الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقول بذلك مذهب جمهور أهل العلم (1).
وهي مستحبّة لكلّ قارئ، قرأ وحده، أو قرأ في جماعة، لكنّها لا تستحبّ للآية أو الآيات في ثنايا الخطب والمواعظ وأجوبة فتاوى النّاس، فإنّ السّنن قد استفاضت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يذكر استعاذة عند الاستدلال أو الاستشهاد بآية من القرآن، وهذا على خلاف ما يفعله بعض الوعّاظ اليوم.
ولو قطع التّالي تلاوته ثمّ عاد بعد طول فصل حسن أن يستعيذ.
والثّانية: صيغتها:
الاستعاذة جائزة بكلّ ما تحقّق به امتثال الأمر، والّذي عليه اختيار
جميع القرّاء من حيث الرّواية: (أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم) وعليه عامّة الفقهاء (2).
والجهر بالاستعاذة أو الإسرار يتبع القراءة، فإن كانت سرّا أسرّ، وإن كانت جهرا جهر، إلّا في الصّلاة، لما بيّنته من دلالة السّنّة على ترك الجهر بها فيها.
4 - أن يحسّن صوته بقراءته ما استطاع دون تكلّف
.
على ذلك دلّت سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فعن البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) النّشر في القراءات العشر، لابن الجزري (1/ 257 - 258).
(2)
النّشر (1/ 243).
وفي لفظ: «حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصّوت الحسن يزيد القرآن حسنا» (2).
والمعنى: حسّنوا أصواتكم وأنتم تتلون القرآن، فذلك ممّا يزيد أثر القرآن في النّفس.
والمعنى في حسن الصّوت: التّطريب والتّغنّي.
واختلف السّلف فيه، فذهبت طائفة منهم إلى كراهته، لما رأوا من شبه ذلك بأصوات الغناء، وذهب آخرون إلى شرعيّته واستحبابه، والفصل في
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 283، 285، 296، 304) والبخاريّ في «أفعال العباد» (رقم: 250 - 254، 256) وأبو داود (رقم: 1468) والنّسائيّ (رقم: 1015، 1016) وفي «فضائل القرآن» (رقم: 75) وابن ماجة (رقم:
1342) والدّارميّ (رقم: 3372) من طرق عن طلحة بن مصرّف، عن عبد الرّحمن بن عوسجة، عن البراء، به.
قلت: وإسناده صحيح.
وعلّقه البخاريّ في «الصّحيح» (6/ 2743) بصيغة الجزم، وله طريقان آخران عن البراء، وله شاهد من حديث أبي هريرة، كما شرحته في «علل الحديث» .
(2)
حديث حسن. أخرجه الدّارميّ (رقم: 3373) والحاكم (رقم: 2125) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2141) من طريق صدقة بن أبي عمران، عن علقمة بن مرثد، عن زاذان أبي عمر، عن البراء، به مرفوعا.
قلت: وإسناده حسن، صدقة صدوق لا بأس به.
ذلك لسنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنّها قد بيّنت صحّة مذهب القائلين باستحباب ذلك من أهل العلم، كحديث البراء هذا.
كذلك حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يأذن الله لشيء ما أذن للنّبيّ أن يتغنّى بالقرآن» (1).
والمعنى: لم يستمع الله لشيء استماعه للنّبيّ صلى الله عليه وسلم في تغنّيه بالقرآن.
ولا معنى للتّغنّي هنا إلّا تحسين الصّوت؛ لقرينة ذكر الاستماع.
وعن أبي موسى الأشعريّ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» (2).
فشبّه صوت أبي موسى بالقرآن بأصوات المزامير، والجامع بينهما الصّوت المطرب الّذي يأخذ بمجامع القلوب.
وفي المسألة من الأحاديث أكثر من هذا، لكنّ هذا أصحّه وأبينه، وهو كاف في إفادة المقصود.
وحاصله: أنّ قراءة القرآن بالأصوات المطرّبة مشروع محبوب.
(1) حديث صحيح. متّفق عليه، أخرجه البخاريّ (رقم: 4735، 4736، 7044، 7105) ومسلم (رقم: 792).
(2)
حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4761) ومسلم (1/ 546) واللّفظ له.
قال الشّافعيّ، رحمه الله:«لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصّوت بأيّ وجه ما كان، وأحبّ ما يقرأ إليّ حدرا وتحزينا» (1).
وليس لحسن الصّوت حدّ ينتهى إليه، وهو بحسب ما آتى الله الإنسان من ذلك، لكن يجب على التّالي بالألحان أن لا يجاوز أحكام التّجويد وقواعد التّلاوة.
ويروى هاهنا حديث شائع «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق، فإنّه سيجيء من بعدي قوم يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والرّهبانيّة والنّوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الّذين يعجبهم شأنهم» .
وهذا حديث لا يصحّ (2)، ولو صحّ فوجه المنع إنّما هو من التّطريب الّذي يقع معه اللّحن والخروج عن الصّواب في القراءة، كما يوحي إليه ذكر لحون العرب، أمّا التّطريب مع المحافظة على حقّ التّلاوة، فذلك من هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال أبو الحسن الماورديّ: «إذا أخرجت ألفاظ القرآن عن
صيغته،
(1) مختصر المزنيّ (ص: 311)، الأمّ (6/ 210)، مناقب الشّافعيّ، للبيهقيّ (1/ 280).
(2)
أخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص: 165) والحكيم في «النّوادر» (رقم: 857) والطّبرانيّ في «الأوسط» (رقم: 7219) وغيرهم عن حذيفة، به مرفوعا.
وإسناده ضعيف جدّا، بيّنت علّته في كتابي «الغناء والمعازف في الميزان» .
بإدخال حركات فيه وإخراج حركات منه، يقصد بها وزن الكلام وانتظام اللّحن، أو مدّ مقصور، أو قصر ممدود، أو مطّط حتّى خفي اللّفظ والتبس المعنى، فهذا محظور يفسق به القارئ، ويأثم به المستمع؛ لأنّه قد عدل به عن نهجه إلى اعوجاجه، والله تعالى يقول:
قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزّمر: 28]، وإذا لم يخرجه اللّحن عن صيغة لفظه وقراءته على ترتيله، كان مباحا؛ لأنّه قد زاد بألحانه في تحسينه وميل النّفس إلى سماعه» (1).
5 -
أن يجتهد في الخشوع، ولا بأس بالبكاء، بل هو حسن لمن قدر عليه من غير تكلّف.
قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزّمر: 23].
وقال عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 17 [الحديد: 16 - 17].
وقال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ
(1) الحاوي الكبير (17/ 198).
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً 109 [الإسراء: 106 - 109].
كما قال عز وجل: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [مريم: 58].
فهذه الآيات البيّنات واضحة الدّلالة على الأمر بالخشوع، وبيان ما يكون من حال الصّفوة من عباد الله من النّبيّين وأولي العلم عند سماع الآيات تتلى عليهم من الخضوع والبكاء من خشية الله.
وعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال:
قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ» ، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟
قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» ، فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً 41 قال: «أمسك» ، فإذا عيناه تذرفان.
وفي لفظ: فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل (1).
وهذا معنى يشترك فيه التّالي والمستمع.
وعلى هذه الصّفة كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4306، 4762، 4763، 4768، 4769) ومسلم (رقم: 800) واللّفظ الثّاني له.
فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت:«إنّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء» (1).
وعن عبد الله بن شدّاد بن الهاد، قال: سمعت نشيج عمر بن
الخطّاب وأنا في آخر الصّفوف في صلاة الصّبح، يقرأ من سورة يوسف، يقول: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف: 86](2).
فهذا حال إمامي الأمّة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهما، وذلك واقع في صلاة وفي غيرها، وهو أمر يجلبه الخشوع للقرآن، لا يملك الخاشعون ردّه وهم يتلون آيات الله أو تتلى عليهم، ولذا سيق ذلك عنهم مساق المدح.
(1) جزء من حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: 650) من طريق الزّهريّ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به ضمن قصّة مرض النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وهو في «الصّحيحين» بمعناه من حديث عائشة نفسها.
(2)
أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 3565) ويحيى بن معين في «تاريخه» (رقم: 2213) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2057) من طريق إسماعيل بن محمّد بن سعد، سمع عبد الله بن شدّاد، به.
قلت: علّقه البخاريّ في «صحيحه» (1/ 252) بصيغة الجزم، وإسناده صحيح، وصحّح إسناده الحافظ ابن حجر في «تغليق التّعليق» (2/ 330).
تابع ابن الهاد عليه: علقمة بن وقّاص، قال: صلّيت خلف عمر بن الخطّاب، فقرأ سورة يوسف، فكان إذا أتى على ذكر يوسف سمعت نشيجه من وراء الصّفوف.
أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 3566) وابن أبي الدّنيا في «الرّقّة والبكاء» (رقم:
417) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2058) من طريق ابن جريج، قال: حدّثنا ابن أبي مليكة، عن علقمة، به. وإسناده صحيح.
وكذلك حكت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما من حال الصّحابة:
فعن عبد الله بن عروة بن الزّبير، قال: قلت لجدّتي أسماء: كيف كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرءوا القرآن؟ قالت: «كانوا كما نعتهم الله عز وجل: تدمع أعينهم وتقشعرّ جلودهم» ، قلت: فإنّ ناسا هاهنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية، فقالت:«أعوذ بالله من الشّيطان» (1).
وفي هذا إنكار من أسماء أن يبلغ الخشوع بصاحبه إلى الغشيان، وإنّما ذلك بالقشعريرة ودمع العين، كذلك كان حال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه، ولا يعرف ذلك الغشيان فيهم، ولا يثبت عن أحد منهم أنّه كان يصعق عند القرآن، إنّما ذكر ذلك عمّن بعدهم، وهدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحسن الهدي وأكمله.
وما يروى في تكلّف البكاء فلا يصحّ، كحديث:«إنّ هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» (2).
(1) أثر صحيح. أخرجه سعيد بن منصور في «فضائل القرآن» من «سننه» (رقم: 95) قال: حدّثنا هشيم، قال: حدّثنا حصين، عن عبد الله بن عروة، به.
قلت: إسناده صحيح، هشيم هو ابن بشير، وحصين هو ابن عبد الرّحمن.
(2)
أخرجه ابن ماجة (رقم: 1337، 4196) وأبو يعلى (2/ رقم: 689) والبيهقيّ في «السّنن» (10/ 231) من طرق عن الوليد بن مسلم، حدّثنا أبو رافع، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرّحمن بن السّائب، قال:
قدم علينا سعد بن أبي وقّاص وقد كفّ بصره، فسلّمت عليه، فقال: من أنت؟
فأخبرته، فقال: مرحبا بابن أخي، بلغني أنّك حسن الصّوت بالقرآن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره، وزاد:«وتغنّوا به، فمن لم يتغنّ به فليس منّا» .
قلت: إسناده ضعيف، أبو رافع اسمه إسماعيل بن رافع، ضعيف منكر الحديث.
6 -
أن يستحضر أنّه مخاطب بما يقرأ، فيتأمّل ذكر التّوحيد والإيمان، والأمر والنّهي، والوعد والوعيد، والقصص والأمثال، ويلاحظ ما يلزمه من ذلك من التّصديق والامتثال والاعتبار، ويراعي الجواب في موضع السّؤال، ولا يفوّت ما تقتضيه الآية من تسبيح أو تحميد أو تكبير أو استغفار أو دعاء، ويغتنم ذكر الجنّة بالرّغبة إلى ربّه وسؤاله الفوز بدخولها، وذكر النّار بالرّهبة وسؤاله ربّه النّجاة منها.
عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: صلّيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، قال: فافتتح البقرة، فقرأ حتّى بلغ رأس المائة، فقلت: يركع، ثمّ مضى حتّى بلغ المائتين، فقلت: يركع، ثمّ مضى حتّى ختمها، قال:
فقلت: يركع، قال: ثمّ افتتح سورة آل عمران، حتّى ختمها، قال:
فقلت: يركع، قال: ثمّ افتتح سورة النّساء، فقرأها، قال: ثمّ ركع، قال: فقال في ركوعه: سبحان ربّي العظيم، قال: وكان ركوعه بمنزلة قيامه، ثمّ سجد، فكان سجوده مثل ركوعه، وقال في سجوده: سبحان ربّي الأعلى، قال: وكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية فيها عذاب تعوّذ (وفي لفظ: استجار)، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله عز وجل سبّح (1).
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (5/ 382، 384، 389، 394، 397) ومسلم (رقم: 772) وأبو داود (رقم: 871) والتّرمذيّ (رقم: 262) والنّسائيّ (رقم:
1008، 1009، 1133، 1664) وابن ماجة (رقم: 1351) والدّارميّ (رقم:
1281) من طرق عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن مستورد بن أحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة.
السّياق لأحمد واللّفظ الآخر لابن ماجة. قال التّرمذيّ: «حديث حسن صحيح» .
وله شاهد من حديث عوف بن مالك، وآخر من حديث عائشة، بنحوه.
وعن ابن عبّاس، رضي الله عنهما: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 قال: «سبحان ربّي الأعلى» (1).
وعن ابن عبّاس، قال:«إذا قرأ أحدكم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 فليقل: سبحان ربّي الأعلى، وإذا قرأ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى 40 [القيامة: 40] فليقل: اللهمّ بلى، أو: اللهمّ سبحان ربّي، بلى» (2).
وعن عبد الله بن السّائب، رضي الله عنه، قال:
أخّر عمر، كرّم الله وجهه، العشاء الآخرة، فصلّيت، ودخل فكان في ظهري، فقرأت: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً 1 حتّى أتيت على قوله:
وَفِي السَّماءِ
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 2066) وأبو داود (رقم: 883) والطّبرانيّ في «الكبير» (رقم: 12335) والبيهقيّ (2/ 310) من طريق وكيع بن الجرّاح، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، به.
قلت: وإسناده صحيح، وأورد عليه تعليل غير مؤثّر، بيّنته في «علل الحديث» .
(2)
أثر صحيح. أخرجه ابن الضّريس في «فضائل القرآن» (رقم: 13) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2100) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، به، والسّياق للبيهقيّ.
قلت: إسناده صحيح، وشعبة هو ابن الحجّاج.
رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 22 [22]، فرفع صوته حتّى ملأ المسجد: أشهد (1).
وعن عائشة، رضي الله عنها، أنّها كانت إذا قرأت فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ 27 [الطّور: 27] قالت: اللهمّ منّ عليّ وقني عذاب السّموم (2).
ومن ذلك أن يجيب عند مثل قول الله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ* [الأعراف: 185، المرسلات: 50] فيقول مثلا: آمنت بالله وكتابه.
وعند قوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ 8 [التّين: 8]، فيقول:
بلى، وأنا على ذلك من الشّاهدين (3).
وعند قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ 13* [الرّحمن: 13]، فيقول: ولا
(1) أثر حسن. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص: 149) قال: حدّثنا حجّاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن السّائب، به.
قلت: وهذا إسناد حسن، ابن خثيم حسن الحديث لا بأس به، وحجّاج هو ابن محمّد، وعبد الله بن السّائب هو المخزوميّ من قرّاء الصّحابة.
(2)
أثر صحيح. أخرجه البيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2092) من طريق شعبة، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن عائشة، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 6035) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (كما في «تفسير ابن كثير» 6/ 435) من طريق وكيع، عن الأعمش، به نحوه. وإسناده صحيح.
(3)
روي في هذه والّتي قبلها ما لم يثبت إسناده من الحديث، ولذا أعرضت عنه.
بشيء من نعمة ربّنا نكذّب (1).
وعند قوله: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ 59 [الواقعة: 59]، وقوله: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ 64 [الواقعة: 64]، وقوله:
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ 69 [الواقعة: 69]، وقوله:
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ 72 [الواقعة: 72]، فيقول عند جميعها: بل أنت يا ربّ (2).
ولا يجب أن تكون صيغة الجواب توقيفيّة، بل لك أن تجتهد فيه؛ فإنّ عموم الهدي النّبويّ في ذلك يجعل للمتدبّر السّعة في أن يستعمل من الصّيغ ما بدا له ممّا يتحقّق به المقصود، كذلك فهمه السّلف، كما قدّمته عن عمر وعائشة وابن عبّاس، وذلك في صلاة وفي غيرها، غير أنّي أنبّه على أن لا يشغل بذلك عن استماع التّلاوة إذا كان يستمع لغيره ولم يجد فسحة للجواب أو السّؤال أو التّسبيح.
7 -
وممّا يعين التّالي على التّدبّر: أن يجتنب ما يقطع تلاوته ممّا لا يتّصل بها، ككلام الآدميّين، إلّا ما لزمه بأمر الشّرع، كردّ سلام أو تشميت عاطس، أو شبه ذلك، أو دعت إليه حاجة واقتضته مصلحة.
عن عبد الله بن عون، قال: كان ابن سيرين يكره أن يقرأ الرّجل القرآن
(1) فيه حديث مرفوع حسن، تقدّم ذكره في الهامش (ص: 65).
(2)
روي في ذلك أثر بإسناد ليّن عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أخرجه البيهقيّ في «السّنن» (2/ 311).
إلّا كما أنزل، يكره أن يقرأ ثمّ يتكلّم ثمّ يقرأ (1).
ولو تخلّل تلاوته ما لا يخرج عن موضوعها، كالّذي ذكرته في المسألة السّابقة من إجابة سؤال القرآن، أو تقديس الله تعالى، وشبه ذلك، أو تبيين فائدة لغيره من شرح
غريب أو ذكر سبب نزول، فالقطع لمثل ذلك حسن.
عن نافع مولى عبد الله بن عمر، قال: كان ابن عمر، رضي الله عنهما، إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما، فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكان، قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت:
لا، قال: أنزلت في كذا وكذا، ثمّ مضى (2).
قال أبو عبيد الهرويّ: «إنّما رخّص ابن عمر في هذا؛ لأنّ الّذي تكلّم به من تأويل القرآن وسببه، ولو كان الكلام من أحاديث النّاس وأخبارهم كان عندي مكروها أن تقطع القراءة به» (3).
8 -
أن يكفّ التّثاؤب إذا ورد؛ لما ثبت أنّ التّثاؤب من الشّيطان، وأنّ الله تعالى يكرهه.
فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ الله يحبّ العطاس، ويكره التّثاؤب، فإذا عطس أحدكم
وحمد الله
(1) أثر صحيح. أخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص: 190) بإسناد صحيح.
(2)
حديث صحيح. أخرجه أبو عبيد (ص: 190 - 191) والبخاريّ (رقم: 4253) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2133) من طريق ابن عون، عن نافع، به.
(3)
فضائل القرآن (ص: 191).
كان حقّا على كلّ مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشّيطان» (1).
وعن مجاهد المكّيّ، قال:«إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن، فأمسك عن القراءة حتّى يذهب تثاؤبك» (2).
وعن عكرمة مولى ابن عبّاس، قال:«إذا تثاءب أحدكم وهو يقرأ القرآن فليسكت، ولا يقل: ها، ها، وهو يقرأ» (3).
ولو استعاذ بالله من الشّيطان الرّجيم عند ورود التّثاؤب مع الاجتهاد في ردّه لكان حسنا، لقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 200 [الأعراف: 200].
9 -
وممّا يعين على التّدبّر: أن يراعي أحكام الوقف والابتداء، على ما بيّنته في الفصل السّابق.
وينبغي له أن يجتنب بدء تلاوته في أثناء السّياق، أو قطعها قبل تتمّته،
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3115، 5869، 5872) ومسلم (رقم: 2994)، واللّفظ للبخاريّ.
(2)
أثر صحيح. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص: 118) وسعيد بن منصور (رقم: 98) والآجرّيّ في «أخلاق حملة القرآن» (ص: 203) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2125) بإسناد صحيح.
(3)
أثر صحيح. أخرجه أبو عبيد (ص: 119) بإسناد صحيح.
فذلك ممّا يختلّ به المعنى.
وهذا ممّا يغفل عنه كثير من النّاس، ويسبّبه أحيانا قسمة الأجزاء والأحزاب والأرباع الموجودة في مصاحف المسلمين، فكثير منها لم
يراع فيه هذا الّذي ذكرته، فترى القارئ يقرأ الجزء أو الحزب أو الرّبع في صلاة أو غيرها، فيقف على رأس ذلك ولم يتمّ المعنى بعد، أو يبدأ من وسط الكلام وقد ذهب عليه أوّله.
كما ترى في جزء وَالْمُحْصَناتُ* [النّساء: 24]، والحكم فيها متّصل بما قبلها، وجزء قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ [الأعراف: 111] وهذا قطع القصّة، وجزء إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ [التّوبة: 93] وهذه تتمّة لما قبلها، وجزء وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف: 53] وقطعها عمّا قبلها خلل بيّن، وهكذا في أجزاء أخرى، وهو في الأحزاب والأرباع أكثر، فعلى التّالي أن يلاحظ ذلك، ولا ينهى قراءته إلّا في موضع تمّ به المعنى، كما لا يبدأ إلّا من حيث ابتدأ الموضوع.
عن ميمون بن مهران، قال: «إنّي لأقشعرّ من قراءة أقوام، يرى أحدهم حتما عليه ألّا يقصر عن العشر، إنّما كانت القرّاء تقرأ القصص إن طالت أو قصرت، يقرأ أحدهم اليوم وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11 [البقرة: 11]، قال: ويقوم في الرّكعة الثّانية فيقرأ أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة: 12]» (1).
وعلى قارئ القرآن أن يتخلّق بأخلاقه ويتأدّب بآدابه، فإنّه قد اشتمل على جميع مكارم الأخلاق ومعاليها، في السّلوك إلى الله عز وجل في عبادته في الظّاهر والباطن، والسّلوك مع الخلق في معاملتهم ومعايشتهم.
والمقصود أن تتحوّل توجيهات القرآن إلى عمل في حياة المسلم، فلا يتقدّم ولا يتأخّر إلّا وفق تبصيره وتعليمه، يمتثل أمره ونهيه، ويحلّ حلاله، ويحرّم حرامه، ويقف عند حدوده، ويؤمن بأخباره ووعده ووعيده، ويعتبر بأمثاله وقصصه.
عن سعد بن هشام أنّه سأل عائشة رضي الله عنها، فقال: أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:«ألست تقرأ القرآن؟» ، قلت: بلى، قالت:«فإنّ خلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» (2).
والّذي يفسّر هذا الحديث هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ ما كان عليه من السّيرة والعمل هو معنى التّخلّق بأخلاق القرآن.
(1) أخرجه الدّاني في «المكتفى» (ص: 135).
(2)
حديث صحيح. أخرجه أحمد (6/ 53 - 54، 94 - 95، 163) ومسلم (رقم:
746) وأبو داود (رقم: 1342) والنّسائيّ (رقم: 1601) والدّارميّ (رقم:
1447) من طريق قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، به، ضمن قصّة.