الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - أحكام متفرّقة:
إذا ذهب من حفظه شيء فلا ينبغي له أن يقول: (نسيت آية كذا) وإنّما يقول: (نسّيت) أو (أنسيت) بصيغة البناء للمجهول.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «بئس ما لأحدكم أن يقول (وفي لفظ: لا يقل أحدكم): نسيت آية كيت وكيت، بل نسّى» (1).
قال ابن الأثير: «كره نسبة النّسيان إلى النّفس لمعنيين، أحدهما:
أنّ الله تعالى هو الّذي أنساه إيّاه؛ لأنّه المقدّر للأشياء كلّها، والثّاني:
أنّ أصل النّسيان التّرك، فكره له أن يقول: تركت القرآن، أو قصدت إلى نسيانه؛ ولأنّ ذلك لم يكن باختياره» (2).
ويحتمل الحديث أن يكون النّهي خاصّا بزمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنّ الله تعالى كان ينسخ الآية أو الآيات فتذهب من صدور النّاس، ولكن لاحتمال أن يراد
بذلك أحد المعنيين السّابقين فينبغي لقارئ القرآن أن يحافظ على هذا الأدب.
أن يتوقّى استعمال آيات الكتاب للشّيء يعرض من أمر الدّنيا
.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام: «وهذا كالرّجل يريد لقاء صاحبه
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4744، 4745، 4752) ومسلم (رقم: 790) واللّفظ الثّاني له.
(2)
النّهاية في غريب الحديث (5/ 50).
أو يهمّ بالحاجة فتأتيه من غير طلب، فيقول كالمازح:(جئت على قدر يا موسى) وهذا من الاستخفاف بالقرآن» (1).
ويحكي التّابعيّ الفقيه إبراهيم النّخعيّ هدي السّلف في ذلك، فيقول:«كانوا يكرهون أن يتلو الآية عند الشّيء يعرض من أمر الدّنيا» (2).
قلت: ومن قبيح ما يجري في استعمال بعض النّاس من ذلك أن يكتب عند مدخل مدينة: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ 46 [الحجر: 46]، وعلى باب دكّان: لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ* [الفرقان: 16]، وما يستطرف به بعضهم كقوله: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ق: 35]، وشبه ذلك.
وليس من هذا ما يقتبس من القرآن من الجمل الجوامع في حكاية حال أو وصف أمر يراد بذلك تقريبه للسّامع، كقول القائل وهو يصف حالا صعبة شديدة: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ 58 [النّجم: 58]، فكثير من الجمل القرآنيّة جرى استعمالها عند النّاس بمنزلة الأمثال، فمثل هذا سائغ لا حرج فيه.
(1) فضائل القرآن (ص: 123).
(2)
أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 30106) وأبو عبيد في «الفضائل» (ص: 123) وسعيد بن منصور (رقم: 92) والحكيم في «النّوادر» (رقم: 876 - تنقيح) من طريق مغيرة الضّبّيّ، عن إبراهيم، به. وإسناده صحيح.