الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يا بن أخي، قلت: ما تشائين؟ قالت: ما أحق من أُلْبِس النِّعمة وأطِيلَت له النَّظِرَةُ1، أن لا يَدَعَ التوثُّق من نفسه، قبل حلّ عُقدته2، والحلول بِعَقْوَتِه3، والمَحَالَةِ بينه وبين نفسه"، قال: وما يَقْطُر من عينها قطرةٌ صبرًا واحتسابًا، ثم نظرت إليه فقالت: والله ما كان مالك لِبَطْنِك، ولا أمرك لِعِرْسِك4، ثم أنشدت تقول:
رَحِيبُ الذراعِ بالتي لا تَشِينُهُ
…
وإن كانت الفَحْشَاء ضَاقَ بِهَا ذَرْعًا5
"الأمالي 2: 282، والبيان والتبيين 3: 231".
1 النظرة: الإمهال.
2 كناية عن الموت.
3 العقوة: المحلة، أي بقبره.
4 العرس: امرأة الرجل.
5 ضاق بالأمر ذرعا: ضعفت طاقته، ولم يجد من المكروه فيه مخلّصًا.
قولهم في الشكوى:
59-
أعرابي يشكو حاله:
عن عبد الرحمن عن عمه قال:
"قَدِم علينا البصرة رجل من أهل البادية شيخ كبير، فقصدته فوجدته يَخْضِب لِحْيَتَه، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: بلغني ما خَصَّك الله به، فجئتك أقتبس من علمك، فقال: أتيتني وأنا أخضِب، وإن الخِضاب لمن علامات الكِبَر، وطال والله ما غَدَوْتُ على صيد الوحوش، ومشيتُ أمام الجيوش، واخْتَلْت بالرِّدا، وهُؤتُ1 بالنساء، وقَرَيْت الضيف، وأرويتُ السيف، وشربت الرَّاح، ونادمت الجَحْجَاح2، فاليوم قد حَنَانِي الكبر، وضَعُف مني البصر، وجاء بعد الصفو الكدر، ثم قبض على لحيته، وأنشأ يقول:
شيب تُغَيِّبُه كيما تَغُرَّ به
…
كبيعك الثوب مَطْوِيًّا على حرق
قد كنت كالغصن ترتاح الرِّياح له
…
فصرت عودا بلا ماء ولا ورق
صبرا على الدهر، إن الدهر ذو غيرٍ
…
وأهله منه بين الصفو والرَّنَقِ3
"الأمالي 2: 94".
1 هؤت به: فرحت به.
2 الجحجاج: السيد.
3 الرنق: الكدر.