الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحذّر سبحانه من الإعراض عنه وتوعّد على ذلك، فقال: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا 101 [طه: 99 - 101]، وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى 127 [طه: 124 - 127].
وفي السّنن الثّابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بتعلّم القرآن والحثّ على حمله وحفظه والتّمسّك به ما هو على الوفاق لما جاء به كتاب الله تعالى من ذلك، ممّا يزيد المؤمنين تشويقا إليه، وتسابقا إلى نيل الدّرجات بتحصيله، وذلك فيما يأتي من المباحث.
المبحث الثاني: تعلم القرآن وتعليمه، والفضل فيه
فيه أحاديث كثيرة، منها: 1 - عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تعلّموا كتاب الله، وتعاهدوه، وتغنّوا به (زاد في رواية:
واقتنوه)، فو الّذي نفسي بيده، لهو أشدّ تفلّتا من المخاض في العقل».
وفي رواية: «تعلّموا القرآن، وأفشوه، والّذي نفسي بيده
…
»
الحديث.
وفي رواية، قال عقبة بن عامر: كنّا جلوسا في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّم علينا، فرددنا عليه السلام، ثمّ قال: «تعلّموا كتاب الله
…
» وذكر الحديث (1).
وفي هذا الحديث من العلم:
1 -
وجوب تعلّم القرآن.
2 -
تأكيد ندب المواظبة على تلاوته خشية التّفلّت.
3 -
الحثّ على التّغنّي به، وهو وارد عند أهل العلم على معنيين:
أوّلهما: الاستغناء به عمّا سواه، وهو بأن يجعل الإنسان القرآن كفايته لصلاح دينه ودنياه، وذلك باتّباعه، والعمل به، والوقوف عند حدوده
(1) حديث صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 29982) وأحمد (4/ 146) وأبو عبيد في «الفضائل» (ص: 70) والدّارميّ (رقم: 3227) والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (رقم: 59، 74) وابن نصر في «قيام اللّيل» (ص: 123) والفريابيّ في «الفضائل» (رقم: 162، 163) والرّويانيّ (رقم: 209) والطّبرانيّ في «الكبير» (17/ 290 - 291) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 1967) من طريق موسى بن عليّ بن رباح، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة، به، ولفظ الرّواية الثّانية لابن أبي شيبة.
وأمّا الرّواية الأخيرة فأخرجها أحمد (4/ 150، 153) وأبو عبيد في «الفضائل» (ص: 69 - 70) والنّسائيّ في «الفضائل» (رقم: 60) والطّبرانيّ (17/ 290، 291) من طريق قباث بن رزين اللّخميّ، قال: سمعت عليّ بن رباح اللّخميّ، يقول: سمعت عقبة، به. قلت: وإسناده من الوجهين صحيح.
وشرائعه، وترك ما سواه ممّا يخالفه.
وهذا المعنى وارد على قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (1) في قول جماعة من أئمّة السّلف كسفيان بن عيينة ووكيع بن الجرّاح وغيرهما.
وثانيهما: تحسين الصّوت بتلاوته، فهذا مأمور به مشروع لذاته، لا يتركه التّالي ما وجد إليه سبيلا، كما تأتي الأحاديث فيه في (آداب قارئ القرآن).
4 -
وجوب اقتنائه، أي: أن يجعله الإنسان زاده، كما يتّخذ قنيته من الطّعام والشّراب وما يصلح به حاله من شيء.
5 -
وجوب بثّه بين النّاس وتعليمهم إيّاه، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«بلّغوا عنّي ولو آية» (2)، فكلّ مسلم يلزمه قدر من ذلك الواجب، عليه أن يبلّغه ما وجد في النّاس إليه حاجة.
6 -
شرعيّة الاجتماع لقراءة القرآن في المساجد.
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 1476، 1512، 1549) وأبو داود (رقم:
1469، 1470) والدّارميّ (رقم: 1461، 3361) وابن حبّان في «صحيحه» (رقم: 120) والحاكم (رقم: 2091 - 2093) والبيهقيّ (10/ 230) من طرق عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقّاص، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، به.
قال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد» وهو كما قال، فابن أبي نهيك يقال في اسمه كذلك (عبد الله) تابعيّ ثقة، سمع من سعد.
(2)
جزء من حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: 3274) من حديث عبد الله بن عمرو. وتقدّم تخريجه (ص: 343).
2 -
وعن عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«خيركم (وفي لفظ: إنّ أفضلكم) من تعلّم القرآن وعلّمه» (1).
وفي هذا بيان منزلة أهل القرآن الّذين يقبلون عليه تعلّما وتعليما، فهؤلاء من أفضل النّاس عملا.
3 -
وعن عقبة بن عامر الجهنيّ، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصّفّة، فقال:«أيّكم يحبّ أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كلّ يوم بناقتين كوماوين زهراوين، فيأخذهما في غير إثم ولا قطع رحم؟» قال: قلنا: كلّنا يا رسول الله يحبّ ذلك، قال:
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 405، 412، 413) والبخاريّ (رقم:
4739، 4740) وأبو داود (رقم: 1452) والتّرمذيّ (رقم: 2907، 2908) والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (رقم: 61، 63) وابن ماجة (رقم: 212) والدّارميّ (رقم: 3217) من طريق أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عثمان، به.
قال التّرمذيّ: «حديث حسن صحيح» . قلت: وفصّلت بيانه في «علل الحديث» .
(2)
حديث صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 30065) وأحمد (4/ 154) وأبو عبيد (ص: 44 - 45) ومسلم (رقم: 803) وأبو داود (رقم: 1456) والفريابيّ في «الفضائل» (رقم: 67، 68) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 1934) من طرق عن موسى بن عليّ بن رباح، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة، به.
قوله: (بطحان أو العقيق) واديان قريبان من المدينة، و (كوماوين) الكوماء: هي النّاقة لها سنام عال مشرف، وأراد عظيمتي السّنام، و (زهراوين) أي حسنتي المرأى.
4 -
وعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: «إنّ هذا
القرآن مأدبة الله، فمن استطاع أن يتعلّم منه شيئا فليفعل، فإنّ أصفر البيوت من الخير البيت الّذي ليس فيه من كتاب الله تعالى شيء، وإنّ البيت الّذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كخراب البيت الّذي لا عامر له، وإنّ الشّيطان يخرج من البيت يسمع سورة البقرة تقرأ فيه» (1).
هذا من كلام ابن مسعود، وهو من قول العارفين، وآخره لا يمكن قوله إلّا عن توقيف، إذ لا يقال مثله بمجرّد الاجتهاد.
5 -
(1) أثر صحيح. أخرجه عبد الرّزّاق (رقم: 5998) ومن طريقه: الطّبرانيّ في «الكبير» (رقم: 8642) بإسناد صحيح. وله طرق شرحتها في تذييلي على كتاب «الرّد على من يقول الم 1* حرف» لأبي القاسم بن منده (ص: 93 - 95).
(2)
أخرجه عبد الرّزّاق (رقم: 6017) والطّبرانيّ (رقم: 8646) بإسناد صحيح. وبيانه في التّذييل السّابق (ص: 92). ومعنى: (ولا يزوغ فيستعتب) أي لا يميل بأتباعه عن الصّواب فيطلب العفو عمّا وقع منه كشأن المخلوق، فهو صواب وعدل كلّه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.