الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا أحسن الطّريقين.
وذهبت طائفة من العلماء إلى أن يزال أثره بالغسل، أو الدّفن، والواقع أنّ الطّريقين الأخيرين لا يحقّقان المقصود اليوم؛ لأنّ مادّة الخطّ لا تذهب بالرّطوبة والماء (1).
6 - فضل التّلاوة من المصحف:
ورد في هذا الباب وفضله أحاديث، لكنّها بين ضعيف وموضوع، ولا يصحّ في فضل النّظر في المصحف حديث، وأحسب العلّة فيه من جهة أنّ المصاحف إنّما شاعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
(1) عن إبراهيم النّخعيّ، قال: كانوا يأمرون بورق المصحف إذا بلي أن يدفن.
أخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص: 397) بإسناد رجاله ثقات، في اتّصاله نظر.
وانظر: «البرهان» للزّركشيّ (1/ 477).
(2)
وأحسن شيء يروى مرفوعا في هذا الباب: حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يحبّه الله ورسوله فليقرأ في المصحف» .
وهذا حديث ضعيف منكر.
أخرجه ابن عديّ في «الكامل» (3/ 387) وابن شاهين في «التّرغيب في فضائل الأعمال» (رقم: 190) وأبو نعيم في «الحلية» (رقم: 10367) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2219) من طرق عن إبراهيم بن جابر، قال: حدّثنا الحرّ بن مالك أبو سهل العنبريّ، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، به.
تفرّد به الحرّ بن مالك، صرّح بذلك ابن عديّ، وأبو نعيم، والبيهقيّ.
وقال ابن عديّ والبيهقيّ: «منكر» ، وقال الذّهبيّ في «الميزان» (1/ 471) في ترجمة (الحرّ):«أتى بخبر باطل» فذكر هذا الحديث، وزاد:«وإنّما اتّخذت المصاحف بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم» .
قلت: وهذا تعليل دقيق، خلافا لابن حجر حين ردّه في «اللّسان» (2/ 225) فقال:«وهذا التّعليل ضعيف، ففي الصّحيحين: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن يناله العدوّ، وما المانع أن يكون الله أطلع نبيّه على أنّ أصحابه سيتّخذون المصاحف؟ لكنّ الحرّ مجهول الحال» فهذا تعقّب متعقّب، والحديث الّذي ذكره عن «الصّحيحين» في أمر يمكن وقوعه للمخاطبين يومئذ، فإنّ القرآن كان يكتب في عهده صلى الله عليه وسلم، بخلاف المصاحف صفة واسما، والمعنى في كلام الذّهبيّ أنّ لفظ المصاحف لم يكن يومئذ للقرآن الّذي بين الدّفّتين فكيف يخاطب به المكلّفون خطابا يقتضي الامتثال؟ وأمّا العلّة في الإسناد فليست جهالة الحرّ، فهو رجل معروف، وإنّما في كونه تفرّد بما لا يعرف من غير طريقه بإسناد مشهور تنشط همم النّقلة لروايته، ومن علامة المنكر أنّ يتفرّد من لم يتميّز بالإتقان برواية الحديث، والحرّ كذلك، وجائز أن يكون أصل ذلك موقوفا على ابن مسعود، فرفعه الحرّ خطأ.
لكن ثبت عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال:«أديموا النّظر في المصاحف» (1).
ونقل فعله عن طائفة من السّلف.
(1) أثر حسن. أخرجه عبد الرّزّاق (رقم: 5979) وابن أبي شيبة (رقم: 8558، 30168) وأبو عبيد (ص: 104) والفريابيّ (رقم: 149، 150) والطّبرانيّ في «الكبير» (رقم: 8687، 8696) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2220) من طريق سفيان الثّوريّ، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله، به.
وإسناده حسن.
قال يونس بن عبيد (وهو من الثّقات من أصحاب الحسن البصريّ): «كان خلق الأوّلين النّظر في المصاحف» (1).
وهذا يعود إلى ما في النّظر من الإعانة على زيادة التدبّر للقرآن؛ لاجتماع سببين: النّظر إلى المتلوّ مع النّطق به، كذلك تتحقّق به السّلامة من آفات النّسيان الّذي يعتري الحفظ عادة.
…
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 8561) بإسناد صحيح.