الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود لهما بهذه الحجّة، فقام بهذا الّذي نقله القرّاء عن أبيّ وما ذكرناه عنه هاهنا من الرّواية حجّة لإبطال قول ابن مسعود بنفيهما من المصحف.
من المعلوم من سيرة ابن مسعود أن الله تعالى قيّض له أصحابا من بعده من سادة التّابعين قاموا بعلمه، فلم يأت عن أحد من هؤلاء موافقة ابن مسعود في رأيه هذا، ممّا يؤكّد الشّذوذ والغلط المتيقّن فيه.
فعن إبراهيم النّخعيّ (وإليه المنتهى في علم ابن مسعود) قال:
قلت للأسود: من القرآن هما؟ قال: نعم، يعني المعوّذتين (1).
وببعض ما ذكرت من الوجوه يبطل قول ابن مسعود
.
واعلم أنّ بعض العلماء كذّبوا كلّ ما نقل عنه بخصوص هذه القضيّة، وما أنصفوا، فالقواعد العلمية تقطع بكونه كان يذهب إلى نفي المعوّذتين، وطائفة زعمت أنّ ابن مسعود كان لا يراهما ممّا يكتب في المصحف، ولم يكن يجحد كونهما من القرآن، وهذا زعم يخالف الآثار المنقولة عنه في ذلك، وكأنّ الفريقين قصدا من جهة إبطال التّمسّك بمثل هذا عند الملحدين للطّعن في نقل القرآن، ومن جهة أخرى تنزيه ابن مسعود مع جلالته وعلمه عن مثل هذا الغلط الشّنيع.
(1) أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 30197) بإسناد صحيح.
والأسود هو ابن يزيد النّخعيّ، من أخصّ أصحاب ابن مسعود وأعلمهم.
لكنّهم لم يكونوا مضطرّين إلى ذلك ليضعفوا حجّتهم بمثله، وإنّما يكفي بعض القول الّذي قدّمناه في الذّبّ عن القرآن، دون تأثّر
بهذا الّذي قاله ابن مسعود، وأمّا غلط ابن مسعود فهو دليل على أنّ الغلط في الأصول وارد على الكبار في الاجتهاد، وليس يمنع اعتقاد فضلهم وعلوّ قدرهم من وقوعهم فيه، وإنّما العصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ لأمّته في مجموعها من بعده، وحيث تواطأت الأمّة على اعتقاد ما في المصحف وفيه المعوّذتان أنّه كتاب الله الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فاعتقادها هذا معصوم، وهو الحقّ المبين.
6 -
وأمّا قضيّة تحريق المصاحف غير المصحف العثمانيّ، فإنّ امتناع ابن مسعود عن تسليم مصحفه، وأمره النّاس بإخفاء مصاحفهم الّتي نسخوها لأنفسهم قبل المصحف الإمام، فهو نتيجة متصوّرة لموقفه المتقدّم شرحه من صنيع عثمان.
وكذلك الموقف من جهة أمير المؤمنين عثمان، فإنّه قصد بالجمع أن يجمع النّاس على مصحف واحد، ولا يتأتّى ذلك وهو يدعهم يحتفظون بما عندهم من القراءات والحروف ممّا لا يأتي على وفاقه.
والموقف العامّ من الصّحابة كان متّفقا مع رأيه، سوى ابن مسعود، وعابوا على ابن مسعود صنيعه.
قال مصعب بن سعد: أدركت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين شقّق عثمان
رضي الله عنه المصاحف؛ فأعجبهم ذلك، أو قال: لم ينكر ذلك منهم أحد (1).
وقال الزّهريّ: بلغني أنّ ذلك كره من مقالة ابن مسعود، كرهه رجال من أفاضل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم (2).
وتقدّم أمر حذيفة لابن مسعود بأن يدفع مصحفه لمن كلّفه أمير المؤمنين بإزالة المصاحف بالكوفة، وامتنع ابن مسعود.
وهذا أبو الدّرداء، وهو سيّد أهل الشّام، وأحد من تنتهي إليهم قراءة ابن عامر، يبلغه صنيع ابن مسعود، فلا يرضاه:
قال علقمة بن يزيد النّخعيّ: قدمت الشّام، فلقيت أبا الدّرداء، فقال: كنّا نعدّ عبد الله حنّانا، فما باله يواثب الأمراء؟ (3).
(1) أثر صحيح. أخرجه أبو عبيد في «الفضائل» (ص: 284) وابن شبّة (3/ 1004) قالا: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن مصعب، به.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
(2)
أثر صحيح. أخرجه أبو عبيد (ص: 283) والتّرمذيّ (رقم: 3103) وابن أبي داود في «المصاحف» (ص: 17) وابن عساكر (33/ 139) بإسناد صحيح إلى الزّهريّ.
(3)
أثر صحيح. أخرجه ابن أبي داود (ص: 18) وابن عساكر (33/ 140) من طريق عبد السّلام بن حرب، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة. وإسناده صحيح.