الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحسب التّرجمة هي عين القرآن، فإذا رأى أحدهم من بعد تفاوتا بين ترجمتين في لغته ورده الشّكّ.
التّنبيه الثّالث: للتّرجمة من القدسيّة والحرمة والمنزلة ما لسائر كتب التّفسير، لا ما يكون من ذلك للمصحف، إلّا إذا كتب معها.
كما يلاحظ في ذلك ما يكون من الثّواب على تلاوة القرآن، فقراءة التّرجمة بمنزلة القراءة في «تفسير ابن كثير» مثلا، يؤجر عليها القارئ أجر التّعلّم، فإذا قرأ التّرجمة يرجو بها الأجر الّذي يحصّله التّالي على تلاوة القرآن، فإنّه يرجو رحيما جوادا كريما، وإنّي أخاف أن أقول: من قرأ حروف القرآن فله بكلّ حرف عشر حسنات، ومن عجز عن ذلك لعجمته فما تمكّن أن يصل إلى القرآن إلّا من خلال ترجمة معانيه، دون الأوّل في الأجر، بل أحبّ له أن يطمع في فضل الله.
المسألة الرّابعة: الوقاية من مزالق الرّأي في كتب التّفسير
.
لا يخلو كتاب من كتب التّفسير من نقد، وقد تقدّم أنّ كتب التّفسير بالمأثور مع الحرص على النّقل لم تسلم من النّقد، فكيف بمن تكلّم في التّفسير برأيه؟ فمظنّة الخلل في ذلك أشدّ، ولست أرى حجب النّاس عن النّظر في كتاب من كتب العلم والانتفاع بما فيه من الصّواب، لخطأ لا يسلم من مثله الإنسان بخلقته، بل هذه الكتب ينتفع بما فيها من خير، إلّا من يغلب على كتابه مجانبة الصّواب، وهذا لا
يتصوّر إلّا في طائفة من
المتعرّضين للتّفسير، قصدوا إلى نصرة بدعهم وأهوائهم بتأويل القرآن، وهم طائفتان سأذكرهم في المبحث الثّامن.
وتحقيق الوقاية عند الأخذ من تلك التّفاسير المشار إليها، يكون بمراعاة أمرين:
أوّلهما: استصحاب حقيقة أنّ كلّ أحد من البشر يؤخذ من قوله ويترك، إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثانيهما: معرفة سيرة المفسّر: تحصيله، تخصّصه، عقيدته، مذهبه، فالمدرسة الّتي تلقّى فيها، والشّيوخ الّذين أخذ عنهم، والمذهب الّذي اعتنى به، والبيئة والزّمن الّذي كان فيه، جميع ذلك قد يترك آثارا في شخصيّته تنعكس في صوابها وخطئها على ما يؤلّفه ويكتبه.
فمفسّر عاش في بلاد الشّام في القرن السّابع الهجريّ، شيوخه حنابلة في الفقه والاعتقاد، والفقه أغلب عليه مع دراية صالحة بالحديث والأثر، مع حظّ حسن من اللّغة، وزمانه لم يخل من جدل كلاميّ، لكنّ خوض الحنابلة فيه أقلّ من غيرهم، فهذا تركن إليه النّفس في تفسيره في جانب العقائد، مع بعض الحذر، فإنّ لبعض الحنابلة في ذلك شططا في مسائل، فإن جاء على تفسير الأحكام فمظنون أنّ حظّ مذهبه فيه أكثر، وتحريره له أظهر، وقد لا يأتي على ذكر مذهب مخالفه أصلا.
قابله بمفسّر من أهل زمانه: شيوخه في العقائد أشعريّة، ومذهبه في
الفقه شافعيّ، مع اطّلاع حسن على المأثور، وتمكّن في العربيّة
وفنونها، فهذا يفارق الحنبليّ بالحاجة إلى مزيد احتياط فيما يقوله في تفسير نصوص العقائد، فإنّ الأشعريّة أهل كلام، ومذاهبهم في الصّفات مخالفة للأثر، خارجة عن المنهج المعتبر، لكنّك تجد من البيان بأساليب المعاني والبيان فيما يضمّنه أحدهم تفسيره للقرآن، ما لا ينقضي من حسنه العجب.
فإذا تيقّظت لهذا فلا عليك بعده أن تنتفع بما وقع لك من تلك الكتب، فالمظنّة في أصحابها أنّهم أئمّة المسلمين، قصدوا إلى الصّواب ونصح الأمّة، فسعيهم مشكور، وخطؤهم مغفور، لا يحسن بالعاقل الإعراض عن علم أحدهم لخطأ أخطأه قد بان وظهر.
وقد صحّ عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، قال:«أحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ» ، فقال له رجل من أصحابه: ما يدريني- رحمك الله- أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال:«بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات (وفي لفظ: المشتبهات) الّتي يقال لها: ما هذه! ولا يثنينّك ذلك عنه، فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته؛ فإنّ على الحقّ نورا» (1).
قال البيهقيّ: «فأخبر معاذ بن جبل أنّ زيغة الحكيم لا توجب
(1) أثر صحيح. أخرجه أبو داود (رقم: 4611) والبيهقيّ (10/ 210) وغيرهما بإسناد صحيح.