الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأسباب، ولعلّ الله تعالى أراد أن يزيد في أجورهم ويرفع في درجاتهم بمثل ذلك العمل، لعظيم بلائهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتعرف الأمّة من بعدهم ما جعل الله لهم من الفضل عليهم أن كانوا سببا في حفظ دينهم بحفظ هذا القرآن، فجازى الله أبا بكر وعمر وعثمان ومن كان معهم من إخوانهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ هذا القرآن عن أمّة الإسلام أفضل ما يجازي به أولياءه الصّالحين.
المبحث الثاني: مراحل جمع القرآن
المرحلة الأولى: جمع القرآن في عهد الرّسالة:
جمع القرآن في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم حصل على صورتين:
الصّورة الأولى: الحفظ في الصّدور
.
وقدوة النّاس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يكن يكتب، ولا يقرأ من كتاب، إنّما كان يقرأ القرآن حفظا.
فعن عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 [القيامة: 16]، قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعالج من التّنزيل شدّة، كان يحرّك شفتيه، فأنزل الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17، قال: جمعه في صدرك ثمّ تقرأه، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 قال: فاستمع وأنصت، [ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ 19] ثمّ إنّ علينا أن
تقرأه، قال: فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما أقرأه (1).
وكان جبريل يأتيه في كلّ عام في رمضان يدارسه القرآن، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعرض عليه حفظه.
فعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها، قالت:
أسرّ إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ جبريل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة، وإنّه عارضني العام مرّتين، ولا أراه إلّا حضر أجلي» (2).
وأمّته صلى الله عليه وسلم أمّيّة كذلك، وإنّما كان النّاس يأخذون عنه القرآن فيجمعونه في صدورهم، وكانوا رضي الله عنهم أمّة عمل، يأخذون القرآن للعمل به، لم يكن يغرّهم كثرة الحفظ دون العمل، وهذا أحد أهمّ الأسباب في قلّة الحفّاظ الّذين جمعوا القرآن كلّه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الواحد منهم لا يخلو من حفظ بعض القرآن.
قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه:
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 5، 4643 - 4645، 4757، 7086) ومسلم (رقم: 448).
(2)
حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3426، 5928) ومسلم (رقم: 2450).
كان الرّجل منّا إذا تعلّم عشر آيات؛ لم يجاوزهنّ حتّى يعرف معانيهنّ، والعمل بهنّ (1).
والّذين عرفوا بجمع القرآن كلّه في صدورهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممّن صحّت بتسميتهم الأخبار هؤلاء السّادة الأخيار:
أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو الدّرداء، وأبو زيد الأنصاريّ، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:
«خذوا القرآن من أربعة: من ابن أمّ عبد، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة» (2).
وابن أمّ عبد هو عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال:
(1) أثر صحيح. أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (1/ 35) قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيق المروزيّ، قال: سمعت أبي يقول: حدّثنا الحسين بن واقد، قال حدّثنا الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود. قلت: وهذا إسناد صحيح.
(2)
حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3548، 3549، 3595، 3597، 4713) ومسلم (رقم: 2464).
جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلّهم من الأنصار:
معاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد (1).
وأمّا عبد الله بن عمرو؛ فهو صاحب سنّة التّوقيت في الختم (2).
وهؤلاء الأعيان من الصّحابة كانوا قد تفرّغوا لأخذ القرآن والاعتناء بحفظه، والّذين أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم كانوا قد عرضوا عليه قراءتهم وعلم إتقانهم؛ ولذا زكّاهم.
وستأتي في مرحلة جمع القرآن في عهد أبي بكر الإشارة إلى كثرة من قتل من القرّاء في حرب المرتدّين ممّا يدلّ على وجود الحفظ في آخرين من الصّحابة، وجائز أن يكون عند بعضهم القرآن كلّه، مثلما وقع لهؤلاء النّفر
(1) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: 3599، 4717، 4718) ومسلم (رقم: 2465).
(2)
وسيأتي ذكر حديثه في المقدّمة السّادسة (ص: 492).
ووقع في رواية عنه أنّه جمع القرآن على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
فأخرج أحمد (رقم: 6516، 6873) والنّسائيّ في «الكبرى» (رقم: 8064) وابن ماجة (رقم: 1346) وابن حبّان في «صحيحه» (رقم: 756، 757) من طرق عن ابن جريج، قال: سمعت ابن أبي مليكة يحدّث، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جمعت (وفي لفظ: حفظت) القرآن فقرأته في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّي أخشى أن يطول عليك الزّمان وأن تملّ، اقرأ به في كلّ شهر» .. وذكر سائر الحديث.
قلت: وإسناده صالح، والقصّة صحيحة.