الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: تتمة في مسائل
المسألة الأولى: الأنفال والتّوبة سورتان في قول أكثر العلماء،
وذهب بعضهم إلى أنّهما سورة واحدة، والأدلّة أظهر على خلافه، فقد ورد ما يبيّن الفصل بينهما وأنّهما سورتان وإن لم يفصل بينهما بالبسملة، فمن ذلك:
1 -
حديث سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبّاس: سورة التّوبة؟
قال: التّوبة؟ قال: بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل: وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حتّى ظنّوا أن لا يبقى منّا أحد إلّا ذكر فيها، قال: قلت:
سورة الأنفال؟ قال: تلك سورة بدر، قال: قلت: فالحشر؟ قال:
نزلت في بني النّضير (1).
2 -
حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال: آخر آية أنزلت آية الكلالة، وآخر سورة أنزلت (براءة).
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4600) ومسلم (رقم: 3031).
وفي لفظ: إنّ آخر سورة أنزلت تامّة سورة التّوبة، وإنّ آخر آية أنزلت آية الكلالة (1).
المسألة الثّانية: أقسام السّور باعتبار الطّول أربعة:
1 -
الطّوال، ويقال:(الطّول) وهي سبع سور: البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف.
واختلف في السّابعة، فقيل: التّوبة، وقيل: الأنفال والتّوبة كسورة واحدة، وقيل: يونس، بدلهما.
2 -
المئين، وهي: السّور الّتي تزيد آياتها على مائة آية أو تقاربها، كالأنفال ويونس وهود والنّحل والإسراء والمؤمنون.
3 -
المثاني، وهي: السّور الّتي تكون آياتها أقلّ من مائة، كالنّور والفرقان والقصص ويس والزّمر.
واعلم أنّه ورد استعمال لفظ (المثاني) في النّصوص مرادا به ثلاثة معان كلّها تعود إلى القرآن:
الأوّل: القرآن كلّه، ومنه قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 4106، 4329، 4377، 6363) ومسلم (رقم: 1618)، واللّفظ الثّاني له وحده.
مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزّمر: 23]، وسمّي بذلك لأنّ القصص والأنباء ثنّيت فيه.
الثّاني: ما كان دون المئين وفوق المفصّل من السّور.
كما في حديث واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه، قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«أعطيت مكان التّوراة السّبع الطّوال، ومكان الزّبور المئين، ومكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل» (1).
والسّبب في إطلاق هذه التّسمية على هذا المقدار من السّور هو نفسه في إطلاقها على جميع القرآن؛ لكونها أكثر اختصاصا به.
(1) حديث حسن. أخرجه الطّيالسيّ (رقم: 1012) ومن طريقه: أحمد (4/ 107) والطّحاويّ في «شرح المشكل» (رقم: 1389) وابن جرير في «التّفسير» (رقم:
126) والبيهقيّ في «الشّعب» (2/ 465).
والطّبرانيّ في «الكبير» (22/ 75) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2484) من طريق عمرو بن مرزوق، كلاهما قالا: حدّثنا عمران القطّان، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع، به.
قلت: وإسناده حسن، عمران صدوق يحسّن حديثه، وسائر الإسناد ثقات.
تابع عمران عليه: سعيد بن بشير.
أخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص: 225) وابن جرير (رقم: 126) والطّبرانيّ في «الكبير» (22/ 76) و «مسند الشّاميّين» (رقم: 2734) والبيهقيّ في «الشّعب» (رقم: 2485) من طرق عنه.
قلت: وهي متابعة يعتبر بها.
الثّالث: سورة الفاتحة خاصّة، لحديث أبي سعيد بن المعلّى وغيره (1).
والسّبب في إطلاق ذلك عليها أنّها تثنّى في الصّلاة في كلّ ركعة (2).
فلفظ (المثاني) مشترك في هذه المعاني جميعا، يتبيّن المراد به بالقرينة.
4 -
المفصّل، وهو: السّور من ق إلى آخر القرآن على قول قويّ، وهو ثلاثة أقسام: طوال، وهي إلى: عَمَّ، وأوساط، وهي إلى وَالضُّحى 1، وقصار وهي ما بقي إلى آخر المصحف.
وسمّيت (المفصّل) لكثرة الفصول الّتي بين سورها بالبسملة (3).
واعلم أنّه ليس هناك دليل يقطع بتحديد أوّل وآخر كلّ قسم من هذه الثّلاثة، وإنّما تكلّم العلماء فيها بالاجتهاد، فهذه سورة الشّعراء مثلا (227) آية، ومع ذلك جاءت في المصحف في سياق سور هي من المثاني.
المسألة الثّالثة: تجزئة القرآن وتحزيبه وقسمة الأرباع على الصّورة الّتي توجد في مصاحف المسلمين اجتهاديّة، ولها أصل من فعل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن على غير هذه القسمة، وكان السّلف يختلفون في ذلك، وليس المعنى فيه تعبّديّا وإنّما هو لتيسير أخذ القرآن.
(1) تقدّم ذكره في التعليق (ص: 65، 139).
(2)
انظر: غريب الحديث، لأبي عبيد (3/ 145 - 146).
(3)
انظر: تفسير ابن جرير (1/ 104 - شاكر).