الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: أول ما نزل وآخر ما نزل
المبحث الأول: أول ما نزل من القرآن
اختلف في ذلك على أقوال، الثّابت نقله منها قولان:
الأوّل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ.
كما جاء في قصّة بدء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها:
أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال:«ما أنا بقارئ» قال: «فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، قلت:
ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثّالثة، ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
3 [العلق: 1 - 3]»، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال:«زمّلوني، زمّلوني» الحديث (1).
والثّاني: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1.
كما في حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما.
قال يحيى بن أبي كثير: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أنزل أوّل؟
فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1، فقلت: أنبئت أنّه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أيّ القرآن أنزل أوّل؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 فقلت: أنبئت أنّه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فقال: لا أخبرك إلّا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«جاورت في حراء، فلمّا قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السّماء والأرض، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، وأنزل عليّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ 3 [المدّثر: 1 - 3]» (2).
وهذان في التّحقيق قولان غير متعارضين، فإنّ في حديث جابر نفسه
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3، 4670، 4672 - 4674، 6581) ومسلم (رقم: 160).
(2)
حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4638 - 4640) ومسلم (1/ 144).
في رواية عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدّث عن فترة الوحي:
«بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السّماء، فرفعت بصري، فإذا
الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السّماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زمّلوني، زمّلوني، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ 2 إلى قوله: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ 5 [المدّثّر: 1 - 5]، فحمي الوحي وتتابع» (1).
فهذا صريح في أنّ الوحي سبق بالنّزول قبل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1، لكنّ جابرا لم يعلم أنّ ذلك الّذي سبق كان اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ولذلك لم ينكر هذا القول حين سأله عنه أبو سلمة بن عبد الرّحمن، وإنّما ذكر ما عنده من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّا عائشة فكان عندها بخصوص ذلك من العلم ما لم يكن عند جابر.
ومن العلماء من يحمل حديث عائشة على نزول الوحي بالنّبوّة ب اقْرَأْ، وحديث جابر على نزوله بالرّسالة ب يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1، فكلاهما أوّل بالنّسبة للنّبوّة والرّسالة.
لكن ليس هناك ما يلجئ إلى هذا، وما تقدّم أولى.
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4، 3066، 4641، 4642، 4671، 5860) ومسلم (رقم: 161).