الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الصّحابة اختلاف يذكر في ذلك، فلو خضع لاجتهادهم لعلم فيه الاختلاف.
ولا يعترض عليه باختلاف قليل وقع في ذلك في قراءات القرّاء السّبعة، من أجل أنّهم رووها كذلك، فيكون اختلافهم في عدّ بعض الآيات من قبيل التّنوّع في الرّواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى أيّ تقدير فهذه مسألة ليس فيها تنصيص، ولا يبنى عليها اعتقاد أو عمل.
المبحث الخامس: البسملة
البسملة (1) قرآن بالإجماع، إذ هي بعض آية من سورة (النّمل).
وأجمعوا أنّها ليست في فاتحة سورة (التّوبة).
وإنّما اختلفوا فيها في فواتح سائر السّور اختلافا كبيرا على مذاهب:
الأوّل: هي آية من كلّ سورة غير (التّوبة).
(1) قال الإمام مكّيّ بن أبي طالب القيسيّ: «البسملة مشتقّة من اسمين، من (بسم) ومن (الله)، ف (بسم) ملفوظ به واللّام من (الله) جلّ ذكره، وهي لغة للعرب، تقول: (بسمل الرّجل) إذا قال: (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، و (حوقل الرّجل) و (حولق) إذا قال: (لا حول ولا قوّة إلّا بالله)، و (هلّل الرّجل) إذا قال: (لا إله إلّا الله)، وهو كثير» [الكشف عن وجوه القراءات السّبع: 1/ 14].
الثّاني: ليست بآية في جميع السّور، وكتبت في المصحف للتّبرّك.
الثّالث: هي آية مستقلّة لا تدخل في حصر آيات السّورة، وإنّما جاءت للفصل بين السّور؟
الرّابع: هي آية من الفاتحة خاصّة، وفاصلة بين السّور فيما عداها.
وهذا الأخير أرجحها وأقواها برهانا، إذ لا ينازع أحد أنّها مثبتة في أوائل السّور في المصحف ما عدا سورة التّوبة، وتظاهرت الأدلّة في عدم عدّها آية من تلك السّور غير الفاتحة، وأمّا الفاتحة فالأدلّة صحيحة صريحة في عدّ آياتها سبعا، والبسملة كانت تنزل فاصلة بين السّور، وأثبتت لهذه العلّة في المصحف، والفاتحة أوّل الكتاب، لم يسبقها شيء لتفصل عنه، ونحن وإن كنّا حرّرنا من قبل أنّ ترتيب السّور في القرآن كان اجتهاديّا من الصّحابة، فقد ذكرنا أنّ الظّاهر أن يكون بعضه قد علموا ترتيبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك فاتحة الكتاب، فإنّ تسميتها ب (فاتحة الكتاب) ممّا ثبتت به الرّواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني بالضّرورة أن تكون أوّل المصحف، ولم يخالف الصّحابة ذلك عند كتابة المصحف، فحيث أثبتوها بالبسملة في صدرها؛ فقد دلّ على أنّها آيتها السّابعة، وأنّهم هكذا تلقّوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أثّر اختلاف الأدلّة في شأن قراءتها في الصّلاة على مواقف كثير من العلماء، في عدّها آية من الفاتحة أو لا، وهذا ممّا لا ينبغي مع ثبوتها في
المصحف بنفس خطّه.
أمّا اختلاف القرّاء في عدّها؛ فإنّه سهل محتمل بعد ما اتّفقوا أنّها قرآن، كما اتّفقوا على ما في المصحف، وإنّما اختلافهم في عدّها آية أو بعض آية، من كلّ سورة أو من الفاتحة فقط (1).
وأمّا الدّليل على أنّها قرآن كانت تنزل فصلا بين السّورتين وليست
منهما، عدا الفاتحة، فحديث عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، قال:
كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعرف خاتمة السّورة حتّى ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1، فإذا نزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1 علم أنّ السّورة قد ختمت، واستقبلت أو ابتدئت سورة أخرى (2).
(1) انظر: النّشر في القراءات العشر، لابن الجزريّ (1/ 271).
(2)
حديث صحيح. أخرجه البزّار (رقم: 2187 - كشف الأستار) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، به.
وأخرجه بنحوه: أبو داود (رقم: 788) والطّحاويّ في «شرح المشكل» (رقم:
1376) والحاكم (رقم: 845) والبيهقيّ (2/ 42) من طريق ابن عيينة بإسناده.
قلت: إسناده صحيح، وبعض من رواه عن سفيان لا يذكر فيه ابن عبّاس، وذكره فيه محفوظ من وجوه صحاح، ولم يتفرّد به سفيان عن عمرو، كما لم يتفرّد به عمرو عن سعيد، ممّا يطول شرحه، والمهمّ هنا أن تعلم أنّ ذلك الاختلاف لا أثر له في صحّة الحديث، وقال الحاكم:«صحيح على شرط الشّيخين» .
واعلم أنّ مسألة البسملة هذه مسألة طويلة الأطراف، والّذي يهمّنا هاهنا أن نبيّن أنّها قرآن كما هي في المصحف، وأنّها لم تكن من وضع الصّحابة بآرائهم، إنّما لما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّها من الفاتحة، وأنّها كانت تنزل عليه ليعلم فصل السّورة، لذا أثبتوها بين كلّ سورتين غير الأنفال والتّوبة؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مات ولم يبيّن لهم أنّها والأنفال سورة واحدة أو سورتان كما دلّ عليه حديث عثمان المتقدّم في المبحث الأوّل من هذا الفصل، فلم يكتبوا سطر البسملة الّذي قد علموا بالتّوقيف أنّه للفصل بين السّورتين.
واعلم أنّه ما زاد أحد في القرآن شيئا ولا نقص منه من جميع هؤلاء المختلفين من العلماء في شأن البسملة، خلافا لما زعمه بعض من انتصر إلى مذهب من المذاهب فيها.