الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: القراءات
المبحث الأول: أنواع القراءات باعتبار نقلها
القراءات: جمع قراءة، وهي: مذهب من مذاهب النّطق في القرآن يذهب به إمام من القرّاء مذهبا يخالف غيره، مع الموافقة لرسم المصحف، وثبوت الإسناد إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأنواعها أربعة: 1 - متواترة، وهي ما اتّفق عليه القرّاء فيما صحّ نقله عنهم، وهو الغالب في القرآن، وأكثر العلماء يحصر المتواتر بالمنقول عن (السّبعة القرّاء) كعاصم ونافع، وبعضهم يقول:(العشرة القرّاء).
ومن الغلط إطلاق القول: (القراءات السّبع متواترة) يعنون كلّ شيء نسب إليها، وإنّما الواجب في التّواتر اتّفاق النّقلة إلى أولئك القرّاء على شيء واحد، ثمّ اتّفاق القرّاء السّبعة أو العشرة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على شيء واحد (1).
فإن انفرد الإمام من القرّاء بشيء فلا يصحّ وصفه بالتّواتر.
2 -
مشهورة، وهي ما صحّ إسناده واشتهر عند القرّاء من غير نكير،
(1) انظر: المرشد الوجيز، لأبي شامة المقدسي، (ص: 174 - 177).
ولم يبلغ حدّ التّواتر، مع موافقة الرّسم العثمانيّ والعربيّة.
ومثالها: مواضع اختلاف القرّاء المعروفين السّبعة أو العشرة.
وفيه مصنّفات، ك «التّيسير» لأبي عمرو الدّانيّ، و «الشّاطبيّة» لأبي القاسم بن فيرة الأندلسيّ، و «النّشر» لابن الجزريّ.
3 -
آحاد، وهي ما صحّ سنده، لكن خالف الرّسم العثمانيّ.
مثل كثير من القراءات المرويّة عن آحاد الصّحابة، وعلمت عنهم بالإسناد الّذي يروى به الحديث.
كقراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدّرداء، رضي الله عنهما:(واللّيل إذا يغشى. والنّهار إذا تجلّى. والذّكر والأنثى)(1).
والّذي في المصحف: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى 3 [اللّيل: 3].
وربّما أطلق بعضهم على قراءة الآحاد وصف الشّذوذ؛ لأجل وقوع التّفرّد بها عن نقل الجماعة، لكن لا يصحّ أن يقصد بذلك أنّ تلك القراءات غير محفوظة إلّا أن يراد: غير محفوظة في المصحف،
وذلك لما شرحناه من
(1) جزء من حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: 3532، 3533، 3550، 5922) من طريق إبراهيم النّخعيّ، عن علقمة، قال: قدمت الشّام
…
(فذكر لقاءه أبا الدّرداء) وفيه قول أبي الدّرداء لعلقمة: كيف يقرأ عبد الله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى 1؟ قال: فقرأت عليه: (واللّيل إذا يغشى. والنّهار إذا تجلّى. والذّكر والأنثى)، قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه إلى فيّ.
وتقدّم لهذا النّمط من القراءات أمثلة، انظر (ص: 80 وما بعدها).
قبل من إسقاط المصحف العثمانيّ من الأحرف السّبعة ما لم يتوافق مع الرّسم، فإذا صحّ الإسناد بشيء من تلك الحروف، فإن سلم من النّسخ؛ فهو على حرف من تلك الحروف لا يجوز إلغاء اعتباره.
4 -
شاذّة، وهي ما روي ولم يصحّ سنده.
كقراءة (ملك يوم الدّين)(1).
(1) هذا الحرف نسب إلى الإمام أبي حنيفة، وقد نسبت إليه قراءة مكذوبة عليه، قال ابن الجزريّ في معرض التّمثيل للقراءة الشّاذّة الّتي لا تصحّ أسانيدها:«كقراءة ابن السّميفع وأبي السّمّال وغيرهما في نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس: 92] (ننحّيك) بالحاء المهملة، ولِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً بفتح سكون اللّام، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، الّتي جمعها أبو الفضل محمّد بن جعفر الخزاعيّ، ونقلها عنه أبو القاسم الهذليّ وغيره، فإنّها لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطيّ: إنّ الخزاعيّ وضع كتابا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة، فأخذت خطّ الدّارقطنيّ وجماعة: أنّ الكتاب موضوع لا أصل له» قال ابن الجزريّ: «وقد رويت الكتاب المذكور، ومنه: (إنّما يخشى الله من عباده العلماء) برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راج ذلك على أكثر المفسّرين ونسبها إليه وتكلّف توجيهها، وإنّ أبا حنيفة لبريء منها» (النّشر: 1/ 16).
قلت: الخزاعيّ المذكور متّهم عندهم (انظر: لسان الميزان 5/ 114).
وابن السّميفع اسمه محمّد بن عبد الرّحمن بن السّميفع، قال ابن الجزريّ:«له اختيار في القراءة شذّ فيه» وقال في قراءته: «القراءة ضعيفة، والسّند بها فيه نظر، وإن صحّ فهي قراءة شاذّة لخروجها عن المشهور» (غاية النّهاية: 2/ 161 - 162).
وأبو السّمّال اسمه قعنب بن أبي قعنب البصريّ، قال ابن الجزريّ:«له اختيار في القراءة شاذّ عن العامّة» وأورد إسناد قراءته إلى عمر بن الخطّاب، وقال:«وهذا سند لا يصحّ» (غاية النّهاية: 2/ 27).
مسألة: لا تجوز القراءة بالشّاذّ في الصّلاة، ولا إضافته إلى القرآن.
أمّا الآحاد الصّحيحة؛ فأكثر العلماء على منع القراءة بها؛ لأنّ القرآن يطلب فيه اليقين والقطع، وما ليس في المصحف فإنّه يرد عليه من الاحتمال ما لا يمكن معه الجزم بأنّه من القرآن المحكم، كاحتمال النّسخ له تلاوة.
لكن يستفاد من هذا النّوع من القراءات أن تجعل بمنزلة التّفسير للقرآن، أو يستهدى بها في ذلك.
قال الإمام أبو عبيد:
ثمّ قال بعد أن مثّل ببعض ذلك: «فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسّرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التّابعين في التّفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن لباب أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ثمّ صار في نفس القراءة؟ فهو الآن أكثر من التّفسير وأقوى، وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحّة التّأويل» (1).
(1) فضائل القرآن، لأبي عبيد الهرويّ (ص: 326 - 327).