الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النّسخ: تعذّر الجمع، والجمع بين الخاصّ والعامّ ممكن بتنزيل العامّ على ما عدا محلّ التّخصيص» (1).
وممّا يمتنع فيه النّسخ مطلقا من نصوص التّكليف: جميع ما لا يتصوّر فيه التّضادّ بين تكليفين، كالنّصوص الآمرة بالتّوحيد وسائر العقائد، ونصوص مكارم الأخلاق والفضائل، فهذه لا تجوز أضدادها في دين الإسلام، ومن شرط صحّة النّسخ التّقابل بين التّكليفين.
الشّرط السّابع: أن يكون النّاسخ متأخّرا في زمن تشريعه عن المنسوخ
.
والمراد به أن يكون الحكمان قد انفصل أحدهما عن الآخر بزمان أمكن فيه امتثال الحكم المنسوخ قبل تبديله بالنّاسخ (2).
كما تراه مثلا في قصّة نزول قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [البقرة: 187]:
فعن البراء بن عازب، رضي الله عنه:
أنّ أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشّى لم يحلّ له أن يأكل شيئا ولا يشرب، ليلته ويومه من الغد حتّى تغرب الشّمس، حتّى نزلت هذه الآية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا إلى الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، قال: ونزلت في أبي قيس بن عمرو، أتى أهله وهو صائم بعد المغرب فقال: هل من شيء؟ فقالت
(1) المغني، لابن قدامة (1/ 188 - 189).
(2)
انظر: «التّلخيص» للجوينيّ (2/ 543)، «المستصفى» للغزّاليّ (ص: 144).
امرأته: ما عندنا شيء، ولكن أخرج ألتمس لك عشاء، فخرجت، ووضع رأسه فنام، فرجعت إليه فوجدته نائما، وأيقظته فلم يطعم شيئا، وبات وأصبح صائما حتّى انتصف النّهار، فغشي عليه، وذلك قبل أن تنزل هذه الآية، فأنزل الله فيه (1).
واعتبار هذا الشّرط لصحّة النّسخ يبطل الخوض في مسألة تعرّضت لها طائفة من أهل الأصول، وهي:(هل ينسخ الحكم قبل امتثاله؟) وتكلّموا فيها بما لا يزيد علما ولا يبنى عليه عمل، كالّذي جاء في حديث فرض الصّلوات ليلة المعراج، أنّ الله تعالى فرض خمسين صلاة، ثمّ نسخها بخمس قبل أن يقع امتثال التّكليف الأوّل.
فليس هذا من باب النّسخ الّذي نقصد إلى ضبطه ليستفيد المتفقّه من تأصيله.
ولا أثر لتقدّم الآية النّاسخة وتأخّر المنسوخة في ترتيب المصحف؛ لأنّه لم يراع في ذلك النّزول، وإنّما العبرة بزمن تشريع الحكم.
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (30/ 573 - 575 رقم: 18611، 18612) والبخاريّ (رقم: 1816) وأبو داود (رقم: 2314) والتّرمذيّ (رقم: 2968) والنّسائيّ (رقم: 2168) والدّارميّ (رقم: 1645) من طريق أبي إسحاق السّبيعيّ، عن البراء، به.
واللّفظ للنّسائيّ، وقال التّرمذيّ:«حديث حسن صحيح» .