الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: جمع القرآن
المبحث الأول: تمكين الأمة من حفظ القرآن
حين قال المشركون فيما ذكره الله تعالى عنهم: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر: 6] مستهزئين متهكّمين برسول الله صلى الله عليه وسلم، منكرين أن يكون ما جاءهم به من عند الله، ردّ الله عز وجل عليهم بقوله:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9 [الحجر: 9] يقول: نعم، إنّه تنزيلنا ووحينا، وهو محفوظ بحفظنا، ليس لأحد عليه سلطان بتغيير أو تبديل أو زيادة أو نقص.
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 42 [فصّلت: 41 - 42]، فنفى ربّنا تعالى عن القرآن كلّ باطل، فحفظه من ذلك فيما تقدّمه، فما هو بقول ساحر ولا مجنون، ولا بأساطير الأوّلين، بل هو المصدّق لما قبله من وحي الله وتنزيله، والشّاهد على ما فيه من
الحقّ، والمصوّب لما طرأ عليه من التّحريف والتّبديل، كما حفظه من الباطل بعد أن أوحاه إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم، فبرّأه من كتمانه، كما برّأه من الزّيادة أو النّقص فيه، كما قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ
لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ 47 [الحاقّة: 44 - 47]، فإذا كان هذا الوعيد في حقّ نبيّ الله ومصطفاه، فكيف يمكن لأحد بعده أن يبدّل كلام الله؟ فقاتل الله أهل الأهواء!
عن نافع مولى عبد الله بن عمر، قال:
خطب الحجّاج (يعني الثّقفيّ) فقال: إنّ ابن الزّبير (يعني عبد الله) يبدّل كلام الله تعالى، قال: فقال ابن عمر، رضي الله عنهما: كذب الحجّاج، إنّ ابن الزّبير لا يبدّل كلام الله تعالى، ولا يستطيع ذلك (1).
وفي قوله تعالى في الآية المتقدّمة: وَلا مِنْ خَلْفِهِ مع قوله:
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ دليل على سلامة القرآن ما أبقاه الله بين أيدي النّاس، محفوظ بحروفه كما أنزله الله، يقرأه النّاس في كلّ زمان وكأنّه حديث عهد بالله ربّ العالمين، كأنّما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديهم يتلوه عليهم وعنه يأخذونه غضّا طريّا.
وهذا مقدّمة لتمكين الأمّة من حفظ القرآن، فما يأتي بيانه من مراحل جمعه ومصيره إلى المصاحف، فهو الطّريق الّذي أراد الله تعالى به حفظ هذا القرآن ليبقى حجّته على العالمين، وفيه دليل على أنّ ما قامت به الأمّة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم بخصوص ذلك كان ممّا أراده الله قدرا
لحفظ كتابه، وسخّرهم له
(1) أثر صحيح. أخرجه البيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (رقم: 528) وإسناده صحيح.