الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن حزم: «لا يحلّ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسّنّة: هذا منسوخ، إلّا بيقين» (1).
وقال ابن الجوزيّ: «وإطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة» (2).
وقال الموفّق ابن قدامة: «لا يجوز ترك كتاب الله وسنّة رسوله إلّا بنسخ، والنّسخ لا يثبت بالاحتمال» (3).
وقال أبو إسحاق الشّاطبيّ: «الأحكام إذا ثبتت على المكلّف، فادّعاء النّسخ فيها لا يكون إلّا بأمر محقّق؛ لأنّ ثبوتها على المكلّف أوّلا محقّق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلّا بمعلوم محقّق» (4).
وعليه، فالواجب أن يضبط القول بالنّسخ في نصوص الكتاب والسّنّة بشروط، يصحّ معها القول به، وهي تعود في جملتها إلى سبعة شروط، يجب اعتبار جميعها في كلّ من النّصّين: النّاسخ والمنسوخ:
الشّرط الأوّل: أن يكونا ثابتين بالنّصّ
.
أي: يكون كلّ منهما إمّا آية من كتاب الله وإمّا سنّة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) الإحكام في أصول الأحكام (4/ 83)، ومعناه في «المحلّى» (1/ 53).
(2)
نواسخ القرآن، لابن الجوزيّ (ص: 75).
(3)
المغني في الفقه، لابن قدامة (2/ 666).
(4)
الموافقات، للشّاطبيّ (3/ 105 - 106).
فيصحّ أن تنسخ الآية الآية والسّنّة، كما يصحّ أن تنسخ السّنّة الآية والسّنّة.
وصيغة النّصّ تأتي على وجهين:
الأولى: صيغة طلب، كالأمر والنّهي.
مثاله في الحكم النّاسخ قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144]، ومثاله في المنسوخ قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة: 12].
والثّانية: صيغة خبر معناه الطّلب.
كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: 234]، فهذا خبر معناه الأمر.
فأمّا سائر نصوص الأخبار في الكتاب والسّنّة ممّا لم يقصد به الطّلب، كالإخبار عن الأمم الماضية، والإخبار عمّا سيكون كأشراط السّاعة واليوم الآخر، فهذه لا يدخلها النّسخ؛ لأنّ خبر الصّادق يستحيل الرّجوع عنه، لما يقتضي ذلك من الإخبار بخلاف الواقع في أحد الخبرين، فإنّ من قال:(جاء زيد) ثمّ قال بعده: (لم يأت) فأحد خبريه على خلاف الواقع جزما، بكذب أو وهم، وخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم منزّه عن ذلك (1).
(1) وانظر: «فهم القرآن» للحارث المحاسبيّ (ص: 332)، «النّاسخ والمنسوخ» للنّحّاس (ص: 531)، «الإحكام» لابن حزم (4/ 72 - 73)، «إحكام الفصول» للباجيّ (ص: 332).