المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين: - جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة - جـ ٣

[أحمد زكي صفوت]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌فهرس مآخذ الخطب في هذا الجزء

- ‌الباب الرابع: الخطب والوصايا

- ‌في العصر العباسي

- ‌خطبة أبي العباس السفاح

- ‌ خطبة داود بن علي:

- ‌ خطبة داود بن علي وقد أرتج على السفاح:

- ‌ خطبة أخرى للسفاح بالكوفة:

- ‌ خطبة السفاح بالشام حين قتل مروان:

- ‌ خطبة عيسى بن علي حين قتل مروان:

- ‌ خطبة داود بن علي بمكة

- ‌ خطبته بالمدينة:

- ‌ خطبته وقد بلغه أن قومًا أظهروا شكاة بني العباس

- ‌ خطبته وقد أرتج عليه:

- ‌خطبة صالح بن علي:

- ‌ خطبة سديف بن ميمون:

- ‌ خطبة أبي مسلم الخراساني:

- ‌ خالد بن صفوان وأخوال السفاح:

- ‌ خالد بن صفوان ورجل من بني عبد الدار:

- ‌ خالد بن صفوان يرثي صديقًا له:

- ‌ خالد بن صفوان يمدح رجلًا:

- ‌ كلمات بليغة لخالد بن صفوان:

- ‌عمارة بن حمزة والسفاح

- ‌خطب أبي جعفر المنصور

- ‌خطبته بمكة

- ‌ خطبته بمكة بعد بناء بغداد:

- ‌ خطبته بمدينة السلام:

- ‌ خطبته وقد أخذ عبد الله بن حسن وأهل بيته:

- ‌ خطبته حين خروج محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن:

- ‌ خطبته وقد قتل أبا مسلم الخراساني:

- ‌ خطبة أخرى:

- ‌ قوله وقد قوطع في خطبته:

- ‌ المنصور يصف خلفاء بني أمية:

- ‌ المنصور يصف عبد الرحمن الداخل:

- ‌وصايا المنصور لابنه المهدي:

- ‌ وصية له:

- ‌ خطبة النفس الزكية حين خرج على المنصور:

- ‌ وصية عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي لابنه محمد "أو إبراهيم

- ‌ قول عبد الله بن الحسن وقد قتل ابنه محمد:

- ‌ امرأة محمد بن عبد الله والمنصور:

- ‌ جعفر الصادق والمنصور:

- ‌صفح المنصور عن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب

- ‌ استعطاف أهل الشام أبا جعفر المنصور:

- ‌ استعطاف أهل الشام أبا جعفر المنصور أيضًا:

- ‌ أبو جعفر المنصور والربيع:

- ‌ مقام عمرو بن عبيد بين يدي المنصور:

- ‌ مقام رجل من الزهاد بين يدي المنصور:

- ‌ مقام الأوزاعي بين يدي المنصور:

- ‌ نصيحة يزيد بن عمر بن هبيرة للمنصور:

- ‌ معن بن زائدة والمنصور:

- ‌ معن بن زائدة وأحد زوّاره:

- ‌ المنصور وأحد الأعراب:

- ‌ أعرابية تعزي المنصور وتهنئه:

- ‌ وصية مسلم بن قتيبة:

- ‌ خطبة المهدي

- ‌مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان

- ‌مدخل

- ‌ مقال سلام صاحب المظالم:

- ‌ مقال الربيع بن يونس

- ‌ مقال الفضل بن العباس:

- ‌ مقال علي بن المهدي:

- ‌ مقال موسى بن المهدي:

- ‌ مقال العباس بن محمد

- ‌ مقال هارون بن المهدي:

- ‌ مقال صالح بن عليّ

- ‌ مقال معاوية بن عبد الله:

- ‌ ابن عتبة يعزي المهدي ويهنئه:

- ‌ يعقوب بن داود يستعطف المهدي:

- ‌ رجل من أهل خراسان يخطب بحضرة المهدي:

- ‌ مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهدي:

- ‌ عظة شبيب بن شيبة للمهدي:

- ‌ خطبته في تعزية المهدي بابنته:

- ‌ خطبة أخرى له في مدح الخليفة:

- ‌ كلمات لشبيب بن شيبة:

- ‌ خطبة يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب:يوم ولي الرشيد الخلافة

- ‌ خطبة هارون الرشيد

- ‌ وصية الرشيد لمؤَدِّب ولده الأمين:

- ‌ خطبة لجعفر بن يحيى البرمكي

- ‌ استعطاف أم جعفر بن يحيى للرشيد:

- ‌ خطبة يزيد بن مزيد الشيباني:

- ‌ خطبة عبد الملك بن صالح

- ‌ عبد الملك بن صالح يعزي الرشيد ويهنئه:

- ‌ غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح:

- ‌ قوله بعد خروجه من السجن:

- ‌ وصية عبد الملك بن صالح لابنه:

- ‌ وصية أخرى له:

- ‌ كلمات حكيمة لابن السَّماك:

- ‌ ابن السَّماك والرشيد:

- ‌الفتنة بين الأمين والمأمون

- ‌مدخل

- ‌ خطبة العباس بن موسى

- ‌ خطبة عيسى بن جعفر:

- ‌ خطبة محمد بن عيسى بن نهيك:

- ‌ خطبة صالح صاحب المصلى:

- ‌ خطبة المأمون:

- ‌ وصية السيدة زبيدة لعلي بن عيسى بن ماهان:

- ‌ وصية الأمين لابن ماهان

- ‌ استهانة ابن ماهان بأمر طاهر بن الحسين:

- ‌ حزم طاهر وقوة عزمه:

- ‌ طاهر يشد عزيمة جنده:

- ‌ وصف الفضل بن الربيع غفلة الأمين:

- ‌ وصية الأمين لأحمد بن مزيد:

- ‌ مقال عبد الملك بن صالح للأمين:

- ‌ الشغب في جيش عبد الملك بن صالح:

- ‌ خطبة الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان:

- ‌ خطبة محمد بن أبي خالد:

- ‌ إطلاق الأمين من سجنه ورده إلى مجلس الخلافة:

- ‌ خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين:

- ‌ خطبة الأمين وقد تولى الأمر عنه:

- ‌استعطاف الفضل بن الربيع للمأمون

- ‌ خطبة طاهر بن الحسين ببغداد بعد مقتل الأمين:

- ‌خطب المأمون

- ‌خطبته وقد ورد عليه نعي الرشيد

- ‌خطبته وقد سلم الناس عليه بالخلافة

- ‌ خطبته يوم الجمعة

- ‌خطبته يوم الأضحى

- ‌ خطبته يوم الفطر:

- ‌ خطبة ابن طباطبا العلوي:

- ‌ استعطاف إبراهيم بن المهدي المأمون:

- ‌ إبراهيم بن المهدي وبختيشوع الطبيب:

- ‌ استعطاف إسحاق بن العباس المأمون:

- ‌ أحد وجوه بغداد يمدح المأمون حين دخلها:

- ‌ أحد أهل الكوفة يمدح المأمون:

- ‌ محمد بن عبد الملك بن صالح بين يدي المأمون:

- ‌ الحسن بن سهل يمدح المأمون:

- ‌ يحيى بن أكثم يمدح المأمون:

- ‌ أحد بني هاشم والمأمون:

- ‌ رجل يتظلم إلى المأمون:

- ‌ عمرو بن سعيد والمأمون:

- ‌ الحسن بن رجاء والمأمون:

- ‌ سعيد بن مسلم والمأمون

- ‌ أبو زهمان يعظ سعيد بن مسلم

- ‌ وصية طاهر بن الحسين

- ‌ خطبة عبد الله بن طاهر:

- ‌ العباس بن المأمون والمعتصم

- ‌ استعطاف تميم بن جميل للمعتصم:

- ‌ بين يدي سليمان بن وهب وزير المهتدي بالله:

- ‌أحمد بن أبي داود والواثق

- ‌ابن أبي داود والواثق أيضا

- ‌ابن أبي داود وابن الزيات

- ‌ الجاحظ وابن أبي داود:

- ‌أبو العيناء وابن أبي داود

- ‌فهرس الجزء الثالث من جمهرة خطب العرب

- ‌الخطب والوصايا في العصر العباسي الأول

- ‌فهرس أعلام الخطباء:

- ‌ذيل جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة

- ‌فهرس المآخذ

- ‌الباب الأول: في خطب الأندلسيين والمغاربة

- ‌خطبة عبد الرحمن الداخل

- ‌عبد الرحمن الداخل ورجل من جند فنسرين

- ‌ عبد الرحمن الداخل ورجل من جنده يهنئه بفتح سرقسطة

- ‌ تأديب عبد الرحمن الأوسط لابنه المنذر:

- ‌ عبد الرحمن الأوسط وابنه المنذر أيضًا:

- ‌ يعقوب بن عبد الرحمن الأوسط وأحد خدامه:

- ‌ وفاء الوزير ابن غانم لصديقه الوزير هاشم بن عبد العزيز

- ‌ خطبة منذر بن سعيد البَلُّوطِي

- ‌ خطبة أخرى له

- ‌ أحد حساد الرمادي الشاعر والمنصور بن أبي عامر:

- ‌ ابن اللبانة الشاعر وعز الدولة بن المعتصم بن صمادح:

- ‌ دفاع ابن الفخار عن القاضي الوحيدي:

- ‌ موعظة ابن أبي رَندقة الطرطوشي

- ‌ خطبة ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين:

- ‌ مقال لسان الدين بن الخطيب

- ‌ما خطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني

- ‌ وصية لسان الدين بن الخطيب لأولاده:

- ‌ خطبة وعظية له:

- ‌ خطبة ابن الزيات المنزوعة الألف

- ‌ خطبة القاضي عياض التي ضمنها سور القرآن:

- ‌ خطبة سعيد بن أحمد المقري التي ضمنها سور القرآن:

- ‌ خطبة الكفعمي التي ضمنها سور القرآن أيضًا:

- ‌الباب الثاني في خطبة ووصايا مجهول عصرها أو قائلها

- ‌خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة

- ‌ وصية أعمى من الأزد لشاب يقوده:

- ‌ وصية رجل لآخر وقد أراد سفرًا:

- ‌ وصية رجل لابنه وقد أراد التزوج:

- ‌ وصية بعض العلماء لابنه:

- ‌ وصية لبعض الحكماء:

- ‌ عظة لبعض الحكماء:

- ‌ نصيحة لبعض الحكماء:

- ‌ كلمات شتى لبعض الحكماء:

- ‌ رجل من العرب والحجاج:

- ‌ كاتب وأمير:

- ‌ وصف الهلباجة:

- ‌ بعض البلغاء يصف رجلا:

- ‌ خمس جوارٍ من العرب يصفن خيل آبائهن:

- ‌ رجل من العرب يصف مطرًا:

- ‌الباب الثالث في نثر الأعراب قولهم في الوعظ والتوصية:

- ‌ مقام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك:

- ‌ أعرابي يعظ هشام بن عبد الملك:

- ‌ خطبة أعرابي

- ‌خبطة أخرى2

- ‌ أعرابية توصي ابنها وقد أراد السفر:

- ‌ أعرابية توصي ابنها:

- ‌ أعرابي يوصي ابنه:

- ‌ أعرابي ينصح لأخيه:

- ‌ أعرابي يعظ صاحبه:

- ‌ كلام أعرابي لابن عمه:

- ‌ كلمات حكيمة للأعراب:

- ‌أجوبة الأعراب

- ‌مجاربة أعرابي للحجاج

- ‌ مساءلة الحجاج أعرابيا فصيحا:

- ‌ مجاوبة أعرابي لعبد الملك بن مروان:

- ‌ مجاوبة أعرابي لخالد بن عبد الله القسري:

- ‌ أجوبة شتى:

- ‌قولهم في الاستمناح والاستجداء

- ‌أعرابي يجتدي عتبة بن أبي سفيان

- ‌ أعرابي يجتدي عمر بن عبد العزيز:

- ‌ خطبة أعرابي بين يدي هشام بن عبد الملك:

- ‌ مقام أعرابي بين يدي هشام:

- ‌ أعرابي يستجدي عبيد الله بن زياد:

- ‌ أعرابية تستجدي عبد الله بن أبي بكرة:

- ‌ أعرابي يستجدي خالد بن عبد الله القَسْرِيّ:

- ‌ أعرابي يستجدي معن بن زائدة:

- ‌ خطبة الأعرابي السائل في المسجد الحرام:

- ‌ خطبة الأعرابي السائل في المسجد الجامع بالبصرة:

- ‌صورى أخرى2

- ‌أعرابي يستجدي5

- ‌ أعرابية تستجدي:

- ‌ أعرابي يسأل رجلا حاجة له:

- ‌قولهم في بكاء الموتى:

- ‌ أعرابية تبكي ابنها:

- ‌ حديث امرأة سكنت البادية قريبًا من قبور أهلها:

- ‌ حديث امرأة مات ابنها بين يديها:

- ‌قولهم في الشكوى:

- ‌ أعرابي يشكو حاله:

- ‌ كلمات شتى في الشكوى:

- ‌ قولهم في العتاب والاعتذار:

- ‌ قولهم في المدح:

- ‌ قولهم في الذم:

- ‌ قولهم في الغزل:

- ‌قولهم في الوصف:

- ‌ ثلاثة غِلمة من الأعراب يصفون مطرا:

- ‌ أعرابي يصف أرضا:

- ‌ رائد يصف أرضا جدبة:

- ‌ أعرابي يصف أرضه وماله:

- ‌ أعرابي يصف بلدًا:

- ‌ أعرابي يصف أشد البرد:

- ‌ أعرابي يصف إبلا:

- ‌ أعرابي يصف ناقة:

- ‌ أعرابي يصف فرسا:

- ‌ أعرابي يصف خاتمًا:

- ‌ أعرابي يصف أطيب الطعام:

- ‌ أعرابي يصف السويق:

- ‌ أعرابي يصف الجمال:

- ‌ أبو المِخَشّ يصف ابنه:

- ‌ أعرابي يصف بنيه:

- ‌ أعرابي يصف أخويه:

- ‌قولهم في الدعاء:

- ‌ أدعية شتى:

- ‌ نوادر وملح لبعض الأعراب:

- ‌الباب الرابع في خطب النكاح:

- ‌ خطبة قريش في الجاهلية:

- ‌ خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم في زواج السيدة فاطمة:

- ‌ خطبة الإمام عليّ كرم الله وجهه:

- ‌ خطبة عتبة بن أبي سفيان:

- ‌ خطبة شبيب بن شيبة:

- ‌ خطبة الحسن البصري:

- ‌ خطبة ابن الفقير:

- ‌ خطبة عمر بن عبد العزيز:

- ‌ خطبة أخرى له:

- ‌ خطبة بلال:

- ‌ خطبة خالد بن صفوان:

- ‌ خطبة أعرابي:

- ‌ خطبة المأمون:

- ‌الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم

- ‌نوادر طريفة لبعض الخطباء

- ‌بدء الخطب وختامها:

- ‌فهرس ذيل الجمهرة:

الفصل: ‌ خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين:

فنهضوا معه وقاتلوا الحسين بن عليّ وأصحابه قتالًا شديدًا، وأكثروا في أصحابه الجراح، وأسروا الحسين، ودخل أسد الحربي على محمد فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة.

وأتى الأمين بالحسين بن علي، فلامه على خلافه وقال له: ألم أُقَدِّم أباك على الناس وأولِّهِ أَعِنَّة الخيل، وأملأ يده من الأموال، وأشرِّف أقداركم في أهل خراسان، وأرفع منازلكم على غيركم من القوَّاد؟ قال: بلى، قال: فما الذي استحققتُ به منك أن تخلع طاعتي، وتُؤَلِّب الناس عليَّ، وتَنْدُبهم إلى قتالي؟ قال: الثقة بعفو أمير المؤمنين وحسن الظن بصفحه وتفضله، قال: فإن أمير المؤمنين، قد فعل ذلك بك، وولاك الطلب بثأرك، ومن قتل من أهل بيتك، ثم دعا له بخلعه، فخلعها عليه، وحمله على مراكِبَ، وأمره بالمسير إلى حُلْوان، وخرج الحسين، فهرب في نَفَر من خدمه ومواليه، فنادى محمد في الناس، فركبوا في طلبه فأدركوه وقتلوه.

"تاريخ الطبري 10: 164".

ص: 115

107-

‌ خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين:

وقام داود بن عيسى1 والى مكة والمدينة -وكان خطيبًا فصيحًا جَهِير الصوت- يدعو إلى خلع الأمين ومبايعة المأمون، فقال:

1 هو داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان الأمين حين أفضت الخلافة إليه بعث به واليا على مكة والمدينة، فأقام واليا عليهما حتى دخلت سنة 196، فكتب الأمين إلى داود بن عيسى يأمره بخلع عبد الله المأمون، والبيعة لابنه موسى، وبعث إلى الكتابين اللذين كان الرشيد كتبهما وعلقهما في الكعبة، فأخذهما، فلما فعل ذلك جمع داود حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء، ومن كان شهد على ما في الكتابين والشهود -وكان داود أحدهم- فقال داود: قد علمتم ما أخذ علينا وعليكم الرشيد من العهد والميثاق، عند بيت الله الحرام، حين بايعنا لابنيه لتكونن مع المظلوم منهما على الظالم، ومع المبغى على الباغي، ومع المغدور على الغادر، فقد رأينا ورأيتم أن محمدا "الأمين" قد بدأ بالظلم والبغي والغدر على أخويه عبد الله المأمون، والقاسم المؤتمن، وخلعهما، وبايع لابنه الطفل رضيع صغير لم يفطم، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا، فحرقهما بالنار، وقد رأيت خلعه، وأن أبايع لعبد الله المأمون بالخلافة؛ إذ كان مظلوما مبغيا عليه، فقال له أهل مكة: رأينا تبع لرأيك، ونحن خالعوه معك، فجمع الناس، وخطبهم هذه الخطبة.

ص: 115

"الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قائمًا بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين، وختم به النبيين، وجعله رحمة للعالمين، صلى الله عليه في الأولين والآخرين.

أما بعد: يا أهل مكة، فأنتم الأصل والفرع، والعشيرة والأسرة، والشركاء في النعمة، إلى بلدكم يفد وفد الله1، وإلى قبلتكم يأتم المسلمون، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد هارون -رحمة الله عليه وصلاته- حين بايع لابنيه محمد وعبد الله بين أظهركم من العهد والميثاق، لتَنْصُرُنَّ المظلوم منهما على الظالم، والمبغي عليه على الباغي، والمغدور به على الغادر، إلا وقد علمتم وعلمنا أن محمد بن هارون قد بدأ بالظلم والبغي والغدر، وخالف الشروط التي أعطاها من نفسه في بطن البيت الحرام، وقد حلَّ لنا ولكم خلْعُه من الخلافة وتصييرها إلى المظلوم المبغي عليه، المغدور به، إلا وإني أشهدكم أني قد خلعت محمد بن هارون من الخلافة، كما خلعت قَلَنْسُوتي هذه من رأسي وخلع قلنسوته عن رأسه، فرمى بها إلى بعض الخدم تحته، وكانت من بُرُودٍ وحِبَرَة2 مسلسلة حمراء، وأتى بقلنسوة سوداء هاشميَّة فلبسها -ثم قال: قد بايعت لعبد لله المأمون أمير المؤمنين بالخلافة، إلا فقوموا إلى البيعة لخليفتكم"، فصعد جماعة من الوجوه إليه إلى المنبر رجل فرجل، فبايعه لعبد لله المأمون بالخلافة وخلع محمدا.

"تاريخ الطبري 10: 170".

1 أي لتأدية فريضة الحج.

2 برود حبرة: ضرب من البرود اليمانية؟ يقال: برد حبرة مثل عتبة على الوصف والإضافة، وبرود حبرة، وليس حبرة موضعًا أو شيئا معلوما، إنما هو وشي كقولك: ثوب قرمز، والقرمز: صبغة.

ص: 116