الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثّاني: نسخ سنّة بسنّة
.
مثل حكم التّطبيق في الرّكوع:
فالمنسوخ ما حدّث به علقمة بن قيس والأسود بن يزيد: أنّهما دخلا على عبد الله (وهو ابن مسعود)، فقال: أصلّى من خلفكم؟ قالا:
نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثمّ ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثمّ طبّق بين يديه، ثمّ جعلهما بين فخذيه، فلمّا صلّى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
والنّاسخ ما حدّث به مصعب بن سعد بن أبي وقّاص، قال: صلّيت إلى جنب أبي، فلمّا ركعت شبّكت أصابعي، وجعلتهما بين ركبتيّ، فضرب يديّ، فلمّا صلّى قال: قد كنّا نفعل هذا، ثمّ أمرنا أن نرفع إلى الرّكب (2).
ووقوع هذا النّوع لا يختلفون في صحّته.
والثّالث: نسخ قرآن بسنّة
.
وهذا قد اختلفوا فيه على مذهبين:
المذهب الأوّل: امتناع نسخ الآية بسنّة
.
وهذا مذهب الأئمّة سفيان
(1) حديث صحيح، أخرجه مسلم (رقم: 534).
(2)
حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 757) ومسلم (رقم: 535).
الثّوريّ (1)، والشّافعيّ (2)، وأحمد بن
حنبل في إحدى الرّوايتين عنه (3)، وطائفة من أصحاب مالك (4).
ومن عبارة الشّافعيّ في ذلك: «وأبان الله لهم أنّه إنّما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأنّ السّنّة لا ناسخة للكتاب، وإنّما هي تبع للكتاب» (5).
وسئل أحمد بن حنبل: أتنسخ السّنّة شيئا من القرآن؟ قال: «لا ينسخ القرآن إلّا القرآن» (6).
وممّن عزي إليه القول بأنّه لا ينسخ الآية إلّا آية مثلها من المتقدّمين:
(1) نواسخ القرآن، لابن الجوزيّ (ص: 98).
(2)
انظر: «الرّسالة» للشّافعيّ (ص: 106 - 108)، «أحكام القرآن» له (1/ 33 - 36)، «السّنّة» لابن نصر المروزيّ (ص: 69)، «النّاسخ والمنسوخ» للنّحّاس (ص: 53)، «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرّ (2/ 1195)، «الواضح» لابن عقيل (4/ 258 - 259)، «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 515)، «الاعتبار» للحازميّ (ص: 57)، «الإحكام» للآمديّ (3/ 153).
(3)
انظر: «مسائل الإمام أحمد» رواية أبي داود السّجستانيّ (ص: 276)، «جامع بيان العلم» لابن عبد البرّ (2/ 1194 - 1195)، «نواسخ القرآن» لابن الجوزيّ (ص: 98، 100)، «الاعتبار» للحازميّ (ص: 57)، «روضة النّاظر» لابن قدامة (1/ 258).
(4)
جامع بيان العلم، لابن عبد البر (2/ 1195) وعزاه إلى جمهورهم.
(5)
الرّسالة (ص: 106)، أحكام القرآن (1/ 33).
(6)
رواه عنه الفضل بن زياد، فيما حكاه ابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» (2/ 1194)، ونحوه لأبي داود في «مسائله» (ص: 276).
التّابعيّ الثّقة أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشّخّير، لما صحّ عنه من قوله:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا، كما ينسخ القرآن بعضه بعضا» (1).
والدّليل لأصحاب هذا المذهب ليس بخارج عن نفس الآيات الّتي دلّت على ثبوت النّسخ في كتاب الله، وقد تبيّن فيها الدّلالة على صحّة النّسخ بمطلق الوحي لمطلق الوحي، والسّنّة وحي كالقرآن (2).
وممّا تعلّق به الشّافعيّ قوله تعالى: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي فقال: «فيه بيان ما وصفت من أنّه لا ينسخ كتاب الله إلّا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه، جلّ ثناؤه، ولا يكون ذلك لأحد من خلقه» (3).
وهذا استدلال صحيح لو كانت السّنّة من تلقاء نفس النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنّها لا تكون ناسخة لحكم ثبت تشريعه بالكتاب، أمّا اعتقاد كونها وحيا أوحاه الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم مثل القرآن، فقد ساوته في معناه وإن غايرته في لفظه، وسبق
(1) أثر صحيح. أخرجه مسلم في «صحيحه» (رقم: 344) وأبو داود في «المراسيل» (رقم: 456) وأبو نعيم في «مستخرجه» (رقم: 777) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (رقم: 323) والحازميّ في «الاعتبار» (ص: 50)، وإسناده صحيح.
(2)
وانظر: «الواضح في أصول الفقه» لأبي الوفاء ابن عقيل (4/ 260 - 265).
(3)
الرّسالة (ص: 107).