) من طرق عن عكرمة بن عمّار، حدّثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدّثني أنس بن مالك، به.
وقوله: (فشنّه عليه) أي صبّه صبّا متقطّعا.
(3)
أخرجه ابن الضّريس في «الفضائل» (رقم: 41) بإسناد صالح.