الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان ابن عبّاس إذا سئل عن الأمر، فكان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر، فإن لم يكن قال فيه برأيه (1).
ثالثا: تفسير القرآن بآثار الصّحابة
.
وهذا بالنّظر في المنقول الثّابت عنهم في التّفسير عند فقده في القرآن والسّنّة، ذلك، أنّهم قد أوتوا من الدّراية بالقرآن ما لم يؤت أحد بعدهم، ولا عجب، فهم العرب الخلّص، وبلسانهم نزل القرآن، وقد شهدوا التّنزيل، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فربّاهم بالقرآن، وكان
يصبّحهم ويمسّيهم يتلوه عليهم ويبيّنه لهم بالقول والعمل، وهذه خصائص توجب بالضّرورة أن يكونوا أعلم النّاس بكتاب الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
حكم الاستدلال بتفسير الصّحابيّ:
كلام الصّحابيّ في التّفسير وارد على أربعة أقسام:
أوّلها: أن يكون حكاية عمّا وقع في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، كسبب نزول آية أو
(1) أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 22984) والدّارميّ (رقم: 166) وابن سعد (2/ 366) والحاكم (رقم: 439) والبيهقيّ في «المدخل» (رقم: 73) والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (رقم: 542، 543) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبيد الله، به.
(2)
انظر ما سيأتي في المقدّمة السّادسة (ص: 467) عند ذكر هدي الصّحابة في أخذ القرآن. كذلك بالنّسبة إلى دورهم في التّفسير انظر ما سيأتي في (تاريخ التّفسير).
سورة، أو الإخبار عن شيء كان يومئذ.
فأمّا المثال لسبب النّزول فقد تقدّم.
وأمّا المثال لشيء وقع يومئذ، فكحديث عائشة، في قوله تعالى:
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب: 10] قالت: «كان ذلك يوم الخندق» (1).
فمثل هذا له حكم المرفوع، وهو حجّة (2).
وثانيها: أن يكون خبرا لا يقال مثله من قبل الرّأي، فله حكم المرفوع، وهو حجّة، بشرط أن لا توجد مظنّة غالبة أنّه ممّا أخذ عن علماء أهل الكتاب، كبعض قصص الأنبياء وغيرهم، وما يتّصل ببدء الخلق وذكر الجنّة والنّار (3).
فمثال ما له حكم الرّفع حديث ابن عبّاس في سياق قصّة إسماعيل عليه السلام وأمّه وأبيه إبراهيم الخليل عليه السلام، وبناء البيت الحرام، فقد ذكر قصّة طويلة أكثرها لم يقل فيه:(قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم (4).
ومثل قول ابن عبّاس أيضا ممّا يدرج تحت تفسير غير آية:
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3877) ومسلم (رقم:
3020).
(2)
وانظر ما تقدّم في شأن أسباب النّزول (ص: 45).
(3)
وانظر ما سيأتي في الفصل الرّابع حول الإسرائيليّات (ص: 343).
(4)
حديث صحيح. أخرجه البخاريّ (رقم: 3184).
«ليس في الدّنيا شيء ممّا في الجنّة إلّا الأسماء» (1).
ونقول لهذا: (له حكم الرّفع) لأنّ مثله لا يقال إلّا بتوقيف، إذ احتمال كونه مجرّد اجتهاد ضعيف، ومظنّة كونه من الإسرائيليّات ضعيفة كذلك؛ لأنّ ابن عبّاس وإن سمع من كعب الأحبار، لكنّه أقلّ جدّا مع نقده لذلك.
أمّا إذا كان الصّحابيّ ممّن قد ثبت كثرة تحديثه بالإسرائيليّات، مثل عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، فالواجب أن لا يقال فيما نقلوا ممّا فيه مظنّة ذلك:(له حكم الرّفع).
مثل قول أبي هريرة في تفسير قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [القصص: 46] قال: نودي أن: يا أمّة محمّد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني (2).
فهذا خبر لا يقال مثله من قبل الاجتهاد، إنّما يعتمد على النّقل، لكن حين ثبت أنّ أبا هريرة حمل من علوم أهل الكتاب، لم يصحّ أن يقال في هذا:(له حكم الرّفع).
(1) أثر صحيح. أخرجه وكيع بن الجرّاح في «نسخته عن الأعمش» (رقم: 1) وهنّاد في «الزّهد» (رقم: 3، 8) وابن جرير (1/ 174) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (رقم:
260) وغيرهم من طرق عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاس، به.
وإسناده صحيح.
(2)
أثر صحيح. أخرجه النّسائيّ في «التّفسير» (رقم: 402) وابن أبي حاتم (رقم:
16946) والحاكم (رقم: 3535). وإسناده صحيح.