الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنهضوا معه وقاتلوا الحسين بن عليّ وأصحابه قتالًا شديدًا، وأكثروا في أصحابه الجراح، وأسروا الحسين، ودخل أسد الحربي على محمد فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة.
وأتى الأمين بالحسين بن علي، فلامه على خلافه وقال له: ألم أُقَدِّم أباك على الناس وأولِّهِ أَعِنَّة الخيل، وأملأ يده من الأموال، وأشرِّف أقداركم في أهل خراسان، وأرفع منازلكم على غيركم من القوَّاد؟ قال: بلى، قال: فما الذي استحققتُ به منك أن تخلع طاعتي، وتُؤَلِّب الناس عليَّ، وتَنْدُبهم إلى قتالي؟ قال: الثقة بعفو أمير المؤمنين وحسن الظن بصفحه وتفضله، قال: فإن أمير المؤمنين، قد فعل ذلك بك، وولاك الطلب بثأرك، ومن قتل من أهل بيتك، ثم دعا له بخلعه، فخلعها عليه، وحمله على مراكِبَ، وأمره بالمسير إلى حُلْوان، وخرج الحسين، فهرب في نَفَر من خدمه ومواليه، فنادى محمد في الناس، فركبوا في طلبه فأدركوه وقتلوه.
"تاريخ الطبري 10: 164".
107-
خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين:
وقام داود بن عيسى1 والى مكة والمدينة -وكان خطيبًا فصيحًا جَهِير الصوت- يدعو إلى خلع الأمين ومبايعة المأمون، فقال:
1 هو داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان الأمين حين أفضت الخلافة إليه بعث به واليا على مكة والمدينة، فأقام واليا عليهما حتى دخلت سنة 196، فكتب الأمين إلى داود بن عيسى يأمره بخلع عبد الله المأمون، والبيعة لابنه موسى، وبعث إلى الكتابين اللذين كان الرشيد كتبهما وعلقهما في الكعبة، فأخذهما، فلما فعل ذلك جمع داود حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء، ومن كان شهد على ما في الكتابين والشهود -وكان داود أحدهم- فقال داود: قد علمتم ما أخذ علينا وعليكم الرشيد من العهد والميثاق، عند بيت الله الحرام، حين بايعنا لابنيه لتكونن مع المظلوم منهما على الظالم، ومع المبغى على الباغي، ومع المغدور على الغادر، فقد رأينا ورأيتم أن محمدا "الأمين" قد بدأ بالظلم والبغي والغدر على أخويه عبد الله المأمون، والقاسم المؤتمن، وخلعهما، وبايع لابنه الطفل رضيع صغير لم يفطم، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا، فحرقهما بالنار، وقد رأيت خلعه، وأن أبايع لعبد الله المأمون بالخلافة؛ إذ كان مظلوما مبغيا عليه، فقال له أهل مكة: رأينا تبع لرأيك، ونحن خالعوه معك، فجمع الناس، وخطبهم هذه الخطبة.
"الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قائمًا بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين، وختم به النبيين، وجعله رحمة للعالمين، صلى الله عليه في الأولين والآخرين.
أما بعد: يا أهل مكة، فأنتم الأصل والفرع، والعشيرة والأسرة، والشركاء في النعمة، إلى بلدكم يفد وفد الله1، وإلى قبلتكم يأتم المسلمون، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد هارون -رحمة الله عليه وصلاته- حين بايع لابنيه محمد وعبد الله بين أظهركم من العهد والميثاق، لتَنْصُرُنَّ المظلوم منهما على الظالم، والمبغي عليه على الباغي، والمغدور به على الغادر، إلا وقد علمتم وعلمنا أن محمد بن هارون قد بدأ بالظلم والبغي والغدر، وخالف الشروط التي أعطاها من نفسه في بطن البيت الحرام، وقد حلَّ لنا ولكم خلْعُه من الخلافة وتصييرها إلى المظلوم المبغي عليه، المغدور به، إلا وإني أشهدكم أني قد خلعت محمد بن هارون من الخلافة، كما خلعت قَلَنْسُوتي هذه من رأسي وخلع قلنسوته عن رأسه، فرمى بها إلى بعض الخدم تحته، وكانت من بُرُودٍ وحِبَرَة2 مسلسلة حمراء، وأتى بقلنسوة سوداء هاشميَّة فلبسها -ثم قال: قد بايعت لعبد لله المأمون أمير المؤمنين بالخلافة، إلا فقوموا إلى البيعة لخليفتكم"، فصعد جماعة من الوجوه إليه إلى المنبر رجل فرجل، فبايعه لعبد لله المأمون بالخلافة وخلع محمدا.
"تاريخ الطبري 10: 170".
1 أي لتأدية فريضة الحج.
2 برود حبرة: ضرب من البرود اليمانية؟ يقال: برد حبرة مثل عتبة على الوصف والإضافة، وبرود حبرة، وليس حبرة موضعًا أو شيئا معلوما، إنما هو وشي كقولك: ثوب قرمز، والقرمز: صبغة.