الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما كان من هذا القسم والّذي قبله فتركه هجر محرّم للقرآن، ولو ترك النّاس في بلد إيجاد من يقرأ القرآن منهم ويتلوه ليبلّغهم إيّاه، لصدق عليهم جميعا وصف الهجر للقرآن.
والثّالث: تلاوة مندوبة
.
وهي ما يزيد على الواجب ممّا يحرص المسلمون عليه في كلّ
زمان، فيتلوه القارئ ويحفظه أو يحفظ منه ما شاء، ممّا يعود إلى رغبته وإرادته.
فهذا القسم من التّلاوة يثاب فاعله ويؤجر، ولا يعاقب تاركه ولا يؤاخذ، فلا يعدّ فعله من الهجران الّذي ذمّ الله تعالى أهله، لكن لا نشكّ أنّ بفواته فوات خير عظيم.
وربّما استشكل بعض النّاس هاهنا ما ورد في شأن التّوقيت لختم القرآن في أربعين يوما، على ما سيأتي في (آداب قارئ القرآن)، أو ستّين في قول البعض، أو غير ذلك من التّحديد، فهل إذا ترك إنسان الختم في هذه المدّة يسمّى (هاجرا) للقرآن؟
الجواب: لا، لأسباب؛ أهمّها:
1 -
لم يأت في شيء من الأدلّة ما يوجب على أحد ختم القرآن، بل ولا ما يحضّ عليه، وإنّما غاية ما تجد إفادة استحبابه إذا كان مقرونا بالتّدبّر.
وأمّا ما يروى عن ابن عبّاس، قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال:«الحالّ المرتحل» ، قال: وما الحالّ المرتحل؟
قال: «الّذي
يضرب من أوّل القرآن إلى آخره، كلّما حلّ ارتحل».
فهذا حديث لا يصحّ (1).
2 -
أنّ التّلاوة إنّما أريدت في الأصل؛ لتدبّر القرآن وفهمه والعمل به، وهذا على التّأنّي أعظم نفعا؛ لذلك كان الصّحابة في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن إلى أن يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل.
(1) أخرجه التّرمذيّ (رقم: 2948) وابن نصر في «قيام اللّيل» (ص: 240) والحكيم في «النّوادر» (رقم: 852 - تنقيح) والطّبرانيّ في «الكبير» (رقم: 2783) والحاكم (رقم: 2088، 2089) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2001، 2069) من طرق عن صالح بن بشير المرّيّ، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عبّاس، به.
قلت: وإسناده ضعيف جدّا، صالح المرّيّ، كان صالحا، لكنّه متروك الحديث.
قال الحاكم: «تفرّد به صالح المرّيّ، وهو من زهّاد أهل البصرة» .
وقال التّرمذيّ: «هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن عبّاس إلّا من هذا الوجه، وإسناده ليس بالقويّ» .
ورواه بعضهم عن صالح المرّيّ، فلم يذكر في إسناده (عن ابن عبّاس).
أخرجه الدّارميّ (رقم: 3350) والتّرمذيّ، وإسناده أوهى من المتّصل.
وروي له شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه الحاكم (رقم: 2090) من طريق مقدام بن داود بن تليد الرّعينيّ، حدّثنا خالد بن نزار، حدّثني اللّيث بن سعد، حدّثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
قال الذّهبيّ في «تلخيص المستدرك» : «موضوع على سند الصّحيحين، والمقدام متكلّم فيه، والآفة منه» .
كما أخرجه ابن المبارك في «الزّهد» (رقم: 800) بسند واه.
فهذا حديث لا يحلّ ذكره في الكتب إلّا لبيان وهائه.