الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 190 - 191].
كذلك يتلو التّالي دون اعتبار التّوجّه إلى جهة مخصوصة، فليس من سنّة التّلاوة أن تستقبل القبلة، ولا من محذورها أن تستدبر، والشّريعة لم تأت بخصوص ذلك بأمر ولا نهي، فهو على الإباحة.
الاجتماع لقراءة القرآن:
اجتماع القوم يتلون القرآن جماعة، أو يتلو الواحد منهم ويستمع الحاضرون، مشروع محبوب إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، دلّت عليه نصوص عديدة، منها:
حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله: يتلون كتاب الله،
ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (1).
فهذا ظاهر كالنّصّ في التّرغيب في الاجتماع للقرآن، وأن يكون ذلك على سبيل الجهر، إذ لا يتمّ الاشتراك في التّلاوة مع الإخفات.
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 7427) ومسلم (رقم: 2699) وأبو داود (رقم: 1455) والتّرمذيّ (رقم: 2945) وابن ماجة (رقم: 225) من طرق عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.
ومن جهة أخرى فإنّ إطلاق الحديث دلّ على تسويغ كلّ صورة تتمّ عليها القراءة: سواء كانت من جميعهم بصوت واحد، أو يقرأ شخص ويستمع الحاضرون، أو يتابعونه في التّلاوة بصوت واحد أو متفرّقين.
والعجب من طائفة قصدت إلى إنكار المحدثات، وذلك منها خير وعمل محمود، لكنّها بالغت فيه حتّى أنكرت المشروعات، فأنكرت بعض مقتضى هذا الحديث من الاجتماع على ذكر الله وتلاوة القرآن، ففوّتوا على أنفسهم وغيرهم ممّن يتّبعهم خيرا عظيما.
وقد ذكر النّوويّ عن الإمام مالك أنّه قيل له: أرأيت القوم يجتمعون فيقرءون جميعا سورة واحدة حتّى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه، وقال: ليس هكذا تصنع النّاس، إنّما كان يقرأ الرّجل على الآخر، يعرضه.
ثمّ قال النّوويّ: «هذا الإنكار مخالف لما عليه السّلف والخلف ولما يقتضيه الدّليل، فهو متروك» (1).
أقول: يحتمل جدّا أن يكون مالك، رحمه الله، إنّما أنكر تلقّي القرآن عن الشّيوخ بهذا الطّريق فيعتمد عليه الشّخص في رواية القراءة، كما يشعر به قوله «يعرضه» ، ولم يرد اجتماع النّاس للتّلاوة (2).
(1) التّبيان (ص: 52).
(2)
وانظر: «البيان والتّحصيل» لابن رشد (18/ 349 - 350).