الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليما من التّحريف، مضبوطا واضحا في خطّه وإخراجه.
وما علّل به ابن عبّاس والشّعبيّ هو الّذي ينبغي أن تكون عليه نيّة البائع، وهو أنّ ما يستفيده من أجر ولو بربح؛ يكون على معاناته في الكتابة والإعداد.
وممّا يحسن التّنبيه عليه هنا: أنّ العامّة إذا جاءوا إلى بائع المصاحف قالوا: (كم هديّة هذا المصحف) احترازا من لفظ البيع أو القيمة، وهذا خطأ في صيغ العقود، فإنّ المشتري لم يقصد الاستهداء، ولا بالبائع قصد الإهداء، وإنّما هي عمليّة بيع وشراء، فلا ينبغي أن يحتال عليها بتلك الألفاظ، فذلك تكلّف مذموم، وإن حسنت معه المقاصد.
4 - تكريم المصحف:
كلّ فعل لم تنه عنه الشّريعة، ممّا يقصد به تكريم المصحف وتعظيمه، فهو حسن مقبول؛ لأنّ ما كان من الأفعال مباحا في الأصل إذا استعمل للتّوصّل به إلى مشروع فهو مشروع بهذا الاعتبار، ما لم يعتقد صاحبه أنّه سنّة لذاته، أو مطلوب لذاته؛ خشية أن يضيف لدين الإسلام ما ليس منه.
ومن هذا ما يتّصل من الأفعال بتعظيم المصحف، فإنّ ذلك من الإيمان كما قدّمناه أوّل هذا المبحث، والله تعالى يقول: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحجّ: 32]، وهذا عامّ في كلّ ما أشعر الله به
عباده وأعلمهم، كلّ ذلك تعظيمه من التّقوى.
وهذا باب مرجعنا فيه إلى عمومات النّصوص، ولا يطلب له النّصّ الخاصّ من الهدي النّبويّ؛ لأنّ المصاحف لم تكن وجدت يومئذ، فإذا صحّ ذلك كان مقتضى العموم إباحة كلّ فعل يحصل به التّعظيم، غير أنّ من النّاس من قد يصير إلى التّكلّف فيه، لذا وجب أن يضبط بضابط، وأحسن ما نراه ضابطا لذلك هو: أن يكون الفعل الّذي قصد به تعظيم المصحف ممّا أثر عن سلف الأمّة، من الصّحابة والتّابعين، ولسنا نعني بذلك التّخصيص للعامّ بأفعالهم، أو الاحتجاج بها، وإنّما قصدنا إلى منع التّكلّف، وهو مقصود شرعيّ صحيح، وهدي السّلف أبعد عن التّكلّف مع شدّة تعظيمهم للقرآن، والمصاحف كثرت في أزمانهم، فما وجدناه من الأفعال منقولا عنهم، أو وجدنا عنهم نظيره، فهو الّذي ينتهى إليه، وما لم ينقل عنهم ولم نجد له نظيرا في هديهم فيترك.
وإنّما دعانا إلى هذا التّنبيه أن وجدنا من النّاس من يتكلّف أمورا يتديّن بها ممّا يعدّها من تعظيم المصحف، والعمل بها من التّنطّع في الدّين، والمشقّة على النّفس وعموم المسلمين، مثل:
قيام الشّخص للمصحف إذا أحضر.
وإذا كان المصحف في جهة فإنّه لا يستدبره، فإذا كان في موضع فأراد الخروج منه، استقبل المصحف ورجع القهقرى حتّى يفارق الموضع.