الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترتيب الحقائق: الشّرعيّة، فالعرفيّة، فاللّغويّة.
فتفسير لفظ (الصّلاة) في الكتاب والسّنّة، لا يصار إليه بدلالة اللّغة، إنّما يطلب معناه في مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيميّة: «القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللّغة ولا غيرهم» (1).
فإن قام دليل على عدم إرادة الحقيقة الشّرعيّة فيه، حملنا اللّفظ على ما قام عليه الدّليل من معناه، كقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التّوبة: 104]، فالصّلاة هنا الدّعاء لهم، وهذا تفسير باللّغة.
فإن فقدت تفسير اللّفظ في بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ممّا
تعلّقت به التّكاليف العمليّة، فاطلبه في عرف النّاس واستعمالهم، مثل لفظ (السّفر) و (عشرة الزّوجة)، فمثل هذا لا تسعف اللّغة في توضيح معناه.
أمّا سائر الألفاظ فالمعتبر فيها الحقيقة اللّغويّة.
المجاز:
المجاز مقابل للحقيقة، وهو: استعمال اللّفظ في غير ما وضع له، لعلاقة بينهما، مع قرينة تمنع من إرادة الحقيقة.
والعلاقات الّتي تكون بين المعنى المجازيّ والحقيقيّ للّفظ كثيرة، مفصّلة في (كتب البلاغة)، مثل التّعبير عن الكلّ بالجزء، كالتّعبير بالسّجود
(1) مجموع الفتاوى، لابن تيميّة (13/ 18).
عن الصّلاة، والتّعبير بلفظ المحلّ عن الحالّ فيه، كما في قوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها [يوسف: 82]، والمراد من حلّ فيها، وهم أهلها، وإسناد الفعل إلى الزّمان أو المكان، كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: 33]، ولا مكر للزّمن، إنّما أسند إليه لأنّ المكر يكون فيه.
ومن المجاز الاستعارة كذلك.
وقد اختلف النّاس في صحّة القول بإثبات المجاز في القرآن، فجمهور أهل العلم على إثباته، وطائفة منعته (1).
والنّزاع بينهم أشبه أن يكون لفظيّا، وكأنّ حقيقة قول المانعين ترجع إلى ما تذرّع به أهل البدع باستعمال المجاز في تأويل صفات الباري تعالى، والتّحقيق أنّ فساد قول أهل البدع لا يكون بإبطال القول بالمجاز؛ لأنّ حمل صفات الله عز وجل أو شيء منها على المجاز لا يخلو من تفسير الغيب بالشّهادة، وهو ممنوع.
(1) مواضع شرح ذلك كثيرة، فمعظم كتب الأصول تذكر هذه المسألة، انظر منها:
«الواضح» لابن عقيل (1/ 127 - 128، و 384 - 396)، «التّمهيد» للكلوذانيّ (1/ 77 - 87)، «المحصول» للرّازيّ (1/ 395 - 486)، «الإحكام» للآمديّ (1/ 45 - 50)، «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» لعزّ الدّين بن عبد السّلام، «الإبهاج» للسّبكيّين (1/ 271 - 321)، «إرشاد الفحول» للشّوكانيّ (ص: 18)، ولابن تيميّة كلام كثير حول ذلك، وكذا لتلميذه ابن القيّم، وهما ينتصران لمنع القول بالمجاز، كذلك للشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ في هذا كتاب «منع جواز المجاز في المنزّل للتّعبّد والإعجاز» .
فالمجاز أسلوب من أساليب العربيّة، نعم هو مبتكر في تسميته كسائر مصطلحات فنون العربيّة، ولكنّه جزء من هذه اللّغة.
وظهور الكلام فيه قديم، حتّى نسب أبو الخطّاب وابن عقيل القول به إلى الإمام أحمد بن حنبل (1).
والأصل أن لا يصار إليه إلّا عند تعذّر حمل اللّفظ على حقيقته.
ومن علامة المجاز: أنّه لا يؤكّد بالمصدر ولا بالتّكرار، تقول:
(أراد الحائط أن يسقط)، فإرادته مجاز، بدليل أنّه لا يصحّ أن يقال:
(أراد الحائط أن يسقط إرادة شديدة)، وتقول:(قالت الشّجرة فمالت)، ولا تقول:(قالت الشّجرة فمالت قولا شديدا).
فالتّكليم في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النّساء: 164] حقيقة؛ لأنّه أكّده بالمصدر، وفي قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 40 [النّحل: 40]، أكّد القول بالتّكرار، كما أكّد المعنى بإنّما، فانتفى المجاز (2).
كذلك فإنّ المجاز إنّما يظهر معناه بردّه إلى أصله، بخلاف الحقيقة، فمعناها ظاهر في لفظها (3).
(1) التّمهيد، لأبي الخطّاب (1/ 80)، الواضح، لابن عقيل (2/ 386).
(2)
تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة (ص: 111)، وذكر ابن عقيل في «الواضح» (2/ 395) كذلك علامات أخرى تميّزه عن الحقيقة.
(3)
الواضح، لابن عقيل (1/ 128).