الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام هاهنا في الطّهارة من الحدثين: الأصغر، والأكبر، وطهارة المكان والثّوب، والسّواك، لتلاوة القرآن، فهذه أربع مسائل:
المسألة الأولى: الطّهارة من الحدث الأصغر:
الوضوء لقراءة القرآن مستحبّ وليس بواجب، وتجوز القراءة بدونه.
دليل الاستحباب: ما ثبت عن المهاجر بن قنفذ، رضي الله عنه:
أنّه سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضّأ، فلم يردّ عليه حتّى توضّأ، فردّ عليه، وقال:«إنّه لم يمنعني أن أردّ عليك إلّا أنّي كرهت أن أذكر الله إلّا على طهارة [وفي لفظ: وضوء]» (1).
قال قتادة بن دعامة السّدوسيّ: فكان الحسن (يعني البصريّ) من أجل هذا الحديث يكره أن يقرأ أو يذكر الله عز وجل حتّى يتطهّر (2).
وأمّا ما دلّ على جواز التّلاوة على غير وضوء، فأحاديث، من أظهرها:
1 -
حديث عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يذكر الله
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 345 و 5/ 80) وأبو داود (رقم: 17) والنّسائيّ (رقم: 38) وابن ماجة (رقم: 350) وغيرهم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر، به، واللّفظ الثّاني لأحمد في موضع وابن ماجة.
قلت: إسناده صحيح، وصحّحه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم، وله طرق وشواهد استوفيت شرحها في كتابي (حكم الطّهارة لغير الصّلوات).
(2)
ثبت هذا عند أحمد في الموضع الأول من رواية حديث المهاجر المذكور.
على كلّ أحيانه (1).
فهذا عموم يندرج تحته حال الطّهارة وعدمها، كما أنّ كلّ ما يسمّى ذكرا لله تعالى فهو مراد هنا، والقرآن أعظم الذّكر، قال تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر: 9].
2 -
ما حدّث به أبو سلّام الحبشيّ، قال: حدّثني من رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بال، ثمّ تلا شيئا من القرآن قبل أن يمسّ ماء (2).
3 -
حديث ابن عبّاس، رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فقرّب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء (3)؟ قال:
«إنّما أمرت
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (6/ 70، 153، 278) ومسلم (رقم: 373) وأبو داود (رقم: 18) والتّرمذيّ (رقم: 3384) وابن ماجة (رقم: 302) من طريق زكريّا بن أبي زائدة، عن خالد بن سلمة، عن البهيّ، عن عروة، عن عائشة، به.
علّقه البخاريّ في «الصّحيح» بصيغة الجزم في موضعين (1/ 116، 227)، وقال التّرمذيّ:«حديث حسن غريب» .
(2)
حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 237) وأحمد بن منيع (كما في «المطالب العالية» رقم: 107) قالا: حدّثنا هشيم، أخبرنا داود بن عمرو، قال: حدّثنا أبو سلّام، به.
قال الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار» (1/ 213): «حديث صحيح» .
قلت: إسناده حسن، داود بن عمرو شاميّ صدوق، كان عاملا على واسط، فلذا وقع حديثه لأهلها كهشيم وغيره، وأمّا إبهام الصّحابيّ فلا يضرّه.
(3)
الوضوء- بفتح الواو-: الماء المتّخذ للوضوء- بضمّها-.
بالوضوء إذا قمت إلى الصّلاة» (1).
قوله: «إنّما» أداة قصر في اللّغة والأصول، فقصر الأمر الواجب على الوضوء عند القيام إلى الصّلاة، فدلّ على أنّ ما سوى الصّلاة لا يجب له الوضوء، وزعم بعضهم أنّ القصر هنا ليس حقيقيّا؛ لما ألجأه إليه القول بوجوب الوضوء للطّواف بالبيت ومسّ المصحف، وليس كذلك، فإنّه ثبت أنّ الطّواف بمنزلة الصّلاة، فيأخذ حكمها في الطّهارة، وأمّا مسّ المصحف فالوضوء له ليس بواجب على التّحقيق، على ما سيأتي ذكره (2).
وأمّا الآثار عن السّلف في استحباب الوضوء وعدم وجوبه، فكثيرة، عن عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبّاس، وسلمان الفارسيّ، وأبي هريرة، ومن التّابعين عن عليّ بن الحسين زين العابدين، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن سيرين، وإبراهيم النّخعيّ، وغيرهم (3).
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: 2549، 3381) وأبو داود (رقم: 3760) والتّرمذيّ في «الجامع» (رقم: 1847) و «الشّمائل» (رقم: 176) والنّسائيّ (رقم:
132) من طريق أيّوب السّختيانيّ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس، به.
قلت: وإسناده صحيح، وقال التّرمذيّ:«حديث حسن» .
(2)
أجبت عن هذا في «الأجوبة المرضيّة عن الأسئلة النّجديّة» (ص: 38 - 39).
(3)
سقت نصوصهم وبيّنت درجاتها في كتاب «حكم الطّهارة لغير الصّلوات» .
وكذلك جميع ما أذكره في مسألة الطّهارة لقراءة القرآن ومسّ المصحف، فتفصيله في الكتاب المذكور.