الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: هل يمكن تكرر النزول
؟
لا مانع من أن تنزل الآية لأكثر من سبب.
مثاله: ما وقع في نزول آيات اللّعان، فقد صحّ أنّها نزلت في قصّة قذف عويمر العجلانيّ امرأته، وفي قصّة قذف هلال بن أميّة امرأته، وفي كلّ من القصّتين ما يبيّن أنّ الآيات نزلت بسببها، وإن كانت في الثّانية منهما أظهر.
فأمّا قصّة عويمر؛ فعن سهل بن سعد: أنّ عويمرا أتى عاصم بن عديّ- وكان سيّد بني عجلان-، فقال: كيف تقولون في رجل وجد
مع امرأته رجلا؛ أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأتى عاصم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فسأله عويمر، فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتّى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فجاء عويمر فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك» فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه، فلاعنها، (وذكر سائر الحديث)(1).
وأمّا قصّة هلال، فعن عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما:
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4468، 4469، 4959، 5002، 5003، 6874) ومسلم (رقم: 1492).
أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«البيّنة أو حدّ في ظهرك» ، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البيّنة! فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:«البيّنة وإلّا فحدّ في ظهرك» ، فقال هلال: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق، فلينزلنّ الله ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل وأنزل عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتّى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النّور: 6 - 9]، (وذكر سائر الحديث)(1).
فهذا وشبهه ليس من التّعارض، إنّما هو من نزول الآية أو الآيات لأكثر من سبب، ربّما توافق السّببان وقتا فنزلت الآية فيهما، وربّما تكرّر نزول الآية عند تكرّر الوقعة المقتضية لها، ولا يمنع من
ذلك كونها موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنّزول الأوّل تناول الحدث الأوّل مع الإعلام للنّبيّ صلى الله عليه وسلم بما تضمّنته الآية من عموم الحكم لنظائر تلك الوقعة وأشباهها، والنّزول الثّاني ليعرف أنّ الحدث الجديد مراد بتلك الآية على سبيل القطع واليقين، إذ كلّ آية تنزل لسبب فإنّ إرادة السّبب بها قطعيّة، بخلاف ما يخضع لتصرّفات الحاكم واجتهاده، فإنّ تنزيله الآية على وقعة أو حدث فإنّما يقع على سبيل الظّنّ لا القطع، وهذه فائدة جليلة في مثل هذه الصّورة من أسباب النّزول.
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: 4470).