الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السّالفين والقرّاء الماضين يستحبّون القطع عليهنّ وإن تعلّق كلام بعضهنّ ببعض» (1).
قلت: إذا كانت الآية لا يتمّ معناها أو لا يصحّ إلّا بوصلها بالآية التّالية وصلها بها، كقوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ 151 وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 152 [الصّافات: 151 - 152]، وقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ 5 [الماعون: 4 - 5].
ولو وقف على قوله: لَيَقُولُونَ* أو لِلْمُصَلِّينَ جاز لدلالة حديث أمّ سلمة، لكن بشرط أن لا يقطع تلاوته عند ذلك الموضع، أي يجوز الوقف إذا كان لمجرّد أن يترادّ إليه نفسه من غير طول فصل؛ لأنّ طول الفصل أو قطع التّلاوة ينقص المعنى أو يفسده.
تنبيهات:
الأوّل: تفاصيل مواضع الوقف في كتاب الله تعالى مشروعها وممنوعها وإن أرشدت سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اعتبارها على رءوس الآي، وما يتمّ به المعنى، إلّا أنّ سائر ذلك ممّا جرى عليه عمل القرّاء من قبل اجتهادهم امتثالا للأمر بتدبّر القرآن، وربّما دخل في ذلك شيء ممّا تلقّوه بأسانيدهم في القراءة، فقولهم:(وقف جائز، وممنوع، ولازم) وشبه ذلك تسميات لما استعملوه من ذلك وجرى عملهم عليه.
(1) المكتفى (ص: 145).
وإذا تحاشى التّالي ما أمرت السّنّة بتركه من الوقوف ممّا يفسد المعنى، وراعى الوقف النّبويّ على رءوس الآي، كان ما سوى ذلك من اختيار الوقف والابتداء راجعا إلى التّدبّر وفهم المعنى.
لكنّي أذهب في حقّ عموم المسلمين اليوم إلى أن يأخذوا بما بيّن لهم في المصاحف من علامات الوقف، وينبغي عليهم أن يلاحظوا ما ذكر من التّعريف بتلك العلامات في أواخر المصاحف، ويستعملوها على الصّورة الّتي بيّنت لهم، فإنّ ذلك معين على تدبّر القرآن وفهمه، خاصّة ما كان منه من الوقف اللّازم، فعليهم التزام الوقف عنده، وما كان من الممنوع فلا يوقف عنده، إلّا ما كان منه عند رءوس الآي، فقد بيّنت من قبل ما يتّصل به، ويترك الوقف في موضع ليس فيه علامة وقف أصلا.
لا أستثني من هذا إلّا من أوتي حظّا من فهم القرآن، وعدّة واقية من الخطأ في ضبط المعنى، من أهل العلم والذّكر، فهؤلاء قد يستحسنون مواضع للوقف باجتهادهم في تدبّر القرآن.
التّنبيه الثّاني: يراعى في الابتداء صحّة المعنى واستقامة السّياق، ولو استعمل إنسان علامات الوقف المثبتة في المصاحف في خلال الآية لا على رأسها، فوقف عند علامة من تلك العلامات غير علامة الوقف الممنوع، فلو جعل ابتداءه من الكلمة التّالية لعلامة الوقف دائما فذلك أسلم له وأبعد عن الخلل.
لكن لو انقطع نفسه في غير موضع وقف، فالّذي يحسن به: أن يعود إلى شيء من الآية قبل موضع وقوفه فيصله بما بعده بشرط أن يصحّ المعنى بذلك الابتداء.
مثل: لو قرأ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ فانقطع النّفس، وليس عند هذا في المصحف وقف، إنّما الوقف على قوله: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، وهو وقف كاف، ويسمّى (الوقف الجائز)، فعليه حينئذ أن يعود ليبدأ في موضع يتّصل به الكلام المفيد، فلا يبدأ بقوله: يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ فهذا مخلّ بالسّياق، وإنّما يرجع فيقرأ: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التّوبة: 6].
التّنبيه الثّالث: الوقوف الّتي في المصاحف مستفادة من مصنّفات خاصّة لأعيان أئمّة القراءة، استفادوها من النّقل والتّدبّر، من أجلّها كتاب (المكتفى في الوقف والابتداء) للإمام أبي عمرو الدّانيّ، وأمّا تفاصيل أقسام الوقوف وأحكامها ففيها كتب نافعة، من أجمعها (معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء) لشيخ القرّاء محمود خليل الحصريّ.